
2025-03-18 114

الوحدة الإسلامية بين التنوع المذهبي والتحديات المعاصرة
الشيخ معتصم السيد أحمد
تعدّ الوحدة الإسلامية من أهم
القضايا التي تواجه الأمة في العصر الحديث، حيث تتشابك التحديات
السياسية والاجتماعية مع التنوع المذهبي، مما يجعل تحقيق الوحدة
أمراً معقداً لكنه ضروري. هذا التنوّع، وإن كان يُنظر إليه أحياناً
كعائق أمام الوحدة، يمكن أن يكون في الواقع مصدر قوة إذا تم التعامل
معه برؤية حضارية تعتمد على المشتركات الكبرى بين المسلمين، مع
احترام الخصوصيات العقائدية لكل مذهب. ومن هنا، يصبح السؤال
المطروح: كيف يمكن تحقيق الوحدة الإسلامية في ظل هذا التنوع، وما هي
الضوابط التي تجعلها واقعية ومستدامة؟
الوحدة الإسلامية: مفهومها
وأبعادها
الوحدة الإسلامية لا تعني إلغاء
المذاهب أو فرض مذهب معين على الجميع، وإنما تعني بناء أرضية مشتركة
قائمة على الثوابت التي يجتمع عليها المسلمون جميعاً، مثل الإيمان
بالله ورسوله والقرآن الكريم، مع احترام التعددية المذهبية بوصفها
جزءاً من تاريخ الأمة وتراثها الفكري. وهذه الوحدة ليست مجرد شعار،
بل مشروع حضاري يسعى إلى توحيد الصفوف لمواجهة التحديات الكبرى التي
تهدد كيان الأمة الإسلامية.
يمكن النظر إلى الوحدة الإسلامية
من بُعدين أساسيين:
البعد السياسي والاجتماعي: وهو
الذي يركز على التعاون بين المسلمين لتحقيق المصالح المشتركة وتعزيز
الاستقرار والتنمية.
البعد العقائدي والمعرفي: وهو الذي
يسعى إلى ترسيخ ثقافة الحوار وتعزيز الفهم المشترك بين المذاهب
الإسلامية من خلال البحث العلمي والموضوعي.
البعد السياسي والاجتماعي للوحدة
الإسلامية
تمثل الوحدة الإسلامية بُعداً
استراتيجياً في بناء الأمة وتعزيز قوتها في مواجهة التحديات
المختلفة التي تهدد كيانها، سواء كانت سياسية أو اجتماعية. فهي ليست
مجرد شعار يُرفع، بل ضرورة ملحة للحفاظ على استقرار المجتمعات
الإسلامية، وتعزيز مكانتها في الساحة الدولية، والتصدي للمخططات
التي تهدف إلى تفكيكها وإضعافها.
إن غياب الوحدة بين المسلمين أتاح
الفرصة للقوى الخارجية لاستغلال الانقسامات الداخلية وتوظيفها لخدمة
مصالحها. فقد اعتمد الاستعمار الغربي، ثم القوى الكبرى في العصر
الحديث، على مبدأ "فرق تسد"، مما أدى إلى نشوء نزاعات داخلية،
وانقسامات سياسية، وصراعات مذهبية أضعفت الأمة الإسلامية. وعلى
الرغم من أن الدول الإسلامية تمتلك مقومات القوة السياسية
والاقتصادية، إلا أن غياب التنسيق الفعّال والتكاتف الحقيقي حال دون
استثمار هذه الإمكانات في مواجهة التحديات العالمية.
إن الوحدة السياسية تعني توحيد
المواقف في القضايا المصيرية التي تهم الأمة الإسلامية، مثل القضية
الفلسطينية، التي تمثل اختباراً حقيقياً للقدرة على تجاوز الخلافات
المذهبية، حيث لم تفرق آلة الحرب الصهيونية بين المسلمين وفق
مذاهبهم، بل استهدفت الجميع. ومن هنا، يصبح من الضروري تجاوز
الخلافات الثانوية والتركيز على القضايا الكبرى، مثل التصدي لمشاريع
التفتيت الجغرافي، ومواجهة التدخلات الأجنبية، وتحقيق الاستقلال
السياسي والاقتصادي.
إضافة إلى ذلك، فإن الوحدة
الإسلامية تُعدّ وسيلة لحماية الدول الإسلامية من الابتزاز السياسي،
حيث يؤدي التشرذم إلى ضعف الموقف التفاوضي للأمة، ويجعلها أكثر عرضة
للضغوط الاقتصادية والعسكرية. وفي المقابل، فإن تشكيل تحالفات
استراتيجية بين الدول الإسلامية يمكن أن يحقق توازناً في العلاقات
الدولية، ويمنح المسلمين قدرة أكبر على التأثير في القرارات
العالمية.
