2 شوال 1446 هـ   31 آذار 2025 مـ 2:03 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2025-03-20   98

نظرية الديموتاريخ وإثبات الإله



الشيخ باسم الحلي
اتّضح في مقال سابق في هذا الموقع الكريم، أنّ الديموتاريخ مصطلح مولّد، مختصر من كلمتين: الديمومة والتاريخ.

الديموتاريخ كمنهح يعني: القوانين التي أبقت على الكون والإنسان والمجتمع في التاريخ، حياً مستمراً نابضاً متنامياً، في كلّ صراع مفروض، حتى مع افتقاره لأدنى أسباب البقاء الماديّ.
يعني الديموتايخ -كحقيقة - وبإيجاز: كلّ ما هو باق مستمر الحياة نابضٌ في الواقع الخارجي ماضياً وحاضراً، ولا يحتمل زواله مستقبلاً، وإنْ لم يمتلك من أسباب البقاء المادي ما يبقيه حياً مستمرّ الوجود..

وبهذا يظهر أنّ كلّ ما هو زائل هالك متلاش، كالحضارات المنهارة، والأنواع المنقرضة الحيوان والنبات، والقوانين المدنيّة والسياسية الهالكة، وكذلك فإنّ كلّ ما هو باق بقوّة السيف وسطوة المال وطغيان السلطة فليس من الديموتاريخ في شيء؛ لكونه عاجلاً أم آجلاً سيموت ويتلاشى..
على سبيل المثال؛ فالمجتمعات الكافرة والمؤمنة، لا تتردد في أنّ الغاصب ظالم، يجب أن يعاقب، وهذه حقيقة ديموتاريخيّة، كما لا تتردد في أنّ عمل الخير وحب الخير وتعاطي العدل أمرٌ ممدوحٌ مطلوب، وهذه حقيقة ديموتاريخيّة ارتضتها فطرة الإنسان، والضمير البشري، وروح الكون والطبيعة، كما قال القرآن: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)..

لا يسعنا الشكّ في حقيقة بقاء الأخلاق المطلقة، وحب العدل والمساواة والخير، واحترام الإنسان، حيّة نابضة، حتى مع كونها لا تمتلك من أسباب البقاء المادي أيّ شيء يذكر، وفي المقابل لا نشكّ أنّ الظلم وإنْ كان هو الطاغي في التاريخ، بما له من سطوة في السيف والمال، لكنه بشهادة انهيار كل الدول والامبراطوريات الأرضية الماضية، مات وتلاشى، لا يكاد يحيى إلّا ليموت، حتى مع أنّه يمتلك كل أسباب البقاء المادّي.

 من أجلى الأمثلة على ذلك، بقاء الحسين عليه السلام في أمة متنامية مستمرة نابضة، مع أنّه عليه السلام لم يكن يمتلك من أسباب البقاء المادي أيّ شيء حيال أمبراطوريّة الأمويين التي بقيت تحاربه وتسبّه وتلعنه ثمانون عاماً وكذا من جاء بعدهم؛ لكن مع ذلك بقي هو حياً نابضاً متنامياً في أمّةٍ كأنّه لم يمت، متناغماً مع فطرة الإنسان وروح الطبيعة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، واندثرت هي كأنّها لم تك شيئاً مذكوراً.. 

من أجلى حقائق الديموتاريخ أقوائيّة القلّة ماديّاً على الكثرة أحياناً، كما في انتصار جيش النبي في بدر، المكون من 313 رجلاً، بعضهم كان يقاتل بالعصى، قبال 1000 من طغاة الشرك المجهزون أكمل تجهيز، قال القرآن: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ).
  
وهذا شئنا أم أبينا، يعجز عن تفسيره منهج فلسفة التاريخ مادياً، ناهيك عن فلاسفة العلم الطبيعي المادي.

   الديموتاريخ: منهج دراسة ما عجزت عن استيعابه قوانين كلّ من فلسفة التاريخ القائلة بالحتميّة والحقيقة المطلقة، وكذا فلسفة العلم (التجريبي) القائلة بنسبية الحقيقة، ناهيك عمّا لم تعجز عنه.

