24 جمادي الثاني 1446 هـ   26 كانون الأول 2024 مـ 6:33 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-08-01   1850

البيئة وحقوقها في المأثور العصموي الشريف

اقتضت المشيئة الإلهية أن تُسخر الطبيعة وبيئتها خدمة للإنسان، بعد أن هيئها جل شأنه وصيرها سليمة نقية تنسجم ومتطلبات هذا الكائن الذي باهى به جل شأنه باقي خلقه.
ولم يكن هذا التسخير مجاني، إنما ألزم الباري سبحانه؛ الإنسان بضرورة المحافظة على بيئته ومجمل الطبيعة، لأن منها منشأه وإليها معاده.
كما دعاه إلى ضرورة التفكُّر في الآيات الكونيَّة التي صورها الله جل شأنه في أحسن ما يكون، وأبدع في خلقها وتسويتها، ، وقد ندب الى التدبر والتفكير في عظيم هذه الخلقة ـ الطبيعة وبيئتها ـ ومن ذلك قوله جل وعلا: ((أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُل زَوْجٍ بَهِيجٍ))(سورة ق ـ 6ـ 7).
وقد أسس الإسلام لعلاقة حُبٍّ ووُدٍّ بين الإنسان المسلم وبيئته المحيطة، ما كان منها جمادا أو حيا، خصوصا وإن فيها ـ المحافظة على البيئة ـ نفعٌ له في دنياه؛ لأنه سيَحْيَا حياة هانئة، وفي آخرته حيث ثواب الله الجزيل.
وقد جاءت رؤية النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله كتأكيد للما ورد في القرآن الكريم من نظرة شمولية للكون، بما يوثق الصلة بين الإنسان والكون، بل وأنها صلة أساسيَّة وارتباطً متبادَل بينه وباقي عناصر الطبيعة، واساس هذه الصلة هو الإيمان بأنه إذا أساء الإنسان استخدام عنصر من عناصر الطبيعة أو استنزفه بشكل مخل؛ فإن العالم برُمَّته سوف يُضَارُّ أضرارًا مباشرة.
ومما جاء في التشريع الإسلامي من حرص على البيئة، القاعدة الفقهية العامة التي أوردها نبي الرحمة صلوات الله عليه وآله بقوله الشريف: "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ....".، لتتّابع بعد ذلك التشريعات التي تُحذِّر من تلويث البيئة أو إفسادها، فعنه صلى الله عليه وآله، أنه قال: "اتَّقُوا الْـمَلاَعِنَ الثَّلاَثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْـمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ".
كما جعل صلى الله عليه وآله إماطة الأذى من حقوق الطريق، فقال صلوات الله عليه وآله: "إِيَّاكُمْ وَالْـجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ"، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ؛ إِنَّما هي مجالسنا نَتَحَدَّثُ فيهَا. فقال: "فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْـمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا"، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: "... وَكَفُّ الأَذَى...".
وفي صورة أكثر تصريحًا وتعبيرًا في الحثِّ على المحافظة على البيئة وجمالها، واستنبات الأرض وزراعتها؛ قال صلوات الله عليه وآله: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلاَّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ؛ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وقد نوَّه نبي الرحمة صلوات الله عليه وآله إلى المكاسب التي يجنيها الإنسان من إحياء الأرض البور؛ إذ جعل زرع شجرة، أو غرس بذرة، أو سَقْي أرض عطشى من أعمال البرِّ والإحسان، فقال: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ مِنْهَا -يَعْنِي أَجْرًا- وَمَا أَكَلَتِ الْعَوَافِي مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ".
ولأن الماء أحدُ أهمِّ الثروات البيئيَّة الطبيعيَّة، فكان الاقتصاد فيه والمحافظة على طهارته قَضِيَّتَيْنِ مهمَّتين في نظر البي الأكرم، حيث مّرَ ذات يوم بسعد؛ وهو يتوضَّأ فقال: "مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟" قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ".
هذا غيض نمن فيض مما ورد عن لسان النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله في أهمية الحفاظ على البيئة ، وصولا لخلق مفهوم إسلامي خاص يؤسس لإيمان إسلامي خاص مفاده بأن البيئة بجوانبها المختلفة تتفاعل وتتكامل وتتعاون بعضها مع بعض وَفْق سُنَنِ كونية محكمة بالإرادة الإلهية التي اقتضت أن يكون هذا الكوم غاية في الإبداع والجمال.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م