2 جمادي الثاني 1446 هـ   4 كانون الأول 2024 مـ 11:19 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2024-06-06   418

قرآن المسلمين.. كتاب إلهي أم من تأليف محمد؟!

دعوى تفتقر الى دليل، كما ان القول بأن القرآن الكريم كتاب الله تعالى كذلك دعوى تحتاج الى إثبات ودليل، والذي يكفي فيه أن القرآن نفسه هو معجزة من جوانب عدة، كبلاغته التي أعيت فصحاء العرب، فراح القرآن يشمخ عليهم ويدعوهم للمنازلة، على أن يأتوا بكتاب مثله، بل لو بسورة واحدة، فما استطاعوا، وكإخباراته الغيبية، وعلومه التوحيدية وغيرها من جهات إعجازه، قد فصلها المفسرون بما لا مجال له هنا، لكن ما يهمنا هو ذكر لفتة لبعض المعاصرين تستحق الوقوف عندها:

فلو كان القرآن بشرياً لكان من الطبيعي أن تجده مليئاً باهتمامات مؤلفه وملامح شخصيته، فلا تجد فيه مؤاخذة عليه أو ما يوجب العتب، إضافة للكثير من الإشارة لمواضع ألمه وأسباب فرحه، فالبشر يكتبون بمعايير البشر وقدراتهم، ووفق أحاسيسهم ورغباتهم وعلومهم وموضوعاتهم.
إن نظرة متعمقة في آيات القرآن الكريم تكشف عن طبيعته الإلهية؛ إذ تسمو موضوعاته بعيداً عن اهتمامات البشر وأفكارهم. يتناول القرآن مواضيع لا يطرقها البشر عادة ولا يستطيعون الإبداع فيها، مثل الحديث عن صفات الله وأسمائه وأفعاله، واليوم الآخر بأهواله وجنته وناره، إضافة إلى تناول التاريخ القديم والمستقبل البعيد.
وفي المقابل، يخلو القرآن من المشاعر الإنسانية التي قد تحملها صفحاته، فلا نجد فيه حزن الاستضعاف في مكة، ولا نشوة النصر في المدينة. كما لا يتناول آلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أفراحه وآماله وتطلعاته. فلا يذكر القرآن موت زوجته خديجة وعمه أبي طالب في عام الحزن، ولا يتطرق إلى زواجه أو ميلاد أولاده أو وفاتهم، أو أي أمور شخصية تتعلق بزوجاته أو أصحابه. فالقرآن لا يهدف إلى تسجيل السير والحكايات، لذا لم يرد فيه ذكر اسم زوجة من زوجاته أو ابن من أبنائه وبناته، ولا اسم عدو من أعدائه، ولا صاحب من أصحابه، باستثناء أبي لهب وزيد رضي الله عنه.
بل إن القرآن الكريم لم يذكر اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آياته إلا خمس مرات، بينما ذُكر عيسى عليه السلام باسمه خمساً وعشرين مرة، وموسى عليه السلام بما يزيد عن المائة مرة. هذا التباين يثبت لكل من يتأمل أن القرآن هو كتاب الله، وليس كتاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. هذه الملاحظة دفعت أستاذ الرياضيات في جامعة الظهران، الدكتور الكندي غاري مِلر، إلى اعتناق الإسلام في عام ١٩٧٧م.
وإذا أردنا المزيد من البيان، فلننظر إلى الكتب التي يؤمن بها اليهود والمسيحيون اليوم؛ سنجدها حافلة بما يشير إلى بشريتها، إذ تحكي عن هموم البشر وآلامهم وآمالهم ورغباتهم، وذلك باب يطول تتبعه، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.
أرسل يوحنا في رسالته المقدسة عند أتباعه كلمات تبين عواطفه ومشاعره الإنسانية، فيقول: «غايس الحبيب الذي أحبه بالحق، أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً ... سلام لك، يسلم عليك الأحباء، سلم على الأحباء بأسمائهم» يوحنا (٣) ١ - ١٤.
وأما بولس فكتب إلى صديقه تيموثاوس رسالته التي أضحت عند المسيحيين جزءاً من كتابهم المقدس، فيقول فيها: «الرداء الذي تركته في تراوس عند كابرس أحضره متى جئت، والكتب أيضاً لاسيما الرقوق .... سلم على ريسكا وأكيلا وبيت أنيسي فورس، اراستس بقي في كورنثوس، وأما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضاً، بادر أن تجيء قبل الشتاء ... » تيموثاوس (٢) ٤/ ١٣ - ٢١، فمثل هذا الإنشاء والمعاني الإنسانية لا تجده في القرآن العظيم.
ومن ناحية أخرى، يمكننا من خلال تفحص النص القرآني الوقوف على عشرات الشواهد التي تثبت أن هذا القرآن ليس من إنشاء محمد صلى الله عليه وآله، ولا من تأليفه، بل هو كلام الله تبارك وتعالى المنزل عليه. ومن بين هذه الشواهد آيات العتاب الإلهي للنبي صلى الله عليه وآله، فالبشر حين يكتبون يمجدون أنفسهم ويعظمون ذواتهم بين الناس، يكتبون ليخلدوا ذكرهم ومفاخرهم، ويتغاضون عن ذكر معايبهم وأخطائهم، فهم لا يكتبون لتخليد ذكر العيوب.
ولم يسجل التاريخ البشري أن كاتبًا ما قد سجل على نفسه عتابًا كما فعل القرآن مع النبي صلى الله عليه وآله، ولو كان القرآن من إنشائه، لكان من الطبيعي أن يبرر أفعاله ويصوب خطأه. فآيات القرآن تأتي على خلاف ما نعتاده من البشر وطرائقهم في التأليف، مما يدل على مصدره الإلهي.
والمواضع التي عاتب الله فيها نبيه صلى الله عليه وآله عديدة، منها أنه لما جاءه المنافقون بعد غزوة تبوك يعتذرون عن تخلفهم بأعذار كاذبة؛ قَبِل منهم أعذارهم، وعفا عنهم، فعاتبه ربه عز وجل: (عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ)، التوبة: ٤٣.
ومنها أنه لما جاء إليه زيد بن حارثة يستشيره في طلاق امرأته زينب؛ أمره النبي صلى الله عليه وآله بإمساكها، مع أن الله أعلمه أن زيداً سيطلقها، وأنها ستكون زوجة له صلى الله عليه وآله وأُمّاً للمؤمنين، فكشف القرآن سر نفسِه: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ الله عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ الله وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ)، الأحزاب: ٣٧.
وكذلك عاتب الله نبيه - صلى الله عليه وآله لما حرم على نفسه العسل، حين أكله عند إحدى أزواجه، فأخبرته زوجتان أخريان أنهما تجدان منه ريح المغافير، وهو طعام حلو الطعم، سيء الرائحة، فحرَّمه صلى الله عليه وسلم على نفسه، فقال له الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ)، التحريم: ١.
ولو كان محمد صلى الله عليه وآله مؤلف القرآن لما قال فيما هو في ظاهره خطاب له صلى الله عليه وآله -: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)، الإسراء: ٧٤ - ٧٥.
ولو كان من تأليفه لما قال عن نفسه: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ)، الحاقة: ٤٤ - ٤٧)، فما هكذا يكتب البشر عن أنفسهم.
الشيخ مقداد الربيعي – باحث وأستاذ في الحوزة العملية

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م