على سبيل المثال، يحكم الديموتاريخ بكلّ ارتياح أنّ ما اقترفته محاكم التفتيش وكذا الحرب العالميّة الأولى والثانية، واغتصاب الأعراض والأموال، وتجارة الجنس والحشيش، بشاعة تناقض ضمير الإنسانيّة، ماضياً وحاضراً، ولا يسع أحدٌ نقض هذه الحقيقة مستقبلاً..
كما يحكم الديموتاريخ في المقابل، أنّ الرفق بالحيوان، والرحمة بالصغير، ومساعدة المحتاج، وإغاثة الملهوف، حقيقة جليّة فوق الزمان والمكان، حيّة باقيّة متنامية مستمرة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً؛ لعدم تردّد الضمير الإنساني في أنّها كذلك.. 

يرى الديموتاريخ أنّ هذا البقاء الحي ماضياً وحاضراً، دليل كاف على البقاء مستقبلاً، فمختبر التاريخ الإنساني مدة عشرة آلاف سنة، عمر مجموع الحضارات، كفيلٌ لأن يستبعد فرضيّة الموت في المستقبل، إلّا بضرب من الرجم بالغيب، أو الميتافيزيقا التي كفر بها أوغست كونت وكارل بوبر وعامّة أساتذة المنهج التجريبي..

ليس مدار الديموتاريخ مجرد الحياة والبقاء والاستمرار، وإنّما ما جزم الضمير الإنساني والواقع الخارجي بعدم إمكانيّة موته، أو استبعاد ذلك لا أقل؛ فليس بقاء الإمبراطوريّة الأمريكيّة اليوم دليل على بقائها حيّة مستقبلاً، بل يجزم الديموتاريخ أنها ستنهار يوماً ما؛ لكونها قامت على جرائم يندى لها جبين الإنسان، ويقشعر لها الكون، وتنفر منها روح الطبيعة..
حالها حال كل سارق مطلوب للعدالة، سرق الملايين، فعاش قمّة الترف، مع أنّ عاقبته السجن والإجرام، مدار الديموتاريخ منحصر بالحقائق التي تعدت ذلك، ممّا هي فوق الزمان والمكان ..  

من أجلى الأمثلة على حقائق الديموتاريخ، وأنها فوق الزمان والمكان، استمرار حياة الإنسان والحيوان والشجر والحجر، مستمرةً نابضةً إلى اليوم، وهي كذلك في المستقبل؛ إذ وجود الحياة في الماضي مدة آلاف أو ملايين السنين، حسب الرؤية الماديّة، لا يمكن أن يلغي دوامها واستمرارها مجرد فرضية الموت المادي بلا دليل، إلّا بضرب من الميتافيزيقا الخاوية التي ينكرها ملاحدة المادة، العاجزون إلى اليوم عن تفسير وجود ما أضفى الحياة على المادة لتكون إنساناً وحيواناً وشجراً، مع أنّه موجود دون أدنى كلام..

تتهرب نظرية التطور الماديّة، أو هي عاجزة عن بيان سبب الحياة، أو من أين أتت الحياة؛ إذ لا ينبغي الشك أنّ المادة، بما هي مادة لا يمكن أن تكون سبباً للحياة، الخليّة الأولى في هذه النظريّة مادّة حيّة، لكن قبل أن تكون الخليّة الأولى، من أين أتتها الحياة؟!. تعجز فلسفة العلم المادي عن هذا..

لكن بجميع الأحوال يتعيّن علينا أن نفترض وجود حياة، سابقة على وجود ماديّة الخليّة، هي سبب وجودها حيّة، إذ يسبق وجود الخليّة الانفجار الكبير للكون، وهو أمر مادّي لا حياة فيه، تعجز قوانين المختبر إثبات الحياة له، فضلاً عن إثباتها لمادة فيه ستكون خليّة أولى لاحقاً..

لا بد أن نفترض وجود حياة قبل الانفجار الكبير، هي فوق الزمان والمكان، وهي كذلك بالطبع؛ إذ لا يوجد مادة ولا زمان ولا مكان قبل الانفجار الكبير..

