2021-11-14 1645
إِخْوَان الصَّفَاء وخِلاَّن الوَفَاء... النشأة والأسلوب والآثار
إخوان الصَّفاء وخِلاَّن الوفاء كما
يسمُّون أنفسهم بذلك، هم عبارة عن تنظيم وجماعة دعويّة في
غاية السِّرية والتكتُّم على هويّات أفرادها، وقد استعملوا شتَّى
أصناف المعارف والعلوم التي كانت في زمانهم لمخاطبة مختلف شرائح
وفئات المجتمع الإسلامي حينها، وذلك بهدف دعوة النَّاس لتبني
مدرستهم واقتفاء أثرهم، والسَّير على خطاهم والانتماء لجماعتهم،
بحيث نجد أنَّ مجموع ما وصلنا منهم بضعة وخمسون رسالة، مثَّلت خلاصة
ما كانوا يريدون ايصاله، ويكون كافيا لجلب المريدين ودعوتهم
لجماعتهم.
وما يمكن الرُّكون إليه في خصوص هويّة أفراد هذه الجماعة، هو كونهم من جهة الدِّين ينتمون إلى الإسلام، أمَّا من جهة المذهب فهم يرجعون إلى المذهب الشِّيعي وبالتَّحديد إلى المدرسة الإسماعيلية أو مذهب الربّانيين كما يسمُّونه، حيث نجدهم يشيرون تلميحا لا تصريحًا فيقولون:
"واعلم يا أخي أنَّ العلم علمان: علم الأبدان، وعلم الأديان، فالأنبياء عليهم السلام [هم] أطباء النُّفوس [وكذلك] أولياؤهم وخلفاؤهم، فهذا مذهب إخواننا الكرام، وإليه ندعو إخواننا الباقين....." ((رسائل إخوان الصفاء:ج 4 – ص16 )).
وكذلك يصرّحون في خصوص الإمامة، فيقولون: "اعلم أنَّ الأمَّة كلّها تقول: أنَّه لابد من إمام، يكون خليفة لنبيها في أمَّته بعد وفاته، وذلك لأسباب شتَّى وخصال عدَّة، أحدها هو أن يحفظ الإمام الشريعة على الأمة، ويُحيي السُّنَّة في الملَّة، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتكون الأمة تصدر عن رأيه، وقوم آخرون يكونون خُلفاءَهُ في سائر البُلدان المسلمين بالنِّيابة عنه في الخَراج..... وخصلة أخرى هي: أن يرجع فقهاء المسلمين وعلماؤهم عند مشكلاتهم في أمر الدِّين إليه، وعند مسائل الخلاف، فيحكم هو بينهم فيما هم فيه مختلفون من الحكومة في الفقه والأحكام...... " (رسائل إخوان الصفاء:ج 3 – ص493 )
بل ونراهم يعتقدون بالسِّتر والغَيْبة للإمام كما هو الحال عند الإسماعيلية، فيشيرون قائلين: "واعلم يا أخي: أنَّ أقوى ما يكون فعل إبليس في دور السِّتر، وذالك لأنَّ حُجَّة الله (عزَّ شأنه) في أرضه وخليفته في عباده، يكون مختفيًا مستورًا، وإن كانت أنواره تضيء في نفوس العارفين به والرَّاجعين إليه، الذين لا يغرّهم ما يرونه من قوَّة ملوك الدُّنيا وخلفاء الشَّياطين...." (رسائل إخوان الصفاء:ج 4 – ص381 )
وخلاصة ما وصلنا منهم في الحديث عن أنفسهم، كونهم جماعة ربطت بينهم علاقة صداقة وأُخوَّة قويَّة، واجتمعوا على إخلاص النُّصح والتَّطهر من الدَّنس، كما يشيرون لذلك في بعض رسائلهم، وكونهم مجموعة أفراد ينحدرون من مختلف شرائح المجتمع الإسلامي، حيث نجدهم يذكرون في إحدى رسائلهم قائلين: "أنَّ لنا إخوانُا وأصدقاء من كرام النَّاس، وفضلائهم، متفرِّقين في البلاد، فمنهم طائفة من أولاد الملوك والأمراء والوزراء والعمال والكتاب، ومنهم طائفة من أولاد الأشراف والدَّهاقين والتُّجار والتُّنَّاء، ومنهم طائفة من أولاد العلماء والأدباء والفقهاء وحملة الدِّين، ومنهم طائفة من أولاد الصنَّاع، والمتصرِّفين، وأمناء النَّاس....." (رسائل إخوان الصفاء: ج 4 - ص165)
أمَّا من حيث زمان ومكان تواجدهم، فالمرجَّح كونهم ظهروا بظهور رسائلهم التي خرجت للنَّاس في القرن الرَّابع هجري، وكذلك يرجَّح كونهم تواجدوا في مدينة البصرة جنوب العراق، كما تشير بعض النُّصوص والدلائل التَّاريخية لذلك .
