| العلاقة مع النفس (الرياضة النفسية) (الصوم) | ما وراء الصوم
2021-05-04 1517
ما وراء الصوم
تنبثق العبادات في الدين الإسلام من
اسس عقلائية غائية، تكمن خلفها مساحات واسعة من المنطق، وتؤسس هي
الأخرى للغايات أخرى، والأمر كذلك، أشبه ما يكون بسلسلة منطقية من
الأسباب والمسببات التي تفضي جميعها الى تنظيم حياة الفرد والمجموع،
ومن ذلك تشريع الصوم،
فالصوم يستبطن فسلفة عميقة؛ تندرج تحتها مبانٍ كثيرة، تشي بأن وراء مشرعه حكمة لا متناهية، خصوصا وإنها ـ فلسفة الصوم ـ تتحرك وفقا لاتجاهات ومحركات عدة، سنُبينها لاحقا، بالاستناد الى ما أُثر عن النبي الأكرم وآل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام أجمعين من آثار قولة وفعلية.
فعن الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام، عن إبائه عن الإمام علي عليه السلام عن رسول الله صلوات الله عليه وآله؛ أنه قال: "أيها الناس انه قد اقبل عليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعائكم فيه مستجاب، فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفكم لصيامه وتلاوة كتابه".
وما وصف النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله لهذا الشهر الفضيل بأنه شهر البركة والرحمة والمغفرة إلا تبيانا لفضائله، خصوصا وأنه صلوات الله عليه وآله يعده من أفضل الشهور وأن أيامه من أفضل الأيام، ما يجعل منه شهر القبول، وهو ما بينه عليه الصلاة والسلام بالقول: "فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه".
ومما لا شكل فيه ولا ريب؛ بأن للصيام أثار كبيرة على الصائم ـ بشكل فردي أو مجتمعي ـ ومن ذلك ما يلي:
ـ الجنبة التشريعية
ـ الجنبة العلمية والصحية
ـ الجنبة التربوية والتهذيبية
الجنبة التشريعية لشهر رمضان المبارك..
مما لا شك فيه بأن الصوم من أوجب ما وجبه الإسلام على معتنقيه، بل وأنه من الدعائم التي بني عليها، لما له من أثر كبير في تهـذيب النفوس وارجاعها إلى الله تبارك وتعالى، وهو ما دفع علماء الإسلام الى منح هذه الجنبة ما تستحقه من تعمق بحثي سيما في الجانب التشريعي منه، بل وأنهم اهتموا اشد الاهتمام بع وبذلوا قصارى جهودهم، تنظيما منهم للأحكام التشريعية التي تبرء ذمة المكلف أمام بارئه جل وعلا، ومن ذلك ما يلي:
ـ اقسام الصوم:
يقسم الفقهاء الصوم إلى أربعة أقسام، هي:
أولا: الصوم الواجب: ومنه صيام شهر رمضان وصيام النذر وغير ذلك.
ثانيا: الصوم المستحب: وفيه موارد كثيرة كصوم أول الشهر ومنتصفه وأخره، والليالي البيض، صوم شهر شعبان ورجب.
ثالثا: الصوم المحرم: ومنه صيام يوم عيد الفطر ويوم النحر.
رابعا: الصوم المكروه: ومنه صيام يوم العاشر من المحرم، لأن بني أمية كانوا يروجون لهذا اليوم شماتة منهم بآل النبي صلوات الله عليهم أجمعين.
ـ الأفعال التي تبطل الصوم وهي أمور:
بيم الفقهاء بأن ثمة أفعال تبطل صوم الصائم اذا ما فعلها، من ذلك:
الأول: الأكل؛ ويشترط فيه صدق الأكل عمدا ً، ولا فرق بين القليل والكثير.
الثاني: الشرب، ويشترط فيه صدق الشرب عمدا ً، ولا فرق بين القليل والكثير.
الثالث: الجماع؛ ويشترط فيه إدخال مقدار الحشفة ولو من دون إنزال، ولا فرق فـــــي مفطرية الجماع بين الفاعل والمفعول به.
