27 شوال 1446 هـ   25 نيسان 2025 مـ 2:57 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-01-17   4766

عمار بن ياسر ... تقتله الفئة الباغية

نشأته...
ولد الصحابي الجليل عمار بن ياسر بن عامر بن مالك العنسي المذحجي، في مكة المكرمة، قرابة عام الفيل، سنة ولادة النبي محمد صلى الله عليه وآله، فهو قريب من عمره الشريف، كان أبوه ياسر بن عامر قد قدم من اليمن مع أخوَيه باحثين عن أخٍ رابع لهم، رجع أخواه الى اليمن وظل ياسر مقيما في مكة، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن مخزوم، فزوّجه أبو حذيفة من جارية له؛ اسمها سُميّة بنت خياط، فأنجبت له عمارا، أعتق أبو حذيفة عمّارا، فصار عمار بذلك مولىً لبني مخزوم.
كان عمارُ من السابقين الى الإسلام، بعد أن أسلم مع صهيب بن سنان في ساعة واحدة في دار الأرقم، وكان عدد المسلمين آنذاك قرابة ثلاثين نفرا. ليسلُم من بعده أبوه وأمّه وقُتِلا صابِرَيْن من جرّاء تعذيب المشركين لهما.

صبْره...
تعرض عمار للتعذيب الشديد بعد أن كُشِفَ أمرُ إسلامه، فقد استضعفه المشركون، لأنه لم تكن له قبيلة في مكة تدافع عنه، فألبسه المشركون مع رفاقه ـ ومنهم بلال بن رباح ـ دروعا حديدية، وصفّدوهم في الشمس فانتزعوا منهم التخلي عن محمدٍ وذكرِ آلهتِهم بخير، الّا بلال، فقد ظل عنيدا، هانت عليه نفسُه في الله، وحين أُطلِق عمار أتى رسول الله خجِلا، فسأله النبي صلى الله عليه وآله ما وراءك؟ قال : "شر يا رسول الله، فوالله ما تُرِكْت حتى نلتُ منك وذكرت آلهتهم بخير"، فقال له النبي : "كيف تجد قلبك ؟"، قال : "مطمئن بالإيمان"، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: "فإن عادوا فعد"، فنزلت الآية بعد ذلك ((من كفر بالله من بعد إيمانه الا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم))(النحل-106).
كان رسول الله صلى الله عليه وآله، يمر عليه وعلى أمه وأبيه وهم يُعذَّبون ولا يستطيع دفع الأذى عنهم، فيقول: "صبراً آل ياسر فإن موعَدكم الجنة"، وقال أيضا: "اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت".

هجرته...
اختلف المؤرخون حول هجرة عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه الى الحبشة، ولكنهم اتفقوا على هجرته الى يثرب، فقد روي أن الرسول صلى الله عليه وآله، لما وصل يثرب مهاجرا، كان الوقت ضُحىً فقال عمار: "ما لرسول الله صلى الله عليه وآله بدٌّ من أن نجعل له مكانا إذا استظل من قائلته ليستظل فيه، ويصلي فيه"، فجمع عمار حجارة فبنى مسجد قباء، فكان أول مسجد بني في الإسلام.
وحين وصل النبي صلى الله عليه وآله يثرب آخى بين المهاجرين والأنصار، وقد كان فيمن آخى، أنه آخى بين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان.
وشهد عمار كافة الحروب والغزوات الدفاعية التي تبناها النبي صلى الله عليه وآله، وقد أظهر فيها أقصى حالات الشجاعة والبسالة، وأبلى بلاء حسنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، فضلا عن الحروب التي حصلت بعد وفاته.
امتنع عمار عن بيعة أبي بكر، لاعتقاده بأحقية خلافة علي بن ابي طالب عليه السلام، لكنه شهد معركة اليمامة، وأبلى فيها بلاء حسنا، فقد قُطِعت أذنه في المعركة وهو لا يزال مقاتلا عنيدا.

قصته مع عثمان...
دافع عمار بضراوة عن بيت مال المسلمين أيام خلافة عثمان بن عفان، وقد تعرض في ذلك لأشد أنواع العذاب، فقد روي أن عثمان بعث الى الأرقم بن عبد الله، وقد كان خازنا لبيت المال فقال له: "أسلفني مئة ألف درهم"، فقال الأرقم: "أكتب عليك بها صكا للمسلمين"، قال عثمان: "وما أنت وذاك لا أمّ لك؟ إنما أنت خازن لنا"، فلما سمع الأرقم ذلك خرج الى الناس فقال لهم :"أيها الناس عليكم بمالكم، فاني ظننت أني خازنكم، ولا علم لي أني خازن عثمان حتى اليوم"، فمضى ودخل بيته، فلما بلغ ذلك عثمان، خرج الى الناس حتى دخل المسجد، فقام في الناس خطيبا فقال: "أيها الناس إن أبا بكر كان يؤثر بني تيم على الناس، وإن عمر كان يؤثر بني عدي على كل الناس، وإني أؤثر ـ والله ـ بني أمية على مَن سواهم، ولو كنت جالسا بباب الجنة، ثم استطعت أن أُدخل بني أمية جميعا الجنة لفعلت، وإن هذا المال لنا، فإن احتجنا اليه أخذناه وإن رُغم أنف أقوام"، فقام عمار بن ياسر وقال :"معاشر المسلمين اشهدوا أن ذلك مَرغَمٌ لي"، فقال عثمان : "وأنت هاهنا!"، ثم نزل من المنبر فجعل يتوطّأه برجله (أي يركله) حتى غُشي على عمار، وحملوه وهو مغمىً عليه الى بيت أم سلمة، فعظُم على الناس ذلك، وبقي عمار مغمىً عليه في بيت أم سلمة، لم يصلِّ الظهرين والمغرب، فلما أفاق قال: "الحمد لله، فقديما أوذيت في الله، وأنا أحتسب ما أصابني في جنب الله العدل الكريم، بيني وبين عثمان يوم القيامة".

حديث نبوي في عمار بن ياسر...
تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "عمار تقتله الفئة الباغية"، وظل المسلمون جميعا يترقبون تحقق هذه النبوءة المحمدية، حتى قيل إن خزيمة بن ثابت؛ شهد الجمل وصفين ولم يسلّ سيفا، منتظرا مقتل عمار حتى يتبين من هي الفئة الباغية، لأنه كان قد سمع بنفسه حديث النبي صلى الله عليه وآله آنف الذكر، فظل مترقبا مقتل عمار حتى قُتِل في صفين على يد جيش معاوية، عندها قال خزيمة: "قد بانت لي الضلالة"، فقام وجرّد سيفه فقاتل حتى استُشِهد.

شهادته...
لما استُشِهد عمار، صلى عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام، ولم يغسله، وكفّنه في ثيابه ودفنه، وقد بلغ عمار يومئذ ثلاثة وتسعين سنة على أرجح الأقوال، فرحم الله عمارا، فقد كان شديد الإيمان قوي الشكيمة، أبلى في الإسلام بلاء حسنا، صاحَبَ رسول الله منذ مهد الدعوة الإسلامية، فكان من السابقين الأولين البدريين، ومن الذين اشتاقت لهم الجنة، حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: "عمار مُلئ إيماناً الى مشاشه".

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م