وقد ذُكرت بعض الأسماء المنتمية لهذه الجماعة عند من عاصرهم، وقرَّر على ذلك من جاء بعدهم ممَن حاول تقصي حقيقة أفراد هذه الجماعة، إلا أنَّه لا يمكن الرُّكون والاطمئنان لصحَّة ذلك، لعدم وجود تصريحا من قِبَلهم، أو حتى وجود ترجمة للأسماء التي ذُكرت، ومن هذه الأسماء: "أبو سليمان محمَّد بن معشر البستي المعروف بالمقدسي" و "أبو الحسن علي بن هارون الزَّنجاني" و"أبو أحمد المهرجاني" و"زيد بن رفاعة" و "أبو الحسن العوفي".
وما يُعرف عن الهيكليّة التَّنظيمية لهذه الجماعة، هو ما أشاروا له في بعض رسائلهم الصادرة عنهم، حيث نجدهم يقسمون أنفسهم إلى أربعة مراتب:
• المرتبة الأولى: ذَوي الصنائع: وهم الشُبَّان الذين أتمُّوا الخامسة عشر، ويسمّونهم بالإخوان الأبرار والرحماء، وهذه مرتبة في السُّلم التنظيمي لهم.
• المرتبة الثَّانية: الرؤساء ذَوِي السِّياسات: وهم الذين أتمُّوا من العمر العقد الثالث، وعرفوا بالحكمة والعقل ويسمُّونهم الإخوان الأخيار الفضلاء.
• المرتبة الثَّالثة: الملوك ذوي السُّلطان: وهم الذين أكملوا العقد الرابع من العمر، وعرفوا بالحفاظ على النَّاموس الإلهي (التَّديُّن)، ويسمُّونهم بالإخوان الفضلاء الكرام .
• المرتبة الرَّابعة: المشاهدون للحقِّ عيانًا: وهم الحكماء الذين أتمُّوا الخمسين من العمر، وهذه المرتبة هي المرتبة العُليا التي يَدْعون أصحاب المراتب السابقة إلى العمل والمثابرة لبلوغها، و كذلك التَّحلي بِسِيمات أصحابها .
ومن هنا يمكن أن نستخلص، فنشير إلى :
أنَّنا لو عُدنا للتَّأمُّل في الأسلوب الخطابي الذي صاغ به إخوان الصَّفاء رسائلهم، وكذلك التَّدقيق في جملة كبيرة من المضامين التي طرحوها فيها، ونخصُّ منها تلك التَّصوُّرات المعرفية ذات الخلفية الدينية، ثمَّ رجعنا بعد ذلك لمقارنتها بتلك المؤلفات والمُصَنَّفات التي خرجت لنا في العقود الأخيرة وقد كُتبت بخطّ أئمة الإسماعيلية وأعلامهم، سنلحظ بوضوحٍ حالة من التَّشابه بينهما في الأسلوب والمضمون، بل وسنلحظ أيضًا نحوًا من التَّطابق والتَّماهي المُعزِّز لقوَّة احتمال بأنَّ الذي يقف خلف النُّصوص والأطروحات المذكورة في رسائل إخوان الصَّفاء هم أئمة الإسماعيلية أنفسهم، ونخصُّ الذين عاشوا في أواخر القرن الثالث وفي القرن الرابع هجري، وإن كنَّا نحتمل بجانب ذلك أنَّ الذي خطَّ الرسائل وهذَّبها وصاغها ثمَّ نشرها هم الخواصُّ المقربون من هؤلاء الأئمة.
ويؤيِّد ذلك، أنَّ العقود القليلة التي سبقت ظهور رسائل إخوان الصَّفاء، وكذلك التي عاصرتها، هي المراحل التي اشتدَّت وقويت فيها الحركة الدينية والسياسيَّة السِّريَّة لأئمَّة الإسماعيلية وخواصِّهم من شيعتهم، والتي تُوِّجَت في نفس تلك المراحل بتأسيس وظهور الدَّولة الفاطميَّة في تونس وما حولها من المناطق المغاربية المجاورة لها في شمال إفريقيا وامتدَّت في مراحل متقدِّمة للشرق العربي لتتجاوز مصر، وأيضا الدَّولة الحمدانية التي تأسَّست في شمال العراق "الموصل" وامتدَّت لبلاد الشام "حلب وحمص"، وأعقبتهما في الظهور الدَّولة النِّزارية "دولة الحشَّاشين"، وذلك في بلاد فارس شمال إيران "قلعة آلْمـُوت، وفي سوریا حيث سيطروا على عدَّة قِلاَع فيها .