الرابع: الكذب على الله تعالى أو على نبينا محمد صلوات الله عليه وآله، وعلى الأئمة عليهم السلام، سواء كان في أمر ديني أو دنيوي.
الخامس: تعمد البقاء على الجنابة حتى مطلع الفجر في صوم شهر رمضان وقضاءه، بل في كل صوم واجب.
السادس: خروج المني بقصد الاستمتاع بفعل ما يثير الشهوة الاستمناء.
السابع: الاحتقان بالمائع، فانه يبطل الصوم بخلاف التحميل بالجامد فانه ليس مفطرا.
الثامن: تعمد القيء، وان كان مضطرا إليه لمرض ونحوه.
التاسع: الاختلال بالنية.
ـ على من يجب الصوم:
يجب الصوم على من تتوفر فيه الشروط التالية:
أولا: البلوغ فلا يجب الصوم على الطفل.
ثانيا: العقل فلا يجب على المجنون.
ثالثا: الحضر فلا يجب على المسافر.
رابعا: أن لا يكون مغمي عليه.
خامسا: أن يكون سالما من الأمراض التي يضر فيها الصوم.
سادسا: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للمرآة.
الجنبة العلمية والصحية لشهر رمضان المبارك..
اهتم العلماء بدراسة الخصائص الفسيولوجية والتأثيرات العلاجية للصوم؛ واجري العديد من التجارب والدراسات الطبية في هذا الشأن؛ وقد أتضح أن التفاعلات الكيميائية والبيولوجية التي تحدث داخل الجسم البشري أثناء الصوم تبدأ أول الأمر في الشعور بالجوع، ويحدث أحيانا لبعـض الناس نوعا ً من التهيجات أو التوترات العصبية، بالإضافة إلى ذلك يحدث أحيانا عدة تغيرات خفيفة أخرى، من أهمها إن سكر الكبد يتحرك ومعه أيضا الدهن المخزون تحت الجلد؛ أي يبدأ الصوم باستهلاك المخزون من المواد الغذائية بالجسم؛ وعندما ينتهي ذلك المخزون تبدأ خلايا البروتينات المكونة لأعضاء الجسم وأولها الكبد والعضلات بالتحرك والتخلخل لتضحي جميع أجزاء الجسم نصيبها الخاص حسب نوعها للإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلـب.
وفي هذا الصدد سوف نمر على بعض شهادات الأطباء والعلماء:
ورد في كتاب "الجوع من أجل الصحة" للبروفسور نيكولايف بيلوي بأن كل مواطن في المدن الكبرى يحتاج للتمتع بالصحة، يستلزم ذلك منه ممارسة الجوع التام – الصوم – وذلك من خلال الامتناع الكامل عن الطعام لمدة 3 – 4 أسابيع – بصفة دورية سنويا بغية تخليص جسمه من النفايات والسموم.
وقد قال الدكتور بندكت ـ وهو طبيب امريكي رائد في الطب الطبيعي في أمريكا ـ : "يخطئ من يعتقد أن الإنسان لا يتغذى إذا امتنع عن الطعام، فالحقيقة هي ان الجسم البشري يظل يأكل رغم الصوم وأول ما ياكله هو هذه المواد الدهنية الموجودة بكثرة في جميع الأجسام وتهبط كمية الدهن الموجودة حول القلب والأجزاء الأخرى، فضلا عما يعطيه ذلك من فرصة للجسم وجميع أنسجته وخلاياه للتخلص مما تجمع حولها من النفايات والمواد الضارة والتوكسينات التي تتولد في الجسم بعمليات الهضم والتمثيل والعمليات الأخرى التي تجري بداخله، كما إن الصوم يعطي الأنسجة والأعضاء المصابة بشيء من التقيح أو الاحتقان أو الالتهاب مجالا للشفاء.
