20 جمادي الثاني 1446 هـ   22 كانون الأول 2024 مـ 4:18 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2021-12-19   1099

تركستان الشرقية تقاوم أدلجة ماوتسي

سميت تركستان الشرقية بهذا الاسم لكونها تمثل الجزء الشرقي من تركستان الكبرى، والتي باتت تعرف في الوقت الراهن، باسم "آسيا الوسطى، ويحد تركستان الشرقية من الشمال منغوليا وروسيا (سيبيريا)، ومن الجنوب التبت وكشمير (باكستان والهند)، ومن الشرق الصين، ومن الغرب الدول الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق بعد انهياره عام 1991م، وهي كازاخستان، وقرغيزيا، وطاجيكستان، ومن ورائها أوزبكستان وتركمانستان.
وهذه المناطق جميعاً، بجانب تركستان الشرقية، هي التي كان المسلمون يطلقون عليها اسم بلاد ما وراء النهر، كما عرفت لديهم باسم تركستان (أرض الترك)، وهي موطنهم الأصلي، الذي انطلقوا منه في شكل موجات متتابعة بدءاً من القرن الرابع الهجري، لينتشروا في إيران وآسيا الصغرى والأناضول (تركيا حالياً) وأذربيجان وغيرها. 
وقد شكلوا بعد اعتناقهم للإسلام في القرن الخامس الهجري دولة الأتراك السلاجقة، والتي كانت سيفاً مصلتاً ضد الروم البيزنطيين، فضلا عن الهندوس، ثم شكلوا في القرن الثامن الهجري دولة آل عثمان، التي فتحت القسطنطينية وأسقطت الدولة البيزنطية، وفتحت البلقان وأوربا الشرقية، وسيطرت على أكثر من ثلث مساحة العالم القديم؛ لكن وقوع هذه المنطقة بكاملها، تحت سيطرة الاستعمار الروسي، والاستعمار الصيني، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ونزاعهم الطويل عليها، أدى إلى تقسيمها وتجزئتها بينهما، فأصبح جزؤها الشرقي الذي احتلته الصين يعرف باسم تركستان الشرقية، وجزؤها الغربي الذي احتلته روسيا يعرف باسم تركستان الغربية.
وتشغل تركستان الشرقية وحدها مساحة شاسعة جداً تبلغ أكثر من (1,850,000) كم2، فهي بالتالي أكبر من مساحة إيران، وهي تمثل خُمس مساحة الصين الحالية تقريباً، وهي تعد في الوقت الحاضر أكبر أقاليم الصين، وأهمها لديها، خصوصاً من الناحية الاقتصادية، وتعرف رسمياً باسم سنكيانغ أو تشين جيانغ.
أما عدد سكانها المسلمين، فيتجاوز في الوقت الحاضر 20 مليون نسمة، بحسب التقديرات المعتدلة، غالبيتهم العظمى من أصول تركية وقازاقية وقرغيزية، في حين تروج إحصاءات السلطات الصينية الى أنهم أقل من هذا العدد بكثير.
ويعمل غالبية السكان في تركستان الشرقية، في الزراعة، ولديهم خبرة خاصة في زراعة القطن، كما تمتاز مناطقهم بصناعة السجاد والحرير، وغير ذلك.
وعاصمة تركستان الشرقية الحالية هي أورومتشي، أما عاصمتها التاريخية والثقافية فهي كاشغر، المدينة الشهيرة الواقعة في الجنوب قرب الحدود الصينية الغربية، وهي مدينة يعتنق معظم سكانها الإسلام، كسائر مدن تركستان الأخرى، إلا إنها الأشهر تاريخياً وثقافياً، وما زالت تحتشد فيها مئات المساجد التاريخية، التي تشرئب مآذنها في السماء، وهي مشهورة بمنسوجاتها الصوفية، ولعبت دوراً كبيراً ومتميزاً في تاريخ الحضارة الإسلامية.
وتزخر أراضي تركستان الشرقية في الوقت الحاضر، بالثروات المعدنية والطبيعية، إذ تحوي في باطنها أكثر من مائة وعشرين نوعاً من المعادن، ويوجد بها أكثر من خمسين منجماً من الذهب، وهناك النفط، والزنك، واليورانيوم، والحديد، والرصاص، كما أنها تمتلك من الفحم ما يعادل مئات الآلاف من الأطنان، كما أن هناك مخزناً طبيعياً للملح يكفي احتياجات العالم لمدة عشرة قرون مقبلة، بحسب إحصائيات أخيرة، هذا بالإضافة إلى الثروات الزراعية والحيوانية والرعوية، والمائية، حيث بلغت أنواع الحيوانات فيها 44 نوعاً، وبها العديد من الأنهار الكبيرة والصغيرة، وهي أرض حبيسة لا تطل على أي بحر، بل هي من أبعد الأماكن عن البحر.

