
2025-10-23 59

بعد موت الإله... من يحكم بين الرجل والمرأة؟
الشيخ مصطفى الهجري
ونحن أطفال كنا نلعب لعبة مشهورة
حينها هي لعبة (ملك، جلاد، حرامي) تدور اللعبة بين ثلاثة أشخاص
يطوون الأسماء الثلاثة في أوراق ثم يقترعون، فمن كان نصيبه ورقة
الملك يأمر من حصل على ورقة الجلاد بضرب الحرامي. ومن الطريف ما كان
يفعله أحد الأذكياء عندما كان يكتب اسم الحرامي في ورقتين بدلاً عن
اسم الملك، فإذا وقع في نصيبه إحدى ورقتي الحرامي أعلن نفسه الملك،
وأمر الجلاد بضرب من حاز على ورقة الحرامي الأخرى.
وهذا عين ما حصل في الغرب بعد
إعلان نيتشه "موت الإله" فحينها ضاع الملك الذي كان يحكم فيما شجر
بين الناس، فاختلط الظالم بالمظلوم وأصبح الخصم حكماً، وبذلك يعترف
نيتشه نفسه، حين يقول: «ماذا فعلنا بإبعادنا الأرض عن شمسها؟ الى
أين تسير الان؟ الى اي اتجاه تقودنا حركتها؟ أبعيداً عن كل الشموس؟
ألم نندفع في منحدر طويل؟ .. أما يزال هناك أعلى وأسفل؟ ألسنا نتيه
كما لو عبر عدم مطلق؟ .. اليس الوقت ليلاً باستمرار، ويصير ليلاً
مراراً وتكراراً؟ ألا يجب أن نوقد المصابيح أثناء الصباح؟» العلم
والمرح: ص 122.
ومن مصاديق هذا التيه
والضلال مسألة حقوق المرأة، فمن يحكم فيما اختلفت فيه مع الرجل من
حقوق.
الى هذه الإشكالية تشير النسوية
المتشددة الفرنسية "سيمون ديفوار" بقولها: «إن أردنا أن نستوضح
الأمر؛ يجب الخروج من هذه الأفكار القديمة، يجب رفض مفاهيم التفوق
والدونية والمساواة المبهمة التي افسدت كل النقاشات وننطلق من جديد،
ولكن كيف سنطرح المسألة؟ ثم من نكون نحن لنطرحها؟ الرجال خصم وحكم،
والنساء كذلك. أين نجد مَلاكاً محايداً؟ في الواقع لا يصلح المَلاك
للحديث في هذه المسألة، فهو يجهل كل معطياتها ، أما بالنسبة للخنثى
فهو حالة استثنائية: انه ليس رجلاً وامرأة معاً، وبالأحرى انه ليس
برجل ولا امرأة». الجنس الآخر: ص27.
حال كحال السابقين بعد طمس اسم
(الملك) فأصبح الجميع يتقلب بين جلاد ومجلود، وأصبح الخصم هو الحكم.
فحتى المَلاك الطاهر النقي لا يصلح للحكم في بيان الحقوق حسب كلام
ديفوار المتقدم.
حالة من التيه والضياع يعيشها
أتباع النسوية، لأنهم رفضوا "الملك" ونصبوا الحرامي مكانه، والحق
يقول: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا
شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا
مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء: 65.
هذه الحالة التي سيتذكرها هؤلاء
يوم لا ينفعهم الندم، فيقولوا: (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي
ضَلَالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَمَا
أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ. فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ.
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ. فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ) الشعراء: 97 ـ 101.
قبل الاتباع الأعمى لكل ما يفدنا
من الغرب لابد ان نحاكم أولاً تشريعاتنا الإسلامية، لنرى هل يوجد
فيها ما يبرر استبدالها بشريعة وقوانين أخرى؟!
ففي الوقت الذي نتفهم فيه وجود حيف
واضح على المرأة في التشريعات الدينية والاجتماعية التي كانت سائدة
في أوربا وقتئذ، والتي ثارت عليها ديفوار، إلا أن هذا لا يعني
وجودها في التشريع الإسلامي، ففي اي شريعة تجد المرأة أن ربها بذاته
المتعالية يتدخل في حل مشكلتها الشخصية بينها وبين زوجها، وينتصر
لها، بل يتولى التشريع والتأديب الفوري لزوجها، ويحاسبه حساباً
شديداً على الإساءة اللفظية التي وجهها للزوجة، فحكم عزت آلائه بمنع
الزوج من حق المعاشرة حتى يدفع جزاءً وكفارة يعتق فيها رقبة، فإن لم
يجد فسيطول تأديبه شهرين كاملين يصوم فيهما قبل أن يأذن له الرب
بالرجوع الى معاشرة زوجته، فإذا صام خمسين يوماً ثم أفطر يوماً
واحداً فعليه أن يصوم ستين يوماً جديداً، فإن لم يستطع فعليه أن
يطعم ستين مسكيناً، وهذه العقوبات في حينها شديدة جداً، فلا يتسنى
لكل أحد اطعام هذا العدد من الفقراء. قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي
إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ بَصِيرٌ. الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ
مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي
وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ
وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ. وَالَّذِينَ
يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. فَمَنْ لَمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ
مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ
حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة: 1 ـ
4.
وهنا ينبغي أن ننبه على ضرورة عدم
الخلط بين السلوكيات الخاطئة والتي لم تكن مناشئها دينية بل قد تكون
موروثاً اجتماعياً او عادات وقناعات شخصية وبين التشريعات الإسلامية
الواضحة والصريحة. فعندما نحاكم قانوناً لا ننظر فيه الى من أساء
تطبيقه، أو حاول تبرير سلوكه ببعض الآيات والأحاديث.
وبما ان المقام لا يسع لبيان
تفصيلي حول تشريعات الإسلام في أحكام النساء، نكتفي بتسليط الضوء
على الخصائص العامة لهذه التشريعات:
أولاً: أن الله سبحانه لم يجعل
للرجال على النساء سبيلاً في سن القوانين وفق أهوائهم، بل هو سبحانه
من تولى ذلك، ولم يترك حقوقها لاجتهاد الرجل، فقد فصل تعالى أحكامهن
بداية من الخطبة الى الطلاق مروراً بالزواج ووجوب النفقة والسكنى
والرضاع في سورتين من القرآن الكريم (النساء والطلاق).
ثانياً: جعل الله تعالى التعدي على
حقوقهن تعدياً على حدوده سبحانه، من ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ
لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي
لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) الطلاق: 1.
كما يلاحظ المتأمل في كلماته تعالى
في الآيات المتعلقة بالحقوق الزوجية أنها تحذر بشدة عن التمادي في
الخلافات الزوجية، بل تجدها تحذر حتى عما يضمره الإنسان في نفسه،
كما في قوله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ
بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ
اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا
أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ) البقرة: 231.
ثالثاً: الربط الوثيق بين حماية
حقوق المرأة وأخلاق الرجولة والمروءة، فقد ندب الى معاملة المرأة
بالمعروف في قوله تعالى: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ
سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)، وطالب لها فوق حقوقها بزيادة، وجعل هذه
الزيادة حقاً لها لكن ليس على الكل بل على من كان من المتقين
والمحسنين، ولا يخفى ما فيه من حث، قال تعالى: (لَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ
أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى
الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا
بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) البقرة: 236.
الأكثر قراءة
36114
19780


