

صلة الإمام الكاظم بأحدث نظرية في علم نفس!
السيد علي العزام الحسيني
ورد
في الحديث المعتبر عن الإمام الكاظم- عليه السلام- قال: إذا وعدتُم
الصبْيَان ففوا لهم؛
فإنّهم يرون أنّكم الذين ترزقونهم.(الكافي11-
451)، ولو أردنا اكتشاف عمق هذه الكلمة لا بدّ أن نؤشر على أحدث
نظرية نفسية في مجال الإلحاد والإيمان.
النظرية تعود لعالم النفس المعاصر الأمريكي بول فيتز، وتدعى بنظرية الأبوة الناقصة أو إيمان فاقد الأبوة، وقد بسطها في كتابه الذي يعبر عنوانه الفرعي عن أطروحته: ( نفسية الإلحاد - إيمان فاقد الأب )، والكتاب مطبوع ومترجم إلى العربية، ومن حسن الحظ أيضًا أنّ الدراسة متوفّرة على الشبكة العنكبوتية مجانًا.
ولكلٍ من الكتاب والكاتب مميزّات، ففيتز سبق أن مرّ بتجربة الإلحاد، وهو بعد من أبرز المتخصّصين في دراسة الجوانب النفسية في الإلحاد، وأكثرهم اشتغالًا بهذا الملف في عصرنا الراهن. أما ميزة أطروحته فهي اعتمادها على المنهج العلمي، حيث اتخذتْ من الملحدين الأقوياء والمتشدّدين- كما يعبّر فيتز- عيّناتٍ وشواهد.
ونظرًا لأهمية هذه الأطروحة من حيث إنّها ترى الدافع النفسي هو أقوى العوامل التي تقف وراء خيار الإلحاد، ومن جهة أخرى، فإنّ بيان عمق حديث الإمام الكاظم عليه السلام آنفًا يتوقف عليها، لذا سنقوم بتلخيصها أدناه تلخيصًا لا يغني بطبيعة الحال عن الرجوع إلى الكتاب. تتلخص نظرية بول فيتز في تقوّمها بأمرين:
الأمر الأول- مفهوم (نقصان الأبوة) ويحدّده فيتز في ثلاث حالات رئيسة:
أ-الأب الضعيف الذي لا يستحق الاحترام، كما لو كان جبانًا مثلًا.
ب- أبٌ مسيء لأبنائه، معتدٍ عليهم: نفسيًا او جسديًا أو جنسيًا.
ت- الأب الميت، أو بحكم الميت، كحالات الطلاق او السفر مثلًا.
استخلص فيتز هذه الحالات من دراسة حياة كبار الشخصيات الملحدة كما أسلفنا، فمن بين الذين مات آباؤهم في عمر مبكر: فريدريك نيتشه(ت1900م) إذ مات والده وهو في الخامسة من عمره، وديفيد هيوم (ت 1776م) الذي فقد أبا وهو في السنة الثانية من عمره، وبيرتراند راسل (ت1970م) مات والداه وهو في الرابعة من عمره، وهكذا: آرثر شوبنهاور(ت1860م) الذي اعتبر يوم موت أبيه أصعب يوم في حياته. وأكثر ما يشدّ الانتباه في حالة الأب الضعيف هو سيغموند فرويد الذي قال عن والده (جاكوب) أنّه كان جبانًا و منحرفًا جنسيًا. أما الذين عانوا من قسوة الأب فمثل: ستالين(ت1953م) حتى اعتقد أنّ أباه لا قلب له لفرط قسوته، والأمر نفسه مع هتلر(ت1945م) الذي لم يعد لمدينته إلا بعد أن مات أبوه، ثمّ ماو تسي تونغ (ت1976م).
الأمر الثاني- أسقاط الطفل لسلطة الأبوة على الإله، فعلى الرغم من اتفاق فيتز مع فرويد في الصلة الوثيقة بين الإلحاد وبين فقدان الأبناء الشعور بسلطة الأب، بيد أنّه يختلف معه في سر هذه العلاقة، ففي حين يقوم فرويد بتفسيرها على أساس عقدة أوديب الأسطورية، يرى بول فيتز أنّها ناشئة من الإسقاط الذي ينشأ عليه الطفل في مفهوم الأب على الرب، وهنا تتضح فحوى كلمة الإمام المتقدّمة من أنّ الصبيان يرون في آبائهم أنّهم هم الذين يرزقونهم.
والحاصل، حسب هذه النظرية: إذا تحقّق نقصان الأبوّة في أيٍّ من حالاته السابقة، تنشأ لدى الطفل تصورات، من قبيل: أنّ الأب قد خانه، أوأنّه قادر على العيش دون أب، فيستنتج أنّ بإمكانه أن يستغني عن الإله كما استغنى عن أبيه، كما أنّه يبدأ بغض الإله نتيجة بغضه لأبيه وهكذا يتحقق ذلك حتى في حالة موت الأب؛ لأنّه لم يدرك بعدُ حقيقة الموت.