انتشار الإسلام في تركستان
فتحت بلاد تركستان، كما هو معروف، في زمن الوليد بن عبد الملك (86 - 96هـ)، بقيادة القائد قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي تمكن في الفترة من (83 - 94هـ/ 702 - 712م) من فتح أهم أقاليم وحواضر تركستان، انطلاقاً من مرو عاصمة إقليم خراسان، ومن ثم نشر الإسلام بين أهلها، وتوج قتيبة انتصاراته الظافرة، بفتح مدينة كاشغر المهمة سنة 95هـ، وأوصل المد الإسلامي إلى تخوم الصين.
وعن طريق السرايا والدعوة السلمية وحركة التجارة انتشر الإسلام في المناطق الداخلية، و اعتناق الخاقان سوتوق بوغرا خان الإسلام سنة (322هـ/ 934م) وهو ما ادى الى دفع مسيرة المد الإسلامي هناك دفعة هائلة، فلم يتوقف الأمر على دخول الأتراك في دين الله أفواجاً، وإنما تجاوزوا ذلك إلى حمل لواء الدعوة الإسلامية إلى الصين والتبت، وإلى مناطق متعددة في آسيا.
كما عرف الناس اللغة العربية وصارت لغتهم، لأنها لغة القرآن الكريم، والسنة النبوية، ثم استخدموا حروفها فيما بعد في كتابة لغاتهم المحلية، كالأويغورية والقازاقية والقرغيزية، والتي تنتمي إلى اللغة التركية الأم.
ويمكن القول إن الإسلام في تركستان الشرقية، كما في تركستان الغربية، قد أسس حضارة إسلامية راقية، تمثلت في بناء العديد من المساجد في العديد من المدن والقرى، منها (300) مسجد في مدينة كاشغر وحدها، وأدت هذه المساجد جميعها دوراً متميزاً في نشر المفاهيم الإسلامية بين الناس هناك، ونشر مختلف العلوم الإسلامية، ورقي الحياة العقلية. 
وبرغم تعدد القوميات الإسلامية هناك إلا إنها انصهرت جميعاً في بوتقة الإسلام، عقيدة وشريعة وأسلوب حياة، باعتبار أن الإسلام هو قومية جميع المسلمين إن جاز هذا التعبير. ولذا لم تمض فترة طويلة حتى تحولت تركستان الشرقية، بل تركستان كلها، إلى بلاد إسلامية الطابع، وإلى مركز رئيس لنشر الإسلام، في آسيا، كما ظهر فيها جهابذة العلماء والفقهاء، الذين تركوا للمكتبة الإسلامية ذخيرة غنية من المؤلفات العظيمة، وأصبحت مدينة كاشغر قبلة لطلبة العلم المسلمين، من مختلف أنحاء العالم الإسلامي حتى غدت تعرف باسم بخارى الصغرى، وظلت تؤدي هذا الدور لقرون؛ في الوقت الذي كانت فيه الصين منعزلة عن العالم من حولها، وخصوصاً بعد هزيمتها من قبل المسلمين في معركة طلس أو طرس، في مطلع العصر العباسي، وكانت حركة التجارة في بحارها الجنوبية تحت سيطرة التجار المسلمين، كما كان معظم التجار بها من العرب والفرس والأتراك؛ وقد ظل المجتمع الإسلامي، في مختلف مدن تركستان الشرقية محافظاً على كيانه وهويته الإسلامية جيلاً بعد جيل، برغم تقلب الأحوال السياسية وذهاب دول وقيام أخرى، كما تشير إلى ذلك رحلة ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري، على سبيل المثال.
وقد ظلت تركستان الشرقية موضع نزاع بين روسيا والصين حتى تم اقتسامها بينهما، بعد صراع مرير بين الجانبين دام 200 سنة، فحصلت روسيا على تركستان الغربية، التي بدأت في احتلالها بشكل تدريجي بدءاً من عام 1865م، وضم هذا القسم الجمهوريات الإسلامية الخمس المذكورة آنفاً، بينما حصلت الصين على تركستان الشرقية.
