
2025-08-12 75

إشكالية تهوين الذنوب في أحاديث الزيارة والبكاء
السيد علي العزام الحسيني
يثار بين الناس سواء من داخل الوسط
الإيماني أو خارجه تساؤلٌ إشكالي لا يخلو من وجاهة للوهلة الأولى،
حول روايات ثواب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، والبكاء عليه.
يفيد الإشكال بأنّ تلك الروايات -بما تنطوي عليه من وعد بغفران
الذنوب ودخول الجنة- تستلزم تهوين الذنوب، وتفتح باب التمادي على
أحكام الله تعالى، وتنتج عدم الاكتراث بالمعاصي، وتفتح شهية العصاة،
وتجرؤهم على أفعالهم، وتزرع في نفوسهم الاستخفاف بالذنوب،
والاستهانة بالمعاصي، والاستخفاف بالموبقات، فكأنّ تلك الروايات
تقول: افعلوا ما شئتم ثمّ زوروا أو ابكوا الحسين وينتهي كل شيء!،
فهل يعقل أنّ مجرّد الدمعة أو الزيارة تدخل الانسان الجنة؟!
وفي سبيل بيان الحقيقة نذكر أربع
نقاط مختصرة من شأنها معالجة هذه الإشكالية، وكما يلي:
أولًا- من ناحية الصدور فإنّ هذه
الروايات صحيحة ثابتة عن النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم
أجمعين)، ليس عند الشيعة فقط، بل نقلها المسلمون طُرًّا، وعلى سبيل
المثال دون الحصر: روى أحمد ابن حنبل(ت241هـ) بإسناد صحيح عن الإمام
الحسين (عليه السلام) أنّه قال: «مَنْ دَمَعَتَا عَيْنَاهُ فِينَا
دَمْعَةً، أَوْ قَطَرَتْ عَيْنَاهُ فِينَا قَطْرَةً، أَثْوَاهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجَنَّةَ». (فضائل الصحابة ج2ص675ح1154، م
الرسالة، ت: وصي الله عباس، ط: الأولى، 1403 - بيروت).
ثانيًا- ينقض على هذا الطرح بنصوص
قطعيّة مشابهة، سواء في آيات الكتاب قبيل قوله تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء : 48]، أو في السنة النبويّة
الشريفة كـقوله(صلى الله عليه وآله) : «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ
الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى
وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ
زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ
وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ». (
صحيح مسلم، ح273).
ثالثًا- لقد حمل العلماء تأثير
البكاء والزيارة ونحوها في ترتب الأثر وتحقق الجزاء كغفران الذنوب
ودخول الجنة على أنّه أمر اقتضائي، لا أنّه علة تامة لذلك، بمعنى
أنّ دخالة البكاء على الإمام الحسين عليه السلام في دخول الجنة نظير
دخالة الوقود في المحرك، ويشبه كذلك تأثير النار في إحراق الورقة،
ومعلوم أنّ العامل الاقتضائي لا ينتج الأثر على نحو الضرورة ما لم
تنضم إليه الشروط وتنتفي الموانع. وبعبارة أوضح: إنّ تلك الروايات
تخبر عن استحقاق العبد لدخول الجنة وغفران الذنوب إلا أنّ هذا
الاستحقاق لا يعني ضمان الدخول الفعلي إلى الجنة بالضرورة ومن دون
حساب قبله على ما اقترفه العبد من معاصي.
- رابعًا- إنّ أحاديث الزيارة والبكاء ذكرتْ شرطًا لترتّب الأثر وتحقق الجزاء، وهو أن يكون الزائر عارفًا بحق الإمام المزور (عارفًا بحقّه)، والمستفاد من ظاهر لفظ المعرفة ضرورة انضمام العمل مع العلم، وقد ورد في الحديث المعتبر ما يؤيد ذلك، فروى ابن قولويه بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «من زار الحسين (عليه السلام) عارفا بحقه: يأتم به؛ غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر». وظاهر قوله: "يأتمُّ به" هو اتباعه سلام الله عليه، والاقتداء به، وعدم كفاية الاعتقاد والزيارة، ولنا مقال حول هذا الشرط (عارفًا بحقّه) بخصوصه فلاحظه.
الأكثر قراءة
33579
19549