الإله حقيقة ديموتاريخيّة!!
في مقطع زمني معين، من مقاطع التاريخ الإنساني، يحدث الموت لهذا أو ذاك، ينقرض هذا الكائن الحي أو ذاك، تنهار هذه الحضارة أو تلك، يعدم هذا الجنس أو ذاك، تتلاشى هذه الثقافة أو تلك، يتبخر هذا الدين أو ذاك...، لكن مع كلّ ذلك فالحياة باقية مستمرة، وكذا حياة الدين وعبادة الإله..

لو أمعنا في التاريخ، لوجدنا أنّ كائنات حيّة انقرضت، وأجناس أعدمت، وأنواع تبخرت، وثقافات تلاشت، وأديان ماتت..، لكن مع كلّ هذا فأنواع من هذه الكائنات الحيّة باقية لم تنقرض؛ كالإنسان والسمك والماء والزيتون والمجرات... .

نجد أيضاً -بلا مجال للشك- أنّ كثيراً من الأديان في تاريخ الإنسان ولدت فماتت، بعضها انقرض، لكنّها مع ذلك متفقة على حقيقة وجود الإله، صحيحٌ أنّ الإله الهندوسي غير الإله البوذي وغيره اليهودي وغيره النصراني وغيره الصابئي، وغيره الإسلامي؛ لوضوح أنّ الجميع متنازع في خصوصيات الإله وذاتياته...، ولسنا في هذا المقال لبيان أيّ منهم على حق، وأيّ منهم على خطأ.. 
لكن الذي لا يسع أحدٌ إنكاره، أنّ الجميع متفق على وجود إله خالق لهذا الكون، وهذه حقيقة ديموتاريخيّة شئنا أم أبينا، عمرها آلاف مؤلفة من السنين؛ باقية بكل شموخ، حيّة مستمرة نابضة متنامية، من الماضي السحيق إلى لحظة كتابة هذا المقال، يرعب منها الطغيان والظلم والفساد وكلّ ما يناقض فطرة الإنسان ..

وإذا أردنا أن نستعير قوانين منطق أرسطو أو منطق الديالكتيك أو منطق ديكارت، أو منطق كونت الوضعي، فلا يسعنا التفكير بافتراض موت فكرة (عقيدة) الإله في مستقبل التاريخ الحيّ واحتمال تلاشيها، كما جزم الديالكتيك والوضعيّة؛ رجماً بالغيب، بل هذا عين الخرافة التي كفر بها الديالكتيك والوضعيّة..

يرى الديموتاريخ أنّ تراث عقيدة الإله الواحد، عبر التاريخ، متجذّر في عمق الضمير الإنساني، وقلب المجتمع البشري، وروح المجتمع الإنساني، يجري في عروق كلّ ما هو باق حيّ، لم تنقرض على مدى آلاف السنين، حتى مع كونها لا تمتلك من أسباب البقاء المادي ما يبقيها صامدة يوماً أو يومين. كلّ شيء اندثر وهلك ومات وتلاشى، وبقيت هي حيّة نابضة في ضمير الإنسان المنزه عن الطغيان والإجرام والفساد؛ لذلك يحارب هذه العقيدة من لا يقيم وزناً لحرمة الإنسان من أهل الطغيان والمال والسلطان..
عقيدة الإله الواحد محاربة دائماً أبداً، من قبل أساطين المال، وأرباب الطغيان، وعتاة الإجرام والفساد؛ لكونها عقيدة تدعو إلى رفض الظلم، إلى العدل، واحترام الإنسان، والرأفة بالحيوان، وحفظ نظام الطبيعة، يتجلّى هذا في ناكازاكي وهيروشيما وتجارة الأسلحة والجنس والحشيش، واغتصاب مليوني إمرأة المانيّة من قبل الروس والحلفاء في الحرب العالميّة الثانية، ناهيك عن مقتل ثمانين مليون إنسان فيها..  
وهذا إنْ دلّ فإنّه يدلّ على أنّ هذه العقيدة مستمرةٌ في المستقبل، ما لم يدل دليل مادي تجريبي على زوالها، ولا يوجد مثل هذا الدليل في كلّ عقول البشر، إلّا أن يكون رجماً بالغيب، الأمر الذي لا يعترف به الديالكتيك ولا الوضعيّة ..