أمَّا من ذهب لاحتمال كون إخوان الصَّفاء ينتمون إلى التَّبعيَّة الإيرانية، استنادا على استعمالهم لبعض مفردات اللُّغة الفارسيَّة في رسائلهم، فهو احتمال يحكمه الضعف والبُعدُ عن الواقع، وذلك لوضوح أن الحركة العلمية في تلك العصور وما بعدها كانت متأثِّرة نسبيًّا باللُّغة الفارسيَّة والعكس أيضا صحيحًا، وخاصة في العراق لمجاورتها لإيران، وأيضا لبروز شخصيات علمية كثيرة تعدُّ الفارسيَّة لغتهم الأم، وعليه فاستعمال إخوان الصَّفاء لمفردات اللُّغة الفارسيَّة هو لمجاراة ما هو سائد ومستعمل من المفردات سواء كانت فارسية أو تركية أو غيرها.
نعم نحن لا نستبعد أن يكون بعض الأفراد المنتمين لجماعة إخوان الصَّفاء يعودون بالتَّبعية إلى إيران، بل هو احتمال قوي خاصَّة إذا سلمنا بأنَّ للحركة الإسماعيليَّة وجود قوي داخل إيران، ولكن الأقوى من كل هذا هو أنَّ أئمَّة الإسماعيلية هم الذين يقودون ويشرفون على هذا التَّنظيم والجماعة، وكما هو معلوم تاريخيا فحركة أئمَّة القرن الثالث والرابع للإسماعيلية كانت متمركزة في العراق لا في إيران .
أما في ما يتعلَّق بآثارهم، فلم يصلنا إلاَّ ما سمحوا بخروجه وتداوله بين عموم النَّاس، والذي تمثَّل في اثنتين وخمسين رسالة، وقد جُمعت وطبعت في عصرنا في أربعة مجلدات وعُنْوِنَت بـ "رسائل إخوان الصَّفاء وخِلاَّن الوفاء، والتي اشتملت على آرائهم في الرِّياضيّات، والطَّبيعيات، والنَّفسيّات، والعقليّات، والفلكيات، والأخلاقيات، وفي الموضوعات الدينية العقائدية، وفي العلوم الغريبة بمختلف أصنافها.......الخ .
حبيب مقدَّم التُّونسي
وما يمكن الرُّكون إليه في خصوص هويّة أفراد هذه الجماعة، هو كونهم من جهة الدِّين ينتمون إلى الإسلام، أمَّا من جهة المذهب فهم يرجعون إلى المذهب الشِّيعي وبالتَّحديد إلى المدرسة الإسماعيلية أو مذهب الربّانيين كما يسمُّونه، حيث نجدهم يشيرون تلميحا لا تصريحًا فيقولون:
"واعلم يا أخي أنَّ العلم علمان: علم الأبدان، وعلم الأديان، فالأنبياء عليهم السلام [هم] أطباء النُّفوس [وكذلك] أولياؤهم وخلفاؤهم، فهذا مذهب إخواننا الكرام، وإليه ندعو إخواننا الباقين....." ((رسائل إخوان الصفاء:ج 4 – ص16 )).
