10 محرم 1447 هـ   6 تموز 2025 مـ 6:18 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2025-07-05   13

على ماذا ثار الحسين في كربلاء؟


الشيخ مقداد الربيعي

قبل كربلاء الحسين لم تكن هناك ثورات واحتجاجات على الحكم الأموي، بل مجرد احتجاجات شخصية ـ باردة على الأغلب ـ لا ترقى لتحريك وعي الأمة، خصوصاً في زمن معاوية الذي كان يُحسن شراء الذمم والتظاهر بمظهر الملك المسلم المحافظ على ظاهر الشريعة. بل حتى في زمن يزيد المشهور بفسقه وظلمه.

وأقصى ما كان يحدث إما معارضات سياسية محدودة أو محاولات تمرّد فردي أو اعتراضات من بعض الصحابة والتابعين على سياسة معاوية خصوصاً في أواخر حكمه، ولا سيما مسألة توريث الحكم ليزيد.

كل ذلك حصل بسبب ترسيخ الخوف من السلطة في وعي المجتمع المسلم، ودعم وعاظ السلاطين من بعض الصحابة والتابعين لحكومة بني أمية ومحاولاتهم تحريف مفاهيم الدين تارة من خلال عقيدة الجبر وتارة من خلال حرمة الخروج على الحاكم الجائر وغيرها.

 

لقد ترسخت في أذهان الكثيرين فكرة أن الإمام الحسين عليه السلام ثار على الحكم الأموي وأعوانه وعماله، وهذا صحيح جزئياً، لكنه يبقى فهماً قاصراً لا يرقى إلى مستوى الهدف الأسمى لهذه النهضة المباركة. فالإمام الحسين لم يقف موقفاً سياسياً محدوداً، بل وقف في مركز يجعله يواجه كل الجهات المتضعضعة روحياً واجتماعياً وسياسياً، فأينما التفت سدد سهمه الإلهي نحو الانحراف والظلم.

 

إن الثورة الحسينية في جوهرها ثورة على حالة الخنوع والخضوع المذل في المجتمع الذي عبّد الناس بالذل والهوان، وهذا ما يفسر إصرار الإمام عليه السلام على موقفه رغم عروض التراجع والمساومات. فلو كانت ثورته موجهة فقط ضد يزيد أو ابن زياد، لكان بإمكانه أن يتراجع عن قراره، وأن يفتح صفحة من السلم تحت مظلة الصبر أو التقية، لكن الإصرار الحسيني يتحدث للأجيال عن ثورة أعمق وأشمل.

إن الثورة على هذا المنطق المتخاذل تحتاج إلى إعادة تأهيل النفوس، وهذا ما ابتدر إليه الإمام الحسين عليه السلام بحكمة وبصيرة. فقد أحيا جميع الأنساق النفسية الصحيحة من خلال ثلاثة مناطق أساسية:

 

ـ المنطق الديني

تجلى المنطق الديني في كتابة الإمام لأهل الكوفة، حيث قال: «أنا من قام بنصرة دين الله عز وجل وإبراز شريعته والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا» (شرح إحقاق الحق، الجزء 27، الصفحة 201). فبهذا الشعار حدد منطقاً دينياً واضحاً للثورة، يربط النهضة بالهدف الأسمى وهو إعلاء كلمة الله.

 

ـ المنطق العاطفي

أما المنطق العاطفي فقد تمثل في أخلاقه الإلهية ومواقفه الأخلاقية الفريدة. فإن مواقف الإمام الحسين عليه السلام في هذه الثورة وتمسكه المبدئي وتجنبه للحيل وللاعتداء بالمثل، رغم أن القرآن الكريم صريح في جواز ذلك: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (سورة البقرة، الآية 194)، فإن هذه المبدئية لديه جسدت المنطق العاطفي الذي استطاع أن يأخذ بمجامع القلوب عبر الأجيال.

 

ـ المنطق العقلي

وأما المنطق العقلي فقد ظهر في الموازنة الطبيعية بين الإمام الحسين عليه السلام وقاتليه، فإن كل من يقارن بينهما يقف على أن الثورة يمكن أن تحفظ أهدافها بضمانة المنطق العقلي. وذلك ما نشأ من قوله الخالد: «الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار» (بحار الأنوار، الجزء 45، الصفحة 50).

 

خلاصة الثورة

إن الإمام الحسين عليه السلام خط بشعاراته فصول كتاب منطقي لم تعهد البشرية مثله، كتاب يحمل في طياته دروساً خالدة للأجيال. فثورته لم تكن مجرد انتفاضة سياسية ضد حاكم ظالم، بل كانت ثورة شاملة على كل أشكال الانحراف والذل والهوان، ثورة لإعادة الإنسان إلى فطرته السليمة وكرامته المفقودة.

 

إن فهم هذا البعد العميق لثورة الإمام الحسين عليه السلام يجعلنا ندرك أن نهضته ليست حدثاً تاريخياً منقضياً، بل هي منهج حياة ومدرسة تربوية تخاطب الضمير الإنساني في كل زمان ومكان، وتدعو كل إنسان إلى الثورة على الذل والهوان، والنهوض بالكرامة والعزة الإلهية.

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م