العقيدة الإجماليّة بوجود الإله
لا يضرّ أصل الاعتقاد بعقيدة الإله، تعدد تصورات الدين الواحد لها، ربما إلى حد التناقض؛ فقد نجد أنّ أفراد الدين الواحد منقسمون في خصوصيات الإله وذاتياته وتعريفه؛ فإله الكاثوليك غير إله الأرثوذوكس وهو غير إله البروتستانت، وهو غير إله أريوس وغير....، مع إقرار الجميع أنّ هناك إله..
المسلمون على سبيل المثال، يعتقدون جميعاً، بإله أحد واحد فرد صمد، خالق كل شيء...، كما أخبر القرآن الكريم، لكن خصوصيات هذا الإله وذاتياته، مختلفة عند السنة عمّا عند الشيعة، كما أنّها مختلفة عمّا عند المجسمة، وعمّا عند المعطلة.

منهج الديموتاريخ في هذه المرحلة، لا يهتم كثيراً بالتفاصيل، همّه الأوّل وجود عقيدة الإله الواحد الإجماليّة، نابضة حيّة في المجتمع البشري حتى هذه اللحظة، بلا موت ولا اندثار ولا تلاش، وهو كفيل للحكم بوجود الإله إلى الآن، بل الحكم بوجوده في المستقبل؛ إذ لا يمكن الجزم بموت هذه العقيدة بأيّ منهج فكري، إلّا رجماً بالغيب، الأمر الذي يتنافى حتى مع قوانين الفكر الإلحادي المتبلور في الديالكتيك والوضعيّة..
حينما يتحدث الديموتاريخ في هذه المرحلة، عن الإله والمجتمعات التوحيديّة، بل حتى الوثنيّة التي هي بصيغة وبأخرى تعتقد بوجود إله مشوّه، لا يريد أكثر من إثبات حياة هذه العقيدة في تاريخ الإنسان إلى اليوم، وينكر نفيها رجماً بالغيب بلا دليل كما يفعل الملاحدة..
الديموتاريخ في المرحلة الثانية ، وهي أعقد منهجياً، لا يكتفي بذلك؛ إذ يتساءل هيهنا عن ما هو ميت متلاش من العقيدة، وعمّا هو حي..
وأكثر من ذلك يتساءل: هل هذه العقيدة، بقيت نابضة بشكل طبيعي، أم بقوة السيف والسياسة وسفك الدماء وانتهاك الأعراض..؟!.

عقيدة الإله المشوّهة!!
لا يتردد الديموتاريخ أنّ عقيدة الإله الحقّة، هي التي تنزهت عن الاستعانة بقوة السيف، وسطوة الطغيان، وسلطة المال؛ إذ عقيدة الإله التي أشيدت على ذلك، متلاشية ميتة لا تستحق الحياة، كما أثبتت قوانين انهيار كلّ الحضارات والامبروطوريات التي استغلت اسم الإله، أبشع استغلال، لاستغفال البشر ومجتمع الإنسان، لبناء كياناتها الفاسدة القائمة على قوة السيف، وسلطة المال، وسطوة الطغيان، وكثرة الإجرام، سواء التي اعتقدت بالإله حقيقة أم لا..
قال الكفّار أهل السطوة والمال والطغيان للنبي محمد صلى الله عليه وآله: (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ) يقصدون لا مال لهم ولا سلطة، ولا يمتلكون من أسباب البقاء المادي أي شيء..

الذي لا نشكّ فيه أنّ إله كلّ إمبراطوريات الطغيان والفساد هالكٌ متلاش ميت مبغوض، بموت الإمبراطوريات البغيضة المنافية لحرمة الإنسان، فإله إمبراطورية الأمويين أعدم بمقصلة العباسيين، وإله إمبراطورية العباسيين أعدم بسيف هولاكو، وإله فرسان الهيكل شنق في فرنسا وأوربا، وإله محاكم التفتيش كفر به حتى النصارى، وإله الخوارج حكم عليه القرآن والمسلمون بالنفي والإعدام، هارب لا يكاد يخرج رأسه ..    
بخلاف إله إبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد، إله الإنسان والفطرة والأخلاق والضمير، المنزه عن سطوة السيف والظلم والطغيان، وسلطة المال، فهذا باق مستمر منذ أيام آدم إلى اليوم..

