هل يهتم الإسلام بالمسؤولية والواجب أكثر أم بحقوق الناس؟
فهل يهتم الإسلام بالمسؤولية والواجب أكثر من حقوق الناس؟
والجواب، إن المتأمل في حال الإنسان يجد طبيعته البشرية تدفعه لتحصيل وتحقيق كل احتياجاته ورغباته، أي فيه ما يدفعه لتحصيل حقه بل أكثر من ذلك، فلا يحتاج الى من يحثه ويحركه بهذا الاتجاه، وإنما المهم هو إرشاده لحدود حقوقه وتحذيره من تجاوزها، والتي تمثل بطبيعة الحال "التكاليف والمسؤوليات" قال تعالى: (.. تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، البقرة: 187. وقال: (.. تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، البقرة: 229.
ومن الواضح أن تنبيه الإنسان لحدود حقه يمثل بياناً لحقوق الآخرين، وبالتالي فهو بيان لحقوقه أيضاً، لأن التكليف والتحذير لم يتوجه له بالخصوص، بل يشمل كافة الناس، فلا يجوز لهم التعدي على حقوقه. لكن بما ان وظيفة الدين هي الهداية والتربية، فإنه يهتم أكثر ببيان الواجبات والوظائف والمسؤوليات.
ولننظر في جملة من وصايا الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق كنموذج، فيبدأ عليه السلام بالقول: «إعلم رحمك الله، إن لله عليك حقوقاً محيطة بك، في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها أو جارحة قلبتها أو آلة تصرفت بها بعضاً أكبر من بعض..». فالإنسان ـ بحسب الإمام السجاد عليه السلام ـ محاصر بالحقوق من كل جانب، وهنا ينبغي الالتفات الى الأسلوب، فلم يقل لك حقوقاً على الآخرين ويجب عليهم احترامها، بل قال لهم عليك حقوق يجب عليك احترامها.
كما أن هناك فقرة أهم في كلمات الإمام زين العابدين عليه السلام، حين جعل "حق الله تعالى" هو أصل جميع الحقوق، وكلها تتفرع منه، حينما قال عليه السلام: «وهو أصل الحقوق ومنه تتفرع سائر الحقوق» وهذا ما يحتاج لتوضيح: فالمتفق عليه أن المبرر والمسوغ للتصرف ليس هو إلا الملكية، فكون الشخص يملك الحق في التصرف بغيره ناشئ من أن له نحواً من أنحاء الملِك، فلا يجوز لشخص التصرف في غيره إلا إذا كان مالكاً له او عنده إذن بالتصرف من المالك. وبما أنه قد ثبت بالدليل العقلي والنقلي أنه تعالى الخالق لكل الموجودات فيكون المالك لها، وملكيته تعالى ليست كملكية غيره، فملكيتنا للمال قابل للانتقال بالبيع او السرقة، فهي ليست ملكية حقيقية لإمكان سلبها، بخلاف ملكيته تعالى لخلقه، فهي ثابتة لا تزول، قال تعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، الأعراف: 54.
فالله تعالى هو الذي أعطانا كل شيء ومن جملة ذلك "الإرادة والاختيار" فقد خلقنا مختارين، وعليه فله الحق أن يأمرنا بأن هذا الاختيار وتلك الإرادة التي أعطيتكم يجب أن تستعملوها في هذا الطريق دون ذاك، ووفق ما أقوله لكم. فالله تعالى قد خلقنا لنصل الى كمالنا وهو التقرب اليه، والآن بما أن الله تعالى أراد منّا ذلك فيجب علينا التصرف بحسب ما يريد قضاءاً لحقه علينا.
كما أنه تعالى أراد أن تكون ظروف وطبيعة المجتمع بحيث يتمكن الناس من الوصول الى الكمال والسعادة التي هي القرب منه تعالى، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، الذارايات: 56. وهذا ما أراده من الحكومات، بأن تهيئ للناس ظروف عبادة الله والتقرب منه، فالحكومة ملزمة بتهيئة هذه الظروف، وإزالة العراقيل التي تمنع ذلك، فيجب على الحاكم منع انتشار المفاسد الأخلاقية في المجتمع حتى تتهيأ الظروف اللازمة لتكامل المجتمع.
كما أنه وفق الرؤية الإسلامية تكون جميع الحقوق هي لله بالإصالة، فله أن يهب او يعين بعض الحقوق لغيره، كما لو جعل حقاً للأب على بنيه، أو للزوج على زوجته، او للحاكم على المحكوم، فيكون لهم الحق بالتبع. ولهذه الرؤية آثارها الكبيرة، فإذا كان حق ما عدا الله سبحانه تابعاً لحق الله، فإنه سينال من الحق مالا يتقاطع مع حق الله، ومتى حصل التقاطع قُدم حق الله عليه، كما لو أمر الوالدان بالكفر بالله تعالى، فيسقط حق طاعتهما على الولد، وكذا الحاكم إذا أمر بغير حكم الله.
كذلك حقوق الإنسان الأساسية كحقه بالحياة والحرية والسكن ونحوها، لا يبقى مجال لها إذا ما تقاطع مع حق الله تعالى بالطاعة الذي بينه في شريعته.