19 جمادي الاول 1446 هـ   21 تشرين الثاني 2024 مـ 11:02 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | كتاب المسلمين المقدس (القرآن الكريم) |  سلسلة مفاهيم قرآنية.. المساواة بين الرجل والمرأة
2024-09-12   220

سلسلة مفاهيم قرآنية.. المساواة بين الرجل والمرأة

 
الشيخ مقداد الربيعي: لقد كانت مسيرة التشريعات الخاصة بحقوق المرأة رحلة طويلة ومعقدة، تتأرجح بين محطات الاضطهاد والتهميش وبين لحظات الاعتراف والتمكين. وعند استقراء تاريخ البشرية، نجد أن حقوق المرأة كانت غالبًا ما تُسلب وتُهمّش في أغلب المجتمعات، إلى أن وصلت إلى ذروة الإشراق والتكامل تحت مظلة التشريعات الدينية.

غير أن بعض من انساق وراء ضجيج كُتّاب الغرب، الذين يحصرون العالم في حدود الفضاء الغربي، ويعتبرون أن الإنسان الغربي هو الأجدر بحمل مشعل الإنسانية دون سواه، بدأوا يُلقون باللائمة على القوانين الدينية، زاعمين أنها السبب في تخلف المجتمع. وبدأنا نسمع أن الأحكام الدينية أصبحت قديمة وبعيدة عن التطبيق في عالمنا المعاصر، وأن ما نحتاج إليه هو قوانين "العالم المتمدن" (الغربي)، مع التركيز على القوانين والتشريعات المتعلقة بحقوق المرأة.

في هذه المقالة، سنسعى إلى البحث في صدق هذه الادعاءات. وأول ما يجب التنويه إليه هو أن تقييم أي قانون ينبغي أن يكون في سياق زمانه ومكانه، مقارنًا بما سبقه أو عاصره، وليس بمقاييس قوانين وُضعت بعد آلاف السنين.

يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر لويس ميشيل بلان في كتابه "الكتاب الأسود للإلحاد: «دعونا نلاحظ أنه من منظور تاريخي، كانت الديانات التوحيدية الكبرى خطوة أساسية في تحرير المرأة وفي طريقها نحو المساواة. لكن قد يؤدي بعض الحماس الفكري غير المدروس إلى دفع بعض الأكاديميين، في التحليل التاريخي، إلى مقارنة نصوص النضالات النسوية المعاصرة ببعض النصوص التي يعود تاريخها أحيانًا إلى آلاف السنين، ليستنتجوا أن التقاليد الدينية الكبرى تتحمل مسؤولية التقليل من دور المرأة على مر التاريخ.

إلا أن النهج الأكاديمي الصارم والصحيح، لتجنب الوقوع في الخلط المفرط والتناقض الزمني، هو مقارنة النصوص الدينية في ذلك الوقت بالنصوص "غير الدينية" من نفس الحقبة. على سبيل المثال، مقارنة وضع المرأة في اليهودية القديمة بنفس الوضع في المجتمعات القديمة الأخرى، ووضع المرأة في المجتمعات المسيحية الأولى بالوضع الذي كان سائدًا في الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت، أو وضع المرأة في الإسلام بوضعها في عصر ما قبل الإسلام في نفس المنطقة الجغرافية».

السبب في ذلك أن القوانين وليدة مجموعة عناصر اجتماعية وبيئية، وهي تتحول بتحولها، وتخضع لقانون التكامل الذي يسري في الطبيعة. يقول في ذلك الفقيه والفيلسوف الإسلامي السيد محمد حسين الطباطبائي: «وإذا أردنا أن نحلل القوانين والعادات السائدة في كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية، نجد أنها تنبع من العوامل والشروط الطبيعية من قبيل مقتضيات البيئة والجغرافية (الماء، الهواء، المنطقة، المحيط)  والخلفيات المسبقة التي تتحكم بحياة المجتمع، بحيث يمكن النظر الى النظام الاجتماعي بوصفه ـ على نحو من الانحاء ـ مولوداً طبيعياً تمخضت عنه العناصر المشار اليها قبل لحظة، وهو بهذا الوصف يخضع لقانون التحول والتكامل الذي يسري في الطبيعة.

ومن الواضح أن قانون التحول والتكامل الذي تتجسد واحدة من تجلياته في نظام المقررات الاجتماعية يؤثر في جميع عناصر النظام دون استثناء، بما فيها تلك الضوابط والتقاليد التي تتحكم بموقع المرأة وحياتها». مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي، ج2، ص10.