إله النبي محمد عليه السلام حقيقة ديموتاريخيّة
فوق الزمان والمكان والتاريخ لا يمكن تقييمه بقوانين ماديّة، ولكي نتعرف على هذا الإله أكثر سبحانه، يكفينا أن نعرف أنّ من دعى إليه، رجلٌ أمّي، يزعم البعض أنّه لم يتعلّم القراءة والكتابة عند أحد من البشر، لم يدرس فلسفة ولا أدب ولا سياسة ولا تاريخ ولا رياضيات ولا فيزياء ولا طب ولا اجتماع، فقيراً معدماً لا يمتلك من أسباب البقاء أيّ شيء، لكنّه مع كلّ ذلك استطاع أن يقضي على طغيان إمبراطوريّة القرشيّين في جزيرة العرب إلى الأبد، بلا سلاح ولا مال ولا سلطة، بل قد انتصر عليهم لاحقاً في كلّ محاولات اغتياله ، والحروب المفروضة عليه.. 

ما زالت عقيدة الإله الواحد، التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وآله، تقارع طغيان أهل الطغيان، وفساد أهل الفساد، وإجرام أهل الإجرام..، على مبدأ القلة أقوى من الكثرة (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ).

وقد يقال في النقض، بأنّ إله الكنيسة الكاثولكيّة حق وصدق، وقد انتشر بقوة السيف بمرسوم إمبراطوري من قبل الامبراطور قسطنطين سنة (325م) في مجمع نيقيا؟!!.
قلنا: بلى، لكنّه مشوّه مستغل من قبل أهل السلطة إلى درجة يشمئز منه العقل، لكن مع كونه كذلك إلى درجة الاشمئزاز، فسبب بقائه حيّاً، هو أنّه استمد باستغلال بشع بعض الحياة من الديموتاريخ؛ فعيسى حقيقة ديموتاريخيّة باقيّة حيّة فوق الزمان والمكان، يستمد كلّ مذاهب المسيحيّة المشوّهة المحرفة ما يبقيهم في التاريخ..
كالخوارج حينما يستمدون بقائهم من القرآن والسنة، مع أنّ تفسيرهم للقرآن والسنة وعقيدة الإله، مشوهة خاطئة..، هذا هو الديموتاريخ المشوه المستغل لاستغفال البشر ..

المعيار الوحيد للديموتاريخ الحي غير المشوّه، هو الذي بقي صامداً بقوّة الفطرة والأخلاق واحترام الإنسان، والعدل والرحمة، بلا سطوة السيف، ولا سفك الدماء، ولا انتهاك أعراض، ولا إجرام ..

الحجة الأخلاقيّة المطلقة وإثبات الإله..
وأخيراً، لا يسعنا إلّا التذكير بحجّة عمّانوئيل كانط (1804م) الأخلاقيّة الجازمة بوجود إله، فثمّة قيم أخلاقيّة مطلقة، كرفض الظلم والقتل واغتصاب النساء ونهب الأموال واستعباد البشر بغير حق، وكل ما يهين كرامة الإنسان، لكن لا يمكن تحديد أبعاد هذه القيم المطلقة إلّا بافتراض وجود إله مطلق يحدد هذه القيم؛ ضرورة أنّ العقل البشري عاجز عن تحديد كلّ القيم في كلّ الظروف والأحوال..

اعتمد كانط على الحتميّة القطعيّة للحجّة الأخلاقيّة، موجزها، إذا أراد الإنسان فعل أيّ شيء، يمكنه أن يسأله نفسه: هل هذا الفعل ممّا يلتزم به جميع أسوياء البشر أم لا؟!! إذا كان الجوب هو نعم، فهو فعل أخلاقي، وإلّا فلا . 

هناك فرق منهجي بين ما قاله عمانوئيل كانط، وبين منهج الديموتاريخ، وإن كانا يلتقيان، في أنّ كل ما هو باق حي، ممّا هو فوق الزمان والمكان، هو أخلاقي يحترم كرامة الإنسان، وكل ما هو ميت لا أخلاقي لا يحترك كرامة الإنسان.
ولأهميّة حجة كانط الأخلاقيّة، سنفرد لها مقالاً في هذا الموقع الكريم. 




 

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م