4 ربيع الاول 1446 هـ   8 أيلول 2024 مـ 5:23 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2024-07-07   238

حيّ على العزاء.. كيف نترجم حب الإمام الحسين (ع) إلى سلوك وعمل؟

«من غرس أشجار التقى جنى ثمار الهدى».. الإمام علي عليه السلام

الشيخ مقداد الربيعي: ثبت بالنقل أن جماعة من عرب الجاهلية كانوا إذا أحرموا للحج لم يدخلوا بيوتهم عند الحاجة من الباب، لأنهم يعتقدون أن المحرم لا يجوز أن يحول بينه وبين السماء حائل، بل اتخذوا نقباً من ظهورها ودخلوا منه فنهى عن ذلك الإسلام وأمرهم بدخول البيوت من أبوابها، قال تعالى: (.. وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، البقرة: 189.

والمثل مضروب كناية عن النهي عن الاتيان بالأفعال بعيدة عن الغايات التي شرعت لأجلها، فالعبادات شرعت لأجل تحصيل مَلَكَة التقوى، وأما ما نراه من البعض، من اهتمام مفرط بصورة العبادة، من دون أن نرى أثر التقوى في سلوكه، فهو دخول للبيوت من ظهورها، فتراه ناسكاً عابداً يحتاط في دقائق طعامه وشرابه، لكن إذا غضب، تراه وحشاً كاسراً، لا يبالي إن ظلم أو هتك مؤمن!! مع أن القرآن الكريم صريح في جعل العبادات وسائل لا غايات، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ..)، البقرة: 45.

فتطالعنا آيات عديدة من القرآن الكريم، بل حتى من الكتاب المقدس في الديانات السماوية الأخرى (اليهودية والمسيحية)، حول دور العبادات في تحصيل "التقوى"، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، البقرة: 21، وفي حثه لبني إسرائيل على التمسك بتعاليم التوراة المنزلة على موسى عليه السلام يقول: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، البقرة: 63. فكانت العبادات وسيلة لتحصيل التقوى.

من هنا كانت هي مطلب الأنبياء من أقوامهم، قال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ)، الشعراء: 106، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ)، الشعراء: 124، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ)، الشعراء: 142، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ)، الشعراء: 161، (إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ)، الشعراء: 177، (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ)، الصافات: 124.

فالحق سبحانه يأمر عباده بإتيان العبادات من صوم وصلاة وحج ونحوها لتحصيل "التقوى" وهذا يعني أنها حالة معنوية وروحية تحصل عقيب فعل العبادات، فالمأمول من العبادات أن تؤول الى حالة الخشية والخوف من الحق تعالى، والتي ستنعكس على سلوك العبد كالتزام بالسير على جادة الشريعة بفعل الواجب وترك المحرم. قال تعالى: (..وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ..)، العنكبوت: 45.

وهذا ما بينه أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: «التقوى مفتاح الصلاح»، عنه (عليه السلام): «ما أصلح الدين كالتقوى». وعنه ايضاً: «إن تقوى الله عمارة الدين وعماد اليقين، وإنها لمفتاح صلاح ومصباح نجاح». وعنه (عليه السلام): «إن تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كل ملكة، ونجاة من كل هلكة، بها ينجح الطالب، وينجو الهارب، وتنال الرغائب». وعنه ايضاً: «سبب صلاح الإيمان التقوى». ميزان الحكمة: ج4، ص ٣٦٢٨.

ومن المعلوم أن الشريعة بنيت على المصالح والمفاسد، فما من فعل أوجبه الحق تعالى إلا وكانت وراءه مصلحة ملزمة، لا يجوز تفويتها، ولا حرم فعلاً إلا وكانت وراءه مفسدة، فتؤول فائدة العبادة إذن للعبد نفسه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، النحل: 90.

فالمعادلة هي: العبادات تنتهي الى تحصيل التقوى وهي بدورها تؤول الى فعل الواجبات وترك المحرمات، أي فعل كل ما في مصلحة العبد وتجنب ما يضره.

من هنا يتضح غنى الحق تعالى عن عبادة خلقه، وحاجتهم الذاتية لها، وهذا هو الذي يشير اليه القرآن الكريم بإرجاع آثار الطاعات والمعاصي الى الإنسان الذي لا شأن له إلا الفقر والحاجة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)، فاطر: 15، فإن الله سبحانه أمنع جانباً من أن يتصور في حقه فقر وحاجة أو تأثر وأذى، وبالجملة هو سبحانه برئ من كل نقص، فما تعطيه العبادات من الأثر الجميل ـ أي عبادة كانت وأي أثر كان ـ إنما يرجع الى العبد دون الرب تعالى وتقدس، كما أن المعاصي أيضاً كذلك، قال تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..)، الإسراء: 7.

ولنضرب مثلاً آية الصوم، وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، البقرة: 183، فإن كل أنسان يدرك أن من أراد الاتصال بعالم الطهارة والرفعة، والارتقاء الى مدارج الكمال والروحانية فأول ما يلزمه أن يتنزه عن الاسترسال عن استيفاء لذائذ الجسم، وينقبض عن الجماح في شهوات البدن ويتقدس عن الإخلاد الى الأرض، وبالجملة أن يتقي ما يبعده الاشتغال به عن الرب تبارك وتعالى فهذه تقوى إنما تحصل بالصوم والكف عن الشهوات، حتى يحصل له التدرب على اتقاء المحرمات واجتنابها، وتتربى على ذلك إرادته في الكف عن المعاصي والتقرب الى الله سبحانه، فإن من أجاب داعي الله في المشتهيات المباحة وسمع وأطاع فهو في محارم الله ومعاصيه أسمع وأطوع.

وبما أننا على أبواب شهر المحرم، وذكرى سيد الشهداء عليه السلام، ينبغي أن ننبه خدمة الحسين وفقهم الله تعالى لموقعية الخدمة، وإنها الطريق والوسيلة لنيل الغاية وهي جعل الإمام الحسين قدوة وأسوة، فالأصل هو التأسي به عليه السلام، بالتضحية بالغالي والنفيس لأجل المبدأ، ولو كان العيال والأخوة والأصحاب.

فمن أراد التأسي بإمامه، فحي على إقامة الشعائر وحضور المجالس، والبكاء، وهذه حقيقة لا يدركها إلا الوجدان، فارجع البصر تجد من أدام البكاء، وإقامة الشعائر والخدمة الحسينية أكثر الناس حباً لسيد الشهداء عليه السلام، وأرقهم قلباً، وأكثرهم خوفاً. هذه العواطف التي ستنعكس ولاءً وتأسياً.   

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م