مفاهيم قرآنية: الشر يعم والخير يخص!!
الشيخ مقداد الربيعي: شاع بين الناس المثل القائل: "الشر يعم والخير يخص" بل خرج من حدود النظرية الى التطبيق الفعلي فقد ترى المسؤول يعاقب من تحت مسؤوليته عقاباً جماعياً بسبب تصرفات آحادهم، ظناً منه أن في ذلك مصلحة، ويبرر تصرفه بهذه المقولة: "الشر يعم والخير يخص".
لكن إذا عرضنا المثل على ميزان الشريعة، نجدها صريحة في مناقضته، أما اختصاص الشر بفاعله وعدم تعديته لغيره، فالنصوص فيه كثيرة، كقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، فصلت: 46. وقوله تعالى ايضاً: (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، الأنعام: 164. فلا يجازى على السيئة من لا علاقة له بها، فيختص الشر بفاعله.
وأما تعميم الخير، وأن أثره لا يختص بفاعله فأيضاً كثيرة، كالنصوص عند الفريقين في أن عمل البعض يسقط العقوبة الدنيوية عن الباقين، ففي الكافي الشريف باب «إن الله يدفع بالعامل عن غير العامل»: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبد الله بن القاسم عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الحج لهلكوا وهو قول الله عز وجل: (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) فوالله ما نزلت إلا فيكم ولا عنى بها غيركم».
ويعلق الشيخ محمد صالح المازندراني على الحديث شارحاً:
قوله: (قال: إن الله ليدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا - إلى آخره) المراد بالهلاك الهلاك الدنيوي وهو الاستيصال فيدل على أن وجود الصلحاء سبب لبقاء الأشقياء ولعل الدفع والهلاك غير مختصين بفعل الواجبات المذكورة وتركها مع احتماله ولعل المراد بقوله (عليه السلام): «فو الله ما نزلت إلا فيكم» أن تنزيلها فيكم وأنكم مقصودون أولا وبالذات فلا ينافي شمول تأويلها للغير. شرح أصول الكافي ج10، ص200.
فوفق هذا الحديث يكون الخير الصادر من البعض شافعاً لسقوط العقوبة الدنيوية ـ لا الأخروية ـ عن البعض الآخر، فيعم الخير.
فإن قلت: كذلك يوجد من النصوص ما يؤيد المثل المذكور، كقوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، الأنفال: 25.
أجبناك: بأن في الآية الكريمة قرائتين، الأولى بجعل اللام في (لتصيبن) للقسم، وهي قراءة الإمامين السجاد والباقر عليهما السلام، وكذا قراءة زيد بن ثابت والربيع بن انس وأبو العالية على ما في تفسير مجمع البيان، فيكون المعنى واتقوا فتنة أقسم أنها لا تصيب إلا الذين ظلموا منكم. فتكون العقوبة خاصة لا عامة.
وعلى القراءة الثانية تكون الـ(لا) ناهية، بمعنى أن الفتنة والعقاب لا يختص بالظالمين، وهنا قد يُتوهم الإشكال، إلا أننا إذا عرفنا بأنها نزلت فيمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فصار الجميع عاصين، وبالتالي استحق الجميع العقاب إنحل الإشكال.
وبعبارة أخرى: إن جماعة ارتكبت المعاصي، ولم يقم الاخرون ممن لم يرتكبوا بنهيهم عن المنكر صار المجموع عاصين، الطائفة الأولى لارتكابهم المعصية، والطائفة الثانية لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فشمول العقوبة لهم من باب أنهم تركوا واجباً وعصوا أمراً، لا من باب تعدية عقوبة فعل من فرد لآخر.
والخلاصة أن مقتضى العدل تخصيص العقاب بالمستحق، وعدم تحميل الآخر وزره، ومقتضى الرحمة تعميم الخير وشمول حتى غير المستحقين، على خلاف المثل السائر، فرب مشهور لا أصل له، بل لعله يخالف الأصول الدينية التي بُنيت عليها الشريعة السمحة.