وكذلك يصرّحون في خصوص الإمامة، فيقولون: "اعلم أنَّ الأمَّة كلّها تقول: أنَّه لابد من إمام، يكون خليفة لنبيها في أمَّته بعد وفاته، وذلك لأسباب شتَّى وخصال عدَّة، أحدها هو أن يحفظ الإمام الشريعة على الأمة، ويُحيي السُّنَّة في الملَّة، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتكون الأمة تصدر عن رأيه، وقوم آخرون يكونون خُلفاءَهُ في سائر البُلدان المسلمين بالنِّيابة عنه في الخَراج..... وخصلة أخرى هي: أن يرجع فقهاء المسلمين وعلماؤهم عند مشكلاتهم في أمر الدِّين إليه، وعند مسائل الخلاف، فيحكم هو بينهم فيما هم فيه مختلفون من الحكومة في الفقه والأحكام...... " (رسائل إخوان الصفاء:ج 3 – ص493 )
بل ونراهم يعتقدون بالسِّتر والغَيْبة للإمام كما هو الحال عند الإسماعيلية، فيشيرون قائلين: "واعلم يا أخي: أنَّ أقوى ما يكون فعل إبليس في دور السِّتر، وذالك لأنَّ حُجَّة الله (عزَّ شأنه) في أرضه وخليفته في عباده، يكون مختفيًا مستورًا، وإن كانت أنواره تضيء في نفوس العارفين به والرَّاجعين إليه، الذين لا يغرّهم ما يرونه من قوَّة ملوك الدُّنيا وخلفاء الشَّياطين...." (رسائل إخوان الصفاء:ج 4 – ص381 )
وخلاصة ما وصلنا منهم في الحديث عن أنفسهم، كونهم جماعة ربطت بينهم علاقة صداقة وأُخوَّة قويَّة، واجتمعوا على إخلاص النُّصح والتَّطهر من الدَّنس، كما يشيرون لذلك في بعض رسائلهم، وكونهم مجموعة أفراد ينحدرون من مختلف شرائح المجتمع الإسلامي، حيث نجدهم يذكرون في إحدى رسائلهم قائلين: "أنَّ لنا إخوانُا وأصدقاء من كرام النَّاس، وفضلائهم، متفرِّقين في البلاد، فمنهم طائفة من أولاد الملوك والأمراء والوزراء والعمال والكتاب، ومنهم طائفة من أولاد الأشراف والدَّهاقين والتُّجار والتُّنَّاء، ومنهم طائفة من أولاد العلماء والأدباء والفقهاء وحملة الدِّين، ومنهم طائفة من أولاد الصنَّاع، والمتصرِّفين، وأمناء النَّاس....." (رسائل إخوان الصفاء: ج 4 - ص165)
أمَّا من حيث زمان ومكان تواجدهم، فالمرجَّح كونهم ظهروا بظهور رسائلهم التي خرجت للنَّاس في القرن الرَّابع هجري، وكذلك يرجَّح كونهم تواجدوا في مدينة البصرة جنوب العراق، كما تشير بعض النُّصوص والدلائل التَّاريخية لذلك .
وقد ذُكرت بعض الأسماء المنتمية لهذه الجماعة عند من عاصرهم، وقرَّر على ذلك من جاء بعدهم ممَن حاول تقصي حقيقة أفراد هذه الجماعة، إلا أنَّه لا يمكن الرُّكون والاطمئنان لصحَّة ذلك، لعدم وجود تصريحا من قِبَلهم، أو حتى وجود ترجمة للأسماء التي ذُكرت، ومن هذه الأسماء: "أبو سليمان محمَّد بن معشر البستي المعروف بالمقدسي" و "أبو الحسن علي بن هارون الزَّنجاني" و"أبو أحمد المهرجاني" و"زيد بن رفاعة" و "أبو الحسن العوفي".
وما يُعرف عن الهيكليّة التَّنظيمية لهذه الجماعة، هو ما أشاروا له في بعض رسائلهم الصادرة عنهم، حيث نجدهم يقسمون أنفسهم إلى أربعة مراتب:
• المرتبة الأولى: ذَوي الصنائع: وهم الشُبَّان الذين أتمُّوا الخامسة عشر، ويسمّونهم بالإخوان الأبرار والرحماء، وهذه مرتبة في السُّلم التنظيمي لهم.
• المرتبة الثَّانية: الرؤساء ذَوِي السِّياسات: وهم الذين أتمُّوا من العمر العقد الثالث، وعرفوا بالحكمة والعقل ويسمُّونهم الإخوان الأخيار الفضلاء.
• المرتبة الثَّالثة: الملوك ذوي السُّلطان: وهم الذين أكملوا العقد الرابع من العمر، وعرفوا بالحفاظ على النَّاموس الإلهي (التَّديُّن)، ويسمُّونهم بالإخوان الفضلاء الكرام .
• المرتبة الرَّابعة: المشاهدون للحقِّ عيانًا: وهم الحكماء الذين أتمُّوا الخمسين من العمر، وهذه المرتبة هي المرتبة العُليا التي يَدْعون أصحاب المراتب السابقة إلى العمل والمثابرة لبلوغها، و كذلك التَّحلي بِسِيمات أصحابها .
