
2025-10-28 84

لماذا الزواج وليس المساكنة؟ الحقيقة التي يخفيها السؤال
الشيخ مصطفى الهجري
وأنا أقرأ لأحد المعاصرين، ذكر أن
بعض طالباته في الجامعة سألنه: إن كان الدين شرع الزواج لتكون
العلاقة معلنة وبموافقة الأهل، فيمكن توفير هذه الشروط في المساكنة
المحرمة، فنحن نرى اليوم أكثر العلاقات في الغرب قائمة على الإعلان
وحاصلة على موافقة الأهل. فهل مجرد ترديد عدة كلمات يكفي في تحليل
علاقة الزواج وتحريم علاقة المساكنة؟!
وبغض النظر عما أجاب به كاتبنا
المعاصر والذي أسهب كثيراً بذكر مقدمات قد لا يكون لها الأثر
المقصود، نحاول أن نذكر مقاربتنا للسؤال باختصار:
الإجابة عن هذا السؤال وأمثاله لا
تكون إلا إذا فهمنا جيداً الغايات التي يقصدها المشرع الإسلامي
لنكتشف بأن ما اشترطه في عقد الزواج ضامن لتحقيق الغاية أو
لا.
هذا السؤال يحمل في طياته مغالطة
كبرى... إنه يفترض أن غاية الزواج هي مجرد الإعلان وموافقة الأهل!
لكن الحقيقة أعمق بكثير مما تتصور السائلة.
الزواج الشرعي ليس مجرد "ترديد
كلمات"... بل هو نظام اجتماعي ونفسي متكامل، صُمم بحكمة إلهية ليضمن
سعادة الطرفين واستقرار الأسرة والمجتمع.
في الزواج الشرعي: يكون الزواج
نهاية لفترة الحرمان والانتظار، وبداية للسعادة والاستقرار. الزوجان
ينظران لبعضهما كمصدر للسعادة، وكل منهما يرى في الآخر نعمة طال
انتظارها.
أما في المساكنة والعلاقات الحرة:
يكون الزواج - إن حصل - بداية للحرمان! نعم، بداية لفترة القيود بعد
حرية مطلقة. كل طرف ينظر للآخر كـ"سجّان" يقيد حريته ويمنعه من
"متعه" السابقة.
هل تدركون الفرق؟ في الأول، الزواج
تحرير... وفي الثاني، الزواج سجن!
اليوم، في الغرب الذي يُضرب به
المثل في "التحرر"، لم يعد الزواج حلماً جميلاً... بل أصبح كابوساً
يهرب منه الشباب!
حين تعرض على الشاب الغربي فكرة
الزواج، يقول: "لست مستعداً بعد... ما زلت صغيراً... الوقت لم
يحن"
لماذا؟ لأنه يرى الزواج سجناً
وقيداً، لا نعمة وسعادة!
بينما في الماضي، وقبل أن يرخص سعر
المرأة ببركة "المدنية الأوروبية"، كانت ليلة الزفاف لا تقل في نظر
الشاب عن عرش السلطان! كان الزواج يتم بعد قضاء مدة من الانتظار
والأمل، ولهذا كان كل من الزوجين يعتقد أن الآخر سبب في
سعادته.
أما اليوم؟ التمتع الجنسي متاح في
كل مكان خارج إطار الزواج، فلم يعد هناك ما يدعو إلى اللهفة والشوق
نحو الزواج.
المعاشرة الحرة بين الفتى والفتاة
أظهرت الزواج في صورة الواجب الثقيل... التكليف المفروض... الشيء
الذي يجب أن يُفرض على الشباب بالقوة!
وهذا ما نراه فعلاً في بعض الصحف
الغربية التي تقترح "إجبار" الشباب على الزواج!
تخيلوا... مجتمع يحتاج لإجبار
شبابه على الزواج! هذا هو حصاد "الحرية الجنسية" المزعومة.
في المجتمعات التي تبيح العلاقات
الحرة، تحول الزوجان إلى سجّانين لبعضهما!
الرجل لا يقول "تزوجت"... بل يقول
"اتخذت لنفسي سجاناً"!
لماذا؟ لأنه كان قبل الزواج
حراً... يذهب حيثما يشاء، يرقص مع من يشاء، يغازل من يشاء. لكن
الزواج وضع حداً لتلك "الحرية".
إذا تأخر في ليلة، أنّبته زوجته.
إذا راقص امرأة أخرى بحماس، عنّفته زوجته. فأصبحت الزوجة في نظره
رقيباً وسجاناً، لا شريكة حياة ومصدر سعادة.
والعكس صحيح... الزوجة أيضاً تشعر
أن زوجها يقيد حريتها ويمنعها من علاقاتها السابقة.
هذا هو الزواج في ظل "الحرية
الجنسية": حياة قائمة على العداء والنفور، لا على المحبة
والوفاق.
خدعة موانع الحمل
يقول بعضهم - مثل برتراند راسل –إن
كانت الغاية من الزواج حفظ الأنساب، فالحل بسيط: استخدام موانع
الحمل يحل مشكلة النسب!
لكن القضية ليست قضية النسب
فحسب... القضية هي خلق أعظم العواطف وأنبلها بين الزوجين، وتوطيد
وحدتهما الكاملة.
ثم... ماذا لو أن المرأة
"المتحررة" استخدمت موانع الحمل مع زوجها الذي لا تحبه، ولم
تستخدمها مع عشيقها الذي تحبه؟ ماذا لو ألصقت أطفالها غير الشرعيين
بزوجها الشرعي؟
هذا ليس افتراضاً نظرياً...
الإحصاءات الأوروبية تؤكد أنه على الرغم من انتشار وسائل منع الحمل،
فإن عدد الأطفال غير الشرعيين مخيف ومرعب.
المرأة المتحررة ترغب في أن يكون
أولادها من صلب العشيق الذي تحب، لا من صلب الزوج الذي لا تحب.
والرجل كذلك يريد أولاداً من عشيقته، لا من زوجته القانونية!
الزواج الشرعي ليس مجرد "ترديد
كلمات"... بل هو نظام حياة متكامل يقوم على:
أولاً: حصر التمتع الجنسي في إطار
الزواج الشرعي، مما يجعل الزوجين ينظران لبعضهما كمصدر وحيد
للسعادة، فتتعمق الروابط بينهما.
ثانياً: حماية الأسرة من التفكك
بسبب الغيرة والشك وفقدان الثقة الذي ينتج حتماً عن العلاقات
الحرة.
ثالثاً: حفظ الأنساب وحماية
الأطفال من الضياع.
رابعاً: بناء مجتمع سليم قائم على
أسر مستقرة، لا على علاقات عابرة هشة.
الخلاصة
أختي السائلة... الفرق بين الزواج
والمساكنة ليس في "ترديد كلمات"...
الفرق في النتائج... في السعادة أو
الشقاء... في الاستقرار أو التفكك... في النظرة للشريك كنعمة أم
كسجان.
الغرب اليوم يدفع ثمن تجربته
المريرة: شباب يهرب من الزواج، معدلات طلاق مرعبة، أطفال غير شرعيين
بالملايين، أسر محطمة، وحدة قاتلة، وفراغ عاطفي مخيف.
هذا هو حصاد "الحرية" التي
تتمنينها!
أما الزواج الشرعي، فهو النظام
الوحيد الذي يضمن السعادة الحقيقية... لأنه من تشريع الخالق العليم
بما يصلح عباده.
فهل ما زال السؤال قائماً؟
الأكثر قراءة
36314
19806