ويؤكد العلامة الطباطبائي نظريته في اعتبار ان تغير الشرائع السماوية أيضاً خاضع  لهذه العناصر الطبيعية في تفسير قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، المائدة: 48. فقوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، واختلاف الشرائع بين الأمم معلول ونتيجة لقوله (وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)، أي أنه تعالى جعل الشرائع متعددة ولم يجعلها شريعة واحدة، والسبب في ذلك اختلاف النعم التي وهبها الله تعالى لعباده، أي السبب هو تغاير العناصر البيئية والاجتماعية. فيقول: «فقوله: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) من قبيل وضع علة الشرط موضع الشرط ليتضح باستحضارها معنى الجزاء أعني قوله: (ولكن ليبلوكم فيما آتاكم) أي ليمتحنكم فيما أعطاكم وأنعم عليكم، ولا محالة هذه العطايا المشار إليها في الآية مختلفة في الأمم، وليست هي الاختلافات بحسب المساكن والألسنة والألوان فان الله لم يشرع شريعتين أو أكثر في زمان واحد قط بل هي الاختلافات بحسب مرور الزمان، وارتقاء الانسان في مدارج الاستعداد والتهيؤ». الميزان، ج5، ص352.

وبخصوص التشريعات الخاصة بالمرأة يقول: «من هذه الزاوية بالذات ننظر الى تطور الرؤية الى المرأة ـ في المجتمعات البشرية ـ عبر خضوع النظم والأعراف المحددة لمكانتها الى قانون التحول والتكامل الذي يسري في الحياة الإنسانية ويطوي أشواطها نحو الرشد والتكامل، وإن كان ذلك التطور قد حصل بالنسبة لقضية المرأة بمنتهى البطء». مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي، ج2، ص10.

فالقوانين والتشريعات الخاصة بالمرأة تخضع بدورها لهذه العناصر، ولقانون التكامل الإنساني، فقد مرت بعدة مراحل، يمكن ذكر المهم منها:

البدايات: مراحل التهميش والإهمال

لم تكن المرأة عند الشعوب البدائية معدودة من البشر، لذا كان يجري التعامل معها كسائر الحيوانات، فله أن يستفيد من خدماتها، كيفما شاء، حتى من شعرها ولحمها ايضاً، خصوصاً في أوقات المجاعة.

لم تُعتبر كائنًا ذو حقوق مستقلة، بل كانت تُعامَل كجزء من ممتلكات الرجل أو الأسرة. لم تكن للمرأة حقوق مادية أو معنوية تُذكر، وكانت تخضع لقوانين وأعراف تقيدها وتحد من حريتها. لم يكن لها الحق في الميراث أو التعليم، وكانت تخضع لسلطة الرجل في كل جوانب حياتها. هذه القوانين العرفية والشرائع الدينية والاجتماعية لم تعترف بإنسانية المرأة بشكل كامل.

التحول التدريجي: بداية الوعي الحقوقي

تبدأ هذه المرحلة مع بدايات تشكيل الدول التي تحكمها أنظمة مدنية، فظهرت لها بعض الحقوق في شرائع حمورابي وبابل وقوانين اليونان والروم القديمة وكذا في قوانين مصر وايران والصين، وكان الجامع بين هذه الشرائع والقوانين هو النظر الى المرأة كما ننظر الى الطفل في عصرنا، فهي تمتلك حقوقاً، لكنها كائن ضعيف لا يستطيع تدبير أموره، وبناء على هذا التصور كانت المرأة تابعة للرجل منقادة له، لا تمتلك حق الاختيار في الحياة والعمل، فالمرأة لا تستقل بالعمل ولا تمتلك أجرة أتعابها وأعمالها، وليس لها أن تشهد أو تترافع في المحاكم، كما لا يعترف لها بحقوق كالميراث او حقوق عائلية.

كما أنهم أجازوا في أيران القديمة الزواج من المحارم، وفي الصين ينسب الطفل لأمه؛ لعدم معرفة أبيه الحقيقي، لاجتماع أكثر من رجل على امرأة واحدة، وكان للرجل الحق معاقبة المرأة حتى لو بلغ حد القتل.