البعد العقائدي والمعرفي:
قد يبدو للوهلة الأولى أن الدعوة
إلى الوحدة تتناقض مع تمسك كل مذهب بصحة منهجه، ولكن في الحقيقة، لا
يوجد تعارض بين الأمرين. فكل مذهب من حقه أن يؤمن بصحة عقيدته بناءً
على الأدلة التي يراها مقنعة، مع احترام الآخرين وعدم إقصائهم أو
تكفيرهم. فالشيعة، مثلاً، يؤمنون بأن مذهبهم هو الامتداد الطبيعي
للإسلام المحمدي الأصيل، وأنه يستند إلى نصوص قرآنية وروايات نبوية
واضحة، لكنهم في الوقت ذاته يدعون إلى الحوار العلمي مع المذاهب
الأخرى، ويؤكدون أن هذا الحوار لا يعني التخلي عن قناعاتهم، وإنما
يهدف إلى تحقيق فهم أعمق للإسلام.
إن البحث العلمي الموضوعي هو
السبيل الأمثل لفهم الخلافات المذهبية وإدارتها بطريقة بناءة. فمن
خلال الحوار القائم على البرهان والدليل، يمكن للمذاهب الإسلامية أن
تتفاعل مع بعضها البعض بطريقة تساهم في تعزيز التقارب، بدلاً من أن
تكون سبباً للفرقة. وهذا ما أكدت عليه مدرسة أهل البيت (عليهم
السلام)، حيث دعت إلى البحث عن الحقيقة من خلال الدليل، دون تعصب أو
تقليد أعمى.
فمن أكبر العقبات التي تواجه
الوحدة الإسلامية هي الطائفية، التي غالباً ما تُستغل لتحقيق أهداف
سياسية. فالانقسامات المذهبية لم تكن يوماً سبباً في انهيار
المجتمعات الإسلامية بحد ذاتها، بل تم تفعيلها سياسياً لتفتيت
الأمة. وقد أكد القرآن الكريم على خطورة التنازع، حيث يقول الله
تعالى: "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"
(الأنفال: 46)، مما يدل على أن الخلافات عندما تتحول إلى صراعات
داخلية تؤدي إلى إضعاف الأمة وضياع قوتها.
إن تجاوز الطائفية يتطلب من
المسلمين التركيز على القواسم المشتركة التي تجمعهم، مثل الإيمان
بالله ورسوله، والقرآن الكريم، والقيم الإسلامية الأساسية التي تحث
على العدل، والرحمة، والتسامح. كما أن تعزيز ثقافة الحوار والانفتاح
بين المذاهب، بدلاً من إثارة النزاعات، يُعدّ خطوة أساسية في ترسيخ
الوحدة الإسلامية.
وعلى ذلك يمكن القول إن التحديات
التي تواجه مشروع الوحدة الإسلامية هي:
الطائفية والتحريض الإعلامي: حيث
تسهم بعض الجهات الإعلامية والسياسية في تأجيج الصراعات المذهبية،
مما يعمّق الهوة بين المسلمين بدلاً من تقريبهم من بعضهم.
التدخلات الخارجية: إذ تسعى بعض
القوى العالمية إلى استغلال الانقسامات المذهبية لتحقيق أهدافها
السياسية في العالم الإسلامي.
غياب الثقافة الحوارية: حيث يفتقر
الكثيرون إلى القدرة على إدارة الخلافات الفكرية بطريقة علمية، مما
يؤدي إلى تصعيد النزاعات بدلاً من حلها.
وبرغم هذه التحديات، فإن هناك
فرصاً كبيرة لتحقيق الوحدة الإسلامية من خلال:
تعزيز المشتركات الدينية: من خلال
التركيز على القيم الإسلامية الكبرى، مثل العدالة، والرحمة، وحقوق
الإنسان، مضافاً للهموم المشتركة والمصير والواحد.
إحياء ثقافة الحوار: عبر إنشاء
مؤسسات علمية وفكرية تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين المذاهب
الإسلامية.
خاتمة
إن تحقيق الوحدة الإسلامية ليس مجرد حلم مثالي، بل هو ضرورة تفرضها التحديات المعاصرة التي تواجه الأمة. وهذه الوحدة لا تعني إلغاء التنوع المذهبي، بل تعني استثماره بطريقة إيجابية تعزز قوة الأمة بدلاً من أن تكون سبباً في ضعفها. وما لم يدرك المسلمون أهمية هذا المشروع، فإنهم سيظلون عرضة للاستغلال والانقسام، مما يجعلهم أكثر ضعفاً أمام الأعداء. ومن هنا، فإن المسؤولية تقع على عاتق العلماء والمثقفين والقادة السياسيين في العمل على تقريب وجهات النظر، وتعزيز ثقافة الحوار، وبناء جسور التفاهم التي تسهم في تحقيق هذه الوحدة على أرض الواقع.
الأكثر قراءة
29858
19122
14524
11202