كما تشير الدراسات الحديثة إلى إن أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان أثناء الصوم هي الأعضاء المصابة في الأمراض، وخاصة المحتقنة والمتقيحة والملتهبة! وهنا يعتبر الصوم أول من يزيل الخلايا التالفة والأورام والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية والأورام الليفية، وقد تأكد الأطباء من ذلك؛ خلال نتائج الأشعة التشخيصية، حيث وجدوا بأن جميع هذه الزوائد يصغر حجمها أثناء فترة الصوم .
من جهته، فقد بين الدكتور حامد البدري بأن: "إذا ما أستمر الإنسان طوال السنة لا يريح معدته ولا يعطيها إجازة اعتيادية تستريح فيها، اضطرت المعدة أن تطلب إجازة عن طريق المرض" ، وذلك لأن المعدة اشبه بالماكنة التي تعمل على الوقود، فكلما اعطي لهذه المكنة وقودا كلما استهلكت قطعتها، فكذلك المعدة وقودها الطعام فلابد من ان تستريح لفترة معينة.
أما الدكتور فاك فادون ـ وهو من الأطباء العالمين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره ـ فيقول: "إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وان لم يكن مريضا، لان سموم الأغذية والأدوية، تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بها من قبل.
ومن هنا يعتبر الصيام القاعدة الطبية الأولى التي لا يمكن أن يشك أحدا بضرورتها، فقد استعان بها الأطباء منذ القدم والى يومنا هذا، وهذا ما أشار إليه الفيلسوف الكبير ابقراط بقوله: استدامة الصحة تكون بترك التكاسل عن التعب وترك امتلاء المعدة بالطعام" .
وكل ما ذُكر أعلاه، على الصعيد الصحي والطبي والعلمي، فأن عين ما ورد عن النبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله بقوله: "صوموا تصحوا".
ـ الجنبة التربوية والتهذيبية لشهر رمضان المبارك..
الصوم مدرسة تهذيبية كبرى، ودروسها مما يستفاد منها مباشرة، فالصائم يتعلم من مدرسة الصوم الصبر والإرادة ومجاهدة النفس ومكافحة الهوى، كما يُعلم أيضا الشعور الآخرين سيما المعوزين، خلقا منه للبيئة التكافلية بما يجعل الناس على قدر المسؤولية تجاه من هو اضعف منهم.
وقد ورد عن جعفر الطيار ذو الجناحين عليه السلام؛ عندما وقع صريعا في معركة مؤتة، وقد جاءه عبد الله بن رواحة بكأس من ماء، لكنه امتنع عن أخذه، قائلا له: "إني صائم فضعه عند راسي فإذا بقيت حيا حتى الغروب أفطرت وألا لقيت ربي صائما".
الملفت للانتباه ليس بقاء جعفر الطيار صائما إلى أن لقي ربه ولكن أصر على صومه مع وجود الماء بقربه وجراحاته تنزف دما عبيطا إلى أن اسلم إلى ربه وروحه مطمئنة.
كما روي عن الإمام السجاد عليه السلام قوله: "لقد رأيت عمتي زينب في طريق السبا في بعض المنازل تصلي من جلوس فسألتها عن ذلك، فقالت: ـ اصلي من جلوس من شدة الجوع الذي الم بي منذ ثلاث ليالي، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة، فكانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال".
وهو عين ما كان ينتهجه بيت أبيها امير المؤمنين وأمها الزهراء عليهم السلام، البيت الذي انزل الله فيه شهادة العظمى بذلك المعنى يوم قال الباري تبارك وتعالى في كتابه المجيد وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9))(سورة الإنسان ـ 8 ـ 9)
وقد نُقل عن منهال بن عمروا الدمشقي بأن قال: " كنت أتمشى في أسواق دمشق، وإذا أنا بعلي بن الحسين يمشي متكأ على عصا في يده، ورجلاه كأنهما قصبتان والدم يجري من ساقيه والصفرة قد عليت عليه.
قال منهال: "فخنقتني العبرة"، فاعترضه وقلت له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟!، قال يا منهال: وكيف يصبح من كان أسيرا ليزيد بن معاوية ؟! يا منهال ! والله، منذ قتل أبي، نساؤنا ما شبعن بطونهن! ولا كسون رؤوسهن صائمات النهار وقائمات الليل".
