19 جمادي الاول 1446 هـ   21 تشرين الثاني 2024 مـ 8:54 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | العدل |  مشكلة الشرور: ما الغاية الإلهية من «الكوارث الإنسانية» في العالم؟
2024-04-27   643

مشكلة الشرور: ما الغاية الإلهية من «الكوارث الإنسانية» في العالم؟

في استفتاء أمريكي، طرح هذا السؤال: لو أُتِيحَ لك أن تسأل الله سؤالًا واحدًا تعلم أنه سيجيبك عنه، فماذا سيكون السؤال؟ كان السؤال الذي حصل على أعلى نسبة في التصويت هو: (لماذا هناك ألم ومعاناة في هذا العالم؟).

هذا السؤال الذي وجد الملاحدة فيه طوق نجاة، وحجة تسوغ لهم إلحادهم منذ القدم، منذ زمن الفيلسوف اليوناني أبيقراط الذي تنسب له هذه الشبهة، وفي سياق الفلسفة الدينية، تبرز إشكالية الشر كواحدة من أعقد القضايا التي تواجه الفكر الإنساني، وخاصة فيما يتعلق بفهم العلاقة بين الإيمان بالله العليم القدير ووجود الشر في العالم. يتساءل الكثيرون: كيف يمكن لله الرحيم والعادل أن يسمح بوجود الشر والمعاناة؟
ولكن، ما هو الشر؟
الخير والحسن في القرآن يراد منه كل ما يتناسب مع الهدف والغاية المطلوبة منه، فكل ما يحقق الغاية من وجوده فهو خير، كالعين إذا كانت بحالة يتحقق الغرض منها وهو الرؤية كانت أمراً جميلاً وحسناً او قل (خيراً)، وإن كانت بحال لا يحقق الغرض كما لو كانت مصابة بالعمى فهو قبح وشر، وإن كان الفعل محققاً للغاية والغرض التي من أجلها أتى به الفاعل فهو حسن وخير، وبعكسه يكون سيئاً وشراً بالنسبة اليه. هذا معنى الخير والشر في القرآن الكريم.
 وأما معنى الخير والشر عند الإنسان، فكل شيء يخالف آماله وأمانيه فهو شر، وما يوافقها خير. 
وعلى هذا الأساس فإن كل ما يفعله الله تبارك وتعالى ويخلقه فهو خير وحسن، لأنه يحقق الغاية والهدف المراد من خلقه قطعاً، وهل يمكن ألا يتحقق غرض الله تبارك وتعالى، وهل هناك ما يعجزه عن الوصول لغايته ومراده، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)، الأنعام: 18، وايضاً يقول: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)، فاطر: 44 فهو تعالى لا يقهره شيء ولا يعجزه شيء فيما يريده من خلقه ويشاؤه في عباده.
فالظواهر الطبيعية كالزلازل والفيضانات وأنواع الشرور الأخرى، مخلوقة لغاية معينة، وقد حققت هذه الغاية فتكون خيراً، لأن كل ما يحقق غايته والهدف منه فهو خير كما تقدم، وإن كان شراً بالقياس الى الإنسان لأنه يخالف رغباته وأمانيه ويحقق له الضرر.
ولكن، ما هي هذه الغايات الإلهية التي يتوقف تحققها على حصول كوارث إنسانية؟
إنها ببساطة تحقيق وإيجاد ما يختاره البشر، فتعلق غرض الله تبارك وتعالى بتحقيق إرادة واختيار الإنسان، وقد صرح القرآن الكريم بذلك في عدة آيات منها: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)، الأسراء: 20.
فيقرر القرآن الكريم أنه تعالى أخذ على نفسه أن يوصل الإنسان الى خياراته سواء اختار الدنيا او اختار الاخرة، فقال كلا نمد هؤلاء وهؤلاء، أي أصحاب الدنيا وأصحاب الآخرة، وما كان عطاء ربك محظوراً، أي لا يمنع أحداً من حق إيصاله الى اختياره.
ومن هنا تأتي مشكلة الشر، فقد يختار الانسان او المجتمع سلوك طريق يؤدي الى فساد البر والبحر، كما في قوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، الروم: 41، بسبب أطماعهم ورغبتهم في الاستحواذ على ميزات هذه الحياة ولو على حساب الأضرار بالطبيعة والمناخ أو حقوق الآخرين، كما هو الحاصل في هذه الأزمنة المتأخرة، فترجع جريرة هذه الذنوب للناس لا لله سبحانه، فالذي قرر وأراد الافراط في استثمار الطاقة، بنحو لم يراع المناخ ليس له لوم الإله إذا ظهرت آثار ذلك على المناخ.
