14 محرم 1447 هـ   10 تموز 2025 مـ 6:54 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | لماذا؟ |  لماذا يفعل الإنسان ما يعلم أنه خطأ؟
2025-06-22   88

لماذا يفعل الإنسان ما يعلم أنه خطأ؟


الشيخ مقداد الربيعي
ببراءة يسأل أحد أولادي: إن كان الإنسان يعلم بأن الفعل الفلاني حرام فلماذا يفعله؟ سؤال بسيط بخلاف جوابه. فإن العقل الساذج والبسيط يتصور بأن أفعال الإنسان تتبع علمه. وهذا وهم. 
تخبرنا النصوص الدينية من قرآن وسنة بأن الله سبحانه خلق في كل إنسان قوة يدرك بها الخير والشر، وتدعوه لفعل الخير واجتناب الشر، وبها يقوى على زجر دواعي الشهوة والغضب والوساوس الشيطانية. فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: «قلت له ما العقل؟ قال: ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان. فقال السائل: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك النكراء! تلك الشيطنة، وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل». الكافي، كتاب العقل والجهل، حديث رقم 3.
فالعقل قوة تعين الإنسان على طاعة ربه، وأما إذا غلب على قوة إدراكه جنود الجهل والشيطان فحينئذ تسمى بالنكراء او الشيطنة ولا تسمى عقلاً. لذا روي عن الإمام الرضا عليه السلام بحديث موثق: «صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله». المصدر نفسه حديث 4.
وهذه القوة لا توجد في الأشخاص بمستوى واحد، بل لها مراتب متفاوتة، فتوجد بحسب استعداد الإنسان وتشتد بحسب عمله وتقواه، وأقل درجاتها هي مناط التكليف الشرعي وبها يتميز الشخص عن المجانين. فعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه ثابت بلا ريب، قال: «إنما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا». المصدر نفسه حديث رقم 7. 
فقد توجد بمراتبها الضعيفة عند من كان علمه بالمعارف الدينية وأصول الدين ضعيفاً، او كان اعتقاده بها تقليداً لآبائه او المجتمع، وهؤلاء لضعف قوة العقل فيهم تجدهم لا يعملون بما يعلمون. وقد تشتد وتقوى قوة العقل لتعصم صاحبها من كافة الشرور والمعاصي. 
وكما نبهنا أن سر تكامل واشتداد هذه القوة هو العمل بما علم الإنسان من خيرية الأفعال وشريتها، فيأتي بالفعل إن علم بكونه خيراً، ويجتنب الفعل إن علم بشريته، قال تعالى: (.. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، البقرة: 282.
وهذا الاشتداد والتكامل يكون في جانبين، الأول في جانب العلم، كما هو صريح الآية الكريمة المتقدمة، فالتقوى ـ وهي عبارة أخرى عن العمل وفق أوامر العقل بفعل الخيرات واجتناب الشرور ـ سبب في زيادة علم الإنسان وهدايته لمعرفة المزيد من الخيرات والشرور التي تخفى عادة عن عوام الناس. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). الأنفال: 29. فلاحظ قوله تعالى أن التقوى سبب في جعل الله في الإنسان قوة يفرق بها بين الخير والشر.
والثاني: في زيادة قوة الردع والزجر النفسية، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ). الأعراف: 201.
ومن صور الزجر عن المعصية، الرزق، لألا تلجئ الحاجة المؤمن لعصيان ربه، قال تعالى: (..وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..). الطلاق 2 ـ 3. وقوله تعالى ايضاً: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا). الطلاق: 4. وكذا من آثار التقوى مغفرة الذنوب، وحجب آثارها على المؤمن وهو نوع معونة وعصمة له، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا). الطلاق: 5.
هذا الإجمال تجده صريحاً في روايات الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، فبسند صحيح عن الإمام ابي جعفر الباقر عليه السلام: «قال: لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: أقبل فأقبل. ثم قال له: أدبر فأدبر. ثم قال له: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أحب اليَّ منك، ولا أكملتك إلا فيمن أحب، أما اني إياك آمر، زإياك أنهى، وأياك أُعاقب، وأياك أُثيب». الكافي، كتاب العقل والجهل، حديث رقم 1.
 فالحديث واضح في أن العقل مخلوق مجعول في الإنسان، وهو 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م