ومن هنا يمكن أن نستخلص، فنشير إلى :
أنَّنا لو عُدنا للتَّأمُّل في الأسلوب الخطابي الذي صاغ به إخوان الصَّفاء رسائلهم، وكذلك التَّدقيق في جملة كبيرة من المضامين التي طرحوها فيها، ونخصُّ منها تلك التَّصوُّرات المعرفية ذات الخلفية الدينية، ثمَّ رجعنا بعد ذلك لمقارنتها بتلك المؤلفات والمُصَنَّفات التي خرجت لنا في العقود الأخيرة وقد كُتبت بخطّ أئمة الإسماعيلية وأعلامهم، سنلحظ بوضوحٍ حالة من التَّشابه بينهما في الأسلوب والمضمون، بل وسنلحظ أيضًا نحوًا من التَّطابق والتَّماهي المُعزِّز لقوَّة احتمال بأنَّ الذي يقف خلف النُّصوص والأطروحات المذكورة في رسائل إخوان الصَّفاء هم أئمة الإسماعيلية أنفسهم، ونخصُّ الذين عاشوا في أواخر القرن الثالث وفي القرن الرابع هجري، وإن كنَّا نحتمل بجانب ذلك أنَّ الذي خطَّ الرسائل وهذَّبها وصاغها ثمَّ نشرها هم الخواصُّ المقربون من هؤلاء الأئمة.
ويؤيِّد ذلك، أنَّ العقود القليلة التي سبقت ظهور رسائل إخوان الصَّفاء، وكذلك التي عاصرتها، هي المراحل التي اشتدَّت وقويت فيها الحركة الدينية والسياسيَّة السِّريَّة لأئمَّة الإسماعيلية وخواصِّهم من شيعتهم، والتي تُوِّجَت في نفس تلك المراحل بتأسيس وظهور الدَّولة الفاطميَّة في تونس وما حولها من المناطق المغاربية المجاورة لها في شمال إفريقيا وامتدَّت في مراحل متقدِّمة للشرق العربي لتتجاوز مصر، وأيضا الدَّولة الحمدانية التي تأسَّست في شمال العراق "الموصل" وامتدَّت لبلاد الشام "حلب وحمص"، وأعقبتهما في الظهور الدَّولة النِّزارية "دولة الحشَّاشين"، وذلك في بلاد فارس شمال إيران "قلعة آلْمـُوت، وفي سوریا حيث سيطروا على عدَّة قِلاَع فيها .
أمَّا من ذهب لاحتمال كون إخوان الصَّفاء ينتمون إلى التَّبعيَّة الإيرانية، استنادا على استعمالهم لبعض مفردات اللُّغة الفارسيَّة في رسائلهم، فهو احتمال يحكمه الضعف والبُعدُ عن الواقع، وذلك لوضوح أن الحركة العلمية في تلك العصور وما بعدها كانت متأثِّرة نسبيًّا باللُّغة الفارسيَّة والعكس أيضا صحيحًا، وخاصة في العراق لمجاورتها لإيران، وأيضا لبروز شخصيات علمية كثيرة تعدُّ الفارسيَّة لغتهم الأم، وعليه فاستعمال إخوان الصَّفاء لمفردات اللُّغة الفارسيَّة هو لمجاراة ما هو سائد ومستعمل من المفردات سواء كانت فارسية أو تركية أو غيرها.
نعم نحن لا نستبعد أن يكون بعض الأفراد المنتمين لجماعة إخوان الصَّفاء يعودون بالتَّبعية إلى إيران، بل هو احتمال قوي خاصَّة إذا سلمنا بأنَّ للحركة الإسماعيليَّة وجود قوي داخل إيران، ولكن الأقوى من كل هذا هو أنَّ أئمَّة الإسماعيلية هم الذين يقودون ويشرفون على هذا التَّنظيم والجماعة، وكما هو معلوم تاريخيا فحركة أئمَّة القرن الثالث والرابع للإسماعيلية كانت متمركزة في العراق لا في إيران .
أما في ما يتعلَّق بآثارهم، فلم يصلنا إلاَّ ما سمحوا بخروجه وتداوله بين عموم النَّاس، والذي تمثَّل في اثنتين وخمسين رسالة، وقد جُمعت وطبعت في عصرنا في أربعة مجلدات وعُنْوِنَت بـ "رسائل إخوان الصَّفاء وخِلاَّن الوفاء، والتي اشتملت على آرائهم في الرِّياضيّات، والطَّبيعيات، والنَّفسيّات، والعقليّات، والفلكيات، والأخلاقيات، وفي الموضوعات الدينية العقائدية، وفي العلوم الغريبة بمختلف أصنافها.......الخ .
حبيب مقدَّم التُّونسي
الأكثر قراءة
25879
18683
13876
10739