فالصوم يستبطن فسلفة عميقة؛ تندرج تحتها مبانٍ كثيرة، تشي بأن وراء مشرعه حكمة لا متناهية، خصوصا وإنها ـ فلسفة الصوم ـ تتحرك وفقا لاتجاهات ومحركات عدة، سنُبينها لاحقا، بالاستناد الى ما أُثر عن النبي الأكرم وآل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام أجمعين من آثار قولة وفعلية.
فعن الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام، عن إبائه عن الإمام علي عليه السلام عن رسول الله صلوات الله عليه وآله؛ أنه قال: "أيها الناس انه قد اقبل عليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعائكم فيه مستجاب، فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة، أن يوفكم لصيامه وتلاوة كتابه".
وما وصف النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله لهذا الشهر الفضيل بأنه شهر البركة والرحمة والمغفرة إلا تبيانا لفضائله، خصوصا وأنه صلوات الله عليه وآله يعده من أفضل الشهور وأن أيامه من أفضل الأيام، ما يجعل منه شهر القبول، وهو ما بينه عليه الصلاة والسلام بالقول: "فسلوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه".
ومما لا شكل فيه ولا ريب؛ بأن للصيام أثار كبيرة على الصائم ـ بشكل فردي أو مجتمعي ـ ومن ذلك ما يلي:
ـ الجنبة التشريعية
ـ الجنبة العلمية والصحية
ـ الجنبة التربوية والتهذيبية
الجنبة التشريعية لشهر رمضان المبارك..
مما لا شك فيه بأن الصوم من أوجب ما وجبه الإسلام على معتنقيه، بل وأنه من الدعائم التي بني عليها، لما له من أثر كبير في تهـذيب النفوس وارجاعها إلى الله تبارك وتعالى، وهو ما دفع علماء الإسلام الى منح هذه الجنبة ما تستحقه من تعمق بحثي سيما في الجانب التشريعي منه، بل وأنهم اهتموا اشد الاهتمام بع وبذلوا قصارى جهودهم، تنظيما منهم للأحكام التشريعية التي تبرء ذمة المكلف أمام بارئه جل وعلا، ومن ذلك ما يلي:
ـ اقسام الصوم:
يقسم الفقهاء الصوم إلى أربعة أقسام، هي:
أولا: الصوم الواجب: ومنه صيام شهر رمضان وصيام النذر وغير ذلك.
ثانيا: الصوم المستحب: وفيه موارد كثيرة كصوم أول الشهر ومنتصفه وأخره، والليالي البيض، صوم شهر شعبان ورجب.
ثالثا: الصوم المحرم: ومنه صيام يوم عيد الفطر ويوم النحر.
رابعا: الصوم المكروه: ومنه صيام يوم العاشر من المحرم، لأن بني أمية كانوا يروجون لهذا اليوم شماتة منهم بآل النبي صلوات الله عليهم أجمعين.
ـ الأفعال التي تبطل الصوم وهي أمور:
بيم الفقهاء بأن ثمة أفعال تبطل صوم الصائم اذا ما فعلها، من ذلك:
الأول: الأكل؛ ويشترط فيه صدق الأكل عمدا ً، ولا فرق بين القليل والكثير.
الثاني: الشرب، ويشترط فيه صدق الشرب عمدا ً، ولا فرق بين القليل والكثير.
الثالث: الجماع؛ ويشترط فيه إدخال مقدار الحشفة ولو من دون إنزال، ولا فرق فـــــي مفطرية الجماع بين الفاعل والمفعول به.
الرابع: الكذب على الله تعالى أو على نبينا محمد صلوات الله عليه وآله، وعلى الأئمة عليهم السلام، سواء كان في أمر ديني أو دنيوي.
الخامس: تعمد البقاء على الجنابة حتى مطلع الفجر في صوم شهر رمضان وقضاءه، بل في كل صوم واجب.