احتلت الصين تركستان الشرقية للمرة الأولى عام 1760م، بالتعاون مع منشوريا، بعد معارك طاحنة بين المسلمين التركستانيين وطوفان الجيوش الصينية المنشورية التابعة لأسرة منجو، ونجم عن تلك الحرب استشهاد ومقتل مئات الآلاف من المسلمين، فضلاً عن الذين ذبحوا بأيدي القوات الصينية، لكن مع ذلك فإن المقاومة الإسلامية التركستانية للاحتلال الصيني لم تتوقف على مدى مائة عام، حتى نجح المسلمون في عام 1863م في طرد الغزاة المنشوريين والصينيين، ومن ثم تشكيل دولتهم المستقلة، لكن هذه الدولة لم تعمر طويلاً، فقد قامت الصين بإعادة احتلال تركستان بمساعدة بريطانيا عام 1876م، ثم لم تلبث حتى ضمتها إليها رسمياً عام 1881م، ثم قامت السلطات الصينية المحتلة بإعادة تقسيم هذه البلاد الإسلامية إلى عدة مناطق، وغيرت اسمها إلى تشين جيانغ، وتعني الأرض الجديدة، ومن ثم اعتبارها مقاطعة صينية، وذلك بموجب مرسوم إمبراطوري صدر بتاريخ 18 نوفمبر 1884م، كما قامت بتغيير أسماء العديد من المدن والقرى إلى أسماء صينية، مع محاولة طمس المعالم التاريخية الإسلامية والتركية، وإلغاء نظام البكوات الذي كان قائماً بها، وإغلاق المساجد والمدارس الإسلامية التقليدية.
ثم دشن الشيوعيون عهدهم حين وصلوا إلى السلطة عام 1949م بزعامة ماوتسي تنج بارتكاب مذابح رهيبة ضد المسلمين في الإقليم، وفتحوا الباب على مصراعيه لهجرة الصينيين إليه، وقاموا بإلغاء الملكية الفردية، وصودرت كل ثروات المسلمين بما في ذلك حلي النساء، وأعلن الشيوعيون رسمياً أن الإسلام خارج على القانون، وحظروا على المسلمين السفر خارج البلاد، كما منعوا دخول أي أجنبي إليهم، وألغوا المؤسسات الدينية، واتخذوا المساجد أندية لجنودهم، وجعلوا اللغة الصينية اللغة الرسمية، واستبدلوا التاريخ الإسلامي بتعاليم ماوتسي تونج، وأرغموا المسلمات على الزواج من الصينيين؛ وكان ضمن شعارات الثورة الثقافية: "ألغوا تعاليم القرآن"، وتم فرض سياسة التصيين الثقافي والتعليمي على المسلمين.
ولم تختلف هذه السياسة بعد وفاة ماوتسي تونج عام 1976م، ومن ثم انفتاح الصين على العالم الخارجي، بل استمرت على المنوال نفسه، ثم إنه بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق راحت السلطات الصينية تشدد قبضتها الحديدية عليها، خوفاً من تطلع شعبها المسلم للاستقلال تأثراً بالمتغيرات الجديدة الجارية حولها، ثم اشتدت وطأتها عليها أكثر فأكثر بعد هجمات 11 سبتمبر 2001م، وانتشار ظاهرة العداء للإسلام، واقترانه باسم الإرهاب وبكل صفة بشعة تسوغ السحق والسحل والتنكيل والتغييب والاغتيال للفرد والجماعة.
ونتيجة لكل ذلك، ولاستمرار تدفق ملايين الصينيين للاستيطان في الإقليم بصورة منتظمة، وخصوصاً منذ مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي، ولاسيما بعد تزايد أهمية الإقليم الاقتصادية، بالنسبة للصين في العقود الأخيرة، ولتزايد هجرات المسلمين من الإقليم، فراراً من الاضطهاد الصيني المنظم، ولسياسة تحديد النسل المفروضة عليهم بشكل صارم، فقد بدأت سياسات التذويب الصينية لمسلمي تركستان الشرقية تؤتي أكلها، فالمسلمون في طريقهم لأن يصبحوا أقلية في بلادهم، وصار الكيان الإسلامي مهدداً تهديداً حقيقياً، بالذوبان في الكيان الصيني، ولنتذكر أننا نتحدث عن 20 مليون مسلم في مقابل مليار ونصف المليار من الصينيين، وهذا بعد أن كانت هذه البلاد بلاداً إسلامية خالصة بنسية 100% قبل أقل من مائة عام.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م