وبحسب هذا الإطار نفهم الروايات التي نسبت التغييرات الكونية لله سبحانه وتعالى بسبب الذنوب، مثل ما روى سدير قال: سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عزوجل: (قالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم..الآية )، فقال: «هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهاراً جارية وأموالاً ظاهرة فكفروا نعم الله عزوجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله فغير الله ما بهم من نعمة.
وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فأرسل الله عليهم سيل العرم فغرق قراهم وخرب ديارهم وأذهب أموالهم، وأبدلهم مكان جناتهم جنتين ذواتي أُكل خمط وأثل، وشيء من سدر قليل، ثم قال: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور)». الكافي، ج2، ص274.
وما روي عن الصادق عليه السلام قال: «إن الله عزوجل بعث نبيا من أنبيائه إلى قومه وأوحى إليه أن قل لقومك: إنه ليس من أهل قرية ولا أناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سراء فتحولوا عما أحب إلى ما أكره إلا تحولت لهم عما يحبون إلى ما يكرهون، وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء فتحولوا عما أكره إلى ما أحب إلا تحولت لهم عما يكرهون إلى ما يحبون، وقل لهم: إن رحمتي سبقت غضبي فلا تقنطوا من رحمتي فإنه لا يتعاظم عندي ذنب أغفره وقل لهم: لا يتعرضوا معاندين لسخطي ولا يستخفوا بأوليائي فإن لي سطوات عند غضبي، لا يقوم لها شيء من خلقي». نفس المصدر.
فالمراد من هذه الروايات أن الذنوب والمعاصي هي أفعال نهى الله تعالى عنها لاشتمالها على مفاسد عظيمة، توقعه في متاعب وآلام، لم يرد للإنسان التعرض لها، لكن الإنسان أبى واستكبر، فترتبت نتائج ذلك، وظهر الفساد في البر والبحر، فما ذنب الإله حينئذ؟!
وعليه فقد يتحمل الإنسان ذنب المجتمع الذي يعيش فيه، من دون ان يكون لك ذنب معهم، فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصيب في غزوة أحد في وجهه وثناياه، وأصيب المسلمون بما أصيبوا، وهو صلى الله عليه وآله وسلم نبي معصوم، لا ذنب له.
والخلاصة أن جانباً كبيراً من الظواهر الكونية والشرور يرجع سببها لاختيارات الانسان الخاطئة، وإنما استثنينا بعض ما نراه شراً، كونه يخفي خلفه منافع كثيرة يجهلها الناس، فقد يقدر تعالى صالحاً للعبد، لكن يخفى وجه ذلك على الناس، كما في قصة موسى والخضر عليهما السلام التي قصها القرآن الكريم، فنجد أن وراء أفعال العبد الصالح ـ التي هي بحسب الظاهر شراً ـ خيراً ومصالحاً كبيرة، فخرق السفينة شرٌ ظاهر، لكن لولا ذلك لأخذها الملك من الفقراء غصباً، فسفينة معيوبة قابلة للإصلاح خير من عدمها، وقتل الغلام، الذي آلم أبويه، هو في الحقيقة رحمة بهم، لعلم الله تبارك وتعالى بأنه سيرهقهما بكفره وطغيانه، فأراد ربك أن يستبدله بولد صالح يعينهما.
والنتيجة، أن ما نراه شراً، فهو نتيجة أخطاء البشر بسبب الجشع، او أنه ـ الشر ـ يخفي وراءه خيراً كثيراً، يخفى وجهه على عامة الناس. 
الشيخ مقداد الربيعي – باحث وأستاذ في الحوزة العلمية

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م