السادس: خروج المني بقصد الاستمتاع بفعل ما يثير الشهوة الاستمناء.
السابع: الاحتقان بالمائع، فانه يبطل الصوم بخلاف التحميل بالجامد فانه ليس مفطرا.
الثامن: تعمد القيء، وان كان مضطرا إليه لمرض ونحوه.
التاسع: الاختلال بالنية.
ـ على من يجب الصوم:
يجب الصوم على من تتوفر فيه الشروط التالية:
أولا: البلوغ فلا يجب الصوم على الطفل.
ثانيا: العقل فلا يجب على المجنون.
ثالثا: الحضر فلا يجب على المسافر.
رابعا: أن لا يكون مغمي عليه.
خامسا: أن يكون سالما من الأمراض التي يضر فيها الصوم.
سادسا: الخلو من الحيض والنفاس بالنسبة للمرآة.
الجنبة العلمية والصحية لشهر رمضان المبارك..
اهتم العلماء بدراسة الخصائص الفسيولوجية والتأثيرات العلاجية للصوم؛ واجري العديد من التجارب والدراسات الطبية في هذا الشأن؛ وقد أتضح أن التفاعلات الكيميائية والبيولوجية التي تحدث داخل الجسم البشري أثناء الصوم تبدأ أول الأمر في الشعور بالجوع، ويحدث أحيانا لبعـض الناس نوعا ً من التهيجات أو التوترات العصبية، بالإضافة إلى ذلك يحدث أحيانا عدة تغيرات خفيفة أخرى، من أهمها إن سكر الكبد يتحرك ومعه أيضا الدهن المخزون تحت الجلد؛ أي يبدأ الصوم باستهلاك المخزون من المواد الغذائية بالجسم؛ وعندما ينتهي ذلك المخزون تبدأ خلايا البروتينات المكونة لأعضاء الجسم وأولها الكبد والعضلات بالتحرك والتخلخل لتضحي جميع أجزاء الجسم نصيبها الخاص حسب نوعها للإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلـب.
وفي هذا الصدد سوف نمر على بعض شهادات الأطباء والعلماء:
ورد في كتاب "الجوع من أجل الصحة" للبروفسور نيكولايف بيلوي بأن كل مواطن في المدن الكبرى يحتاج للتمتع بالصحة، يستلزم ذلك منه ممارسة الجوع التام – الصوم – وذلك من خلال الامتناع الكامل عن الطعام لمدة 3 – 4 أسابيع – بصفة دورية سنويا بغية تخليص جسمه من النفايات والسموم.
وقد قال الدكتور بندكت ـ وهو طبيب امريكي رائد في الطب الطبيعي في أمريكا ـ : "يخطئ من يعتقد أن الإنسان لا يتغذى إذا امتنع عن الطعام، فالحقيقة هي ان الجسم البشري يظل يأكل رغم الصوم وأول ما ياكله هو هذه المواد الدهنية الموجودة بكثرة في جميع الأجسام وتهبط كمية الدهن الموجودة حول القلب والأجزاء الأخرى، فضلا عما يعطيه ذلك من فرصة للجسم وجميع أنسجته وخلاياه للتخلص مما تجمع حولها من النفايات والمواد الضارة والتوكسينات التي تتولد في الجسم بعمليات الهضم والتمثيل والعمليات الأخرى التي تجري بداخله، كما إن الصوم يعطي الأنسجة والأعضاء المصابة بشيء من التقيح أو الاحتقان أو الالتهاب مجالا للشفاء.
كما تشير الدراسات الحديثة إلى إن أول الأعضاء التي يتغذى عليها جسم الإنسان أثناء الصوم هي الأعضاء المصابة في الأمراض، وخاصة المحتقنة والمتقيحة والملتهبة! وهنا يعتبر الصوم أول من يزيل الخلايا التالفة والأورام والزوائد اللحمية والأكياس الدهنية والأورام الليفية، وقد تأكد الأطباء من ذلك؛ خلال نتائج الأشعة التشخيصية، حيث وجدوا بأن جميع هذه الزوائد يصغر حجمها أثناء فترة الصوم .