وإذا كان هذا هو حال المرأة في ظل الشرائع والقوانين التي سادت الأمم القديمة، فإن حالها لم يصل الى مرتبة الرجل في المكانة الاجتماعية والدينية في إطار شرائع اليهود والنصارى، فالتوراة والانجيل التي بين أيدينا لم تبلغ بالمرأة الى أكثر من الحال الذي كانت عليه في ظل التشريعات القديمة آنفة الذكر، نعم نجد في طياتها نصوصاً توصي بالرفق بالمرأة ومداراتها، إلا أنها لا ترفع المرأة لمصاف الرجل في الرتبة الاجتماعية.

التشريعات الإسلامية: نقطة التحول الكبرى

انطلق الإسلام في تشريعاته من مبدأ مساواة المرأة للرجل في كافة الحقوق، قال تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)، آل عمران: 195، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، الحجرات: 13.

وفق هذا الأصل نظر الشرع الإسلامي الى المرأة نظير نظرته الى الرجل، فكلاهما جزء كامل للمجتمع الإنساني، تتساوى وإياه في إيجاد البنية الاجتماعية، وعلى هذا ساوت القوانين الإسلامية بينهما في منح الرجل والمرأة حقاً متعادلاً في حرية الإرادة والعمل.

لكن لا ينبغي التوهم أن تساويهما في ذلك لا يقتضي تساويهما في المزايا التي يقرها القانون، وإنما المقصود من المساواة هو تساويهما أمام القانون، فتُطبق أحكام العدالة على الرجل والمرأة على حدٍ سواء، وأما المزايا فالذي يقررها هو الوزن الاجتماعي للإنسان رجلاً كان أو امرأة، وهذه نقطة أساسية في التشريع، فكما أن أفراد الرجال يختلفون في امتيازاتهم بناء على وزنهم الاجتماعي، فالأستاذ العالم لا يتساوى مع الجاهل او بسيط التعليم، فالقانون الاجتماعي فضلاً عن الشرعي يقدم الأول على الثاني، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، الزمر: 9، كذلك تختلف المزايا المقدمة للرجل او للمرأة على قدر وزنهما الاجتماعي.

فما هو الحق أن المساواة هي المساواة في تطبيق القوانين، أما الحقوق والامتيازات فهي تابعة للوزن الاجتماعي للفرد في مجتمعه، ومقدار الدور الذي يلعبه فيه، فثمة فوارق تتبدى بين العالم والجاهل، والحاكم والمحكوم، والصغير والكبير، وهكذا. فمراعاة هذه الفوارق أساسي في ديمومة وبقاء المجتمع، وهي مقتضى العدالة الاجتماعية.

تأسيساً على ما مضى علينا أن نفرق بين أمرين: بين مساواة أفراد المجتمع أمام القانون من دون تمييزهم بحسب الجنس أو العرق أو غير ذلك، وبين امتيازاتهم وحقوقهم، والتي تتبع أهمية الفرد وحجم تأثيره في المجتمع.

وإذا اسقطنا ذلك على وقعنا لا تجد التشريعات الإسلامية تمايز بين الرجل والمرأة في المزايا والحقوق التي يؤديها الجنسان، فللمرأة حق مساوٍ في أجور العمل، فلا تجد أجرة الطبيب تفوق أجرة الطبيبة مثلا، كما أنهما يتساويان في حقوقهما في الترافع أمام المحاكم ونحو ذلك.

وما نجده من تمايزات في بعض المزايا تابع لكون الرجل غالباً ما يكون وزنه الاجتماعي في ذلك أكبر، لا لتفضيل جنسه على جنس المرأة، فإن كان بعض أصناف الإرث تميل فيه كفة الرجال وهو خصوص أرث الأبناء الذكور على البنات، فلكون مهمة إعالة العائلة منوطة بالرجال غالباً، لا بسبب الجنس، وإلا لما قدم المرأة على الرجل في حالات أخرى، كتقديم البنت على الأخ، فليس للأخ أن يرث أخاه إن كان للميت بنت.

أو حضانة الأطفال بعد الطلاق إن تجاوزا السنين الأولى من عمرهم؛ لكون الأب هو الأقدر على ضبط سلوك الأبناء من الأم غالباً.. وهكذا.

أما الحالات الاستثنائية من الموارد المذكورة فقد أعطى المشرع الإسلامي الصلاحية للقضاء في تقديرها، فللقاضي تقديم حضانة الأم على الأب في حالة فقدان الأب الأهلية لذلك، فالمدار هو مصلحة الأطفال.

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م