من جهته، فقد بين الدكتور حامد البدري بأن: "إذا ما أستمر الإنسان طوال السنة لا يريح معدته ولا يعطيها إجازة اعتيادية تستريح فيها، اضطرت المعدة أن تطلب إجازة عن طريق المرض" ، وذلك لأن المعدة اشبه بالماكنة التي تعمل على الوقود، فكلما اعطي لهذه المكنة وقودا كلما استهلكت قطعتها، فكذلك المعدة وقودها الطعام فلابد من ان تستريح لفترة معينة.
أما الدكتور فاك فادون ـ وهو من الأطباء العالمين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره ـ فيقول: "إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم وان لم يكن مريضا، لان سموم الأغذية والأدوية، تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بها من قبل.
ومن هنا يعتبر الصيام القاعدة الطبية الأولى التي لا يمكن أن يشك أحدا بضرورتها، فقد استعان بها الأطباء منذ القدم والى يومنا هذا، وهذا ما أشار إليه الفيلسوف الكبير ابقراط بقوله: استدامة الصحة تكون بترك التكاسل عن التعب وترك امتلاء المعدة بالطعام" .
وكل ما ذُكر أعلاه، على الصعيد الصحي والطبي والعلمي، فأن عين ما ورد عن النبي الأكرم محمد صلوات الله عليه وآله بقوله: "صوموا تصحوا".
ـ الجنبة التربوية والتهذيبية لشهر رمضان المبارك..
الصوم مدرسة تهذيبية كبرى، ودروسها مما يستفاد منها مباشرة، فالصائم يتعلم من مدرسة الصوم الصبر والإرادة ومجاهدة النفس ومكافحة الهوى، كما يُعلم أيضا الشعور الآخرين سيما المعوزين، خلقا منه للبيئة التكافلية بما يجعل الناس على قدر المسؤولية تجاه من هو اضعف منهم.
وقد ورد عن جعفر الطيار ذو الجناحين عليه السلام؛ عندما وقع صريعا في معركة مؤتة، وقد جاءه عبد الله بن رواحة بكأس من ماء، لكنه امتنع عن أخذه، قائلا له: "إني صائم فضعه عند راسي فإذا بقيت حيا حتى الغروب أفطرت وألا لقيت ربي صائما".
الملفت للانتباه ليس بقاء جعفر الطيار صائما إلى أن لقي ربه ولكن أصر على صومه مع وجود الماء بقربه وجراحاته تنزف دما عبيطا إلى أن اسلم إلى ربه وروحه مطمئنة.
كما روي عن الإمام السجاد عليه السلام قوله: "لقد رأيت عمتي زينب في طريق السبا في بعض المنازل تصلي من جلوس فسألتها عن ذلك، فقالت: ـ اصلي من جلوس من شدة الجوع الذي الم بي منذ ثلاث ليالي، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة، فكانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال".
وهو عين ما كان ينتهجه بيت أبيها امير المؤمنين وأمها الزهراء عليهم السلام، البيت الذي انزل الله فيه شهادة العظمى بذلك المعنى يوم قال الباري تبارك وتعالى في كتابه المجيد وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9))(سورة الإنسان ـ 8 ـ 9)
وقد نُقل عن منهال بن عمروا الدمشقي بأن قال: " كنت أتمشى في أسواق دمشق، وإذا أنا بعلي بن الحسين يمشي متكأ على عصا في يده، ورجلاه كأنهما قصبتان والدم يجري من ساقيه والصفرة قد عليت عليه.
قال منهال: "فخنقتني العبرة"، فاعترضه وقلت له: كيف أصبحت يا بن رسول الله؟!، قال يا منهال: وكيف يصبح من كان أسيرا ليزيد بن معاوية ؟! يا منهال ! والله، منذ قتل أبي، نساؤنا ما شبعن بطونهن! ولا كسون رؤوسهن صائمات النهار وقائمات الليل".
الأكثر قراءة
25880
18684
13876
10739