2 شوال 1446 هـ   31 آذار 2025 مـ 2:08 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أخلاقيات الإسلام |  فضيحة Ashley Madison: حينما يسقط قناع الأخلاق
2025-02-26   126

فضيحة Ashley Madison: حينما يسقط قناع الأخلاق


مقداد الربيعي

Ashley Madison  هي منصة إلكترونية أمريكية متخصصة في ترتيب العلاقات خارج إطار الزواج، وكانت تُسوّق نفسها بشعار "الحياة قصيرة، استمتع بعلاقة." على الرغم من الطبيعة المشبوهة للمنصة، إلا أن العديد من مستخدميها كانوا يقدمون أنفسهم في حياتهم العامة على أنهم أفراد أخلاقيون ملتزمون بالقيم العائلية.

 

في عام 2015، قام مجموعة من القراصنة تُسمى The Impact Team باختراق المنصة وسرقة بيانات المستخدمين، بما في ذلك أسماؤهم، عناوينهم، وحساباتهم البنكية. لاحقًا، تم تسريب هذه المعلومات علنًا على الإنترنت، ما أدى إلى فضح الآلاف من المستخدمين.

 

ما جعل الحادثة صادمة هو أن العديد من هؤلاء المستخدمين كانوا شخصيات بارزة في المجتمع، بما في ذلك رجال دين، سياسيون، ومدافعون عن القيم الأخلاقية والعائلية. على سبيل المثال:

 

رجال دين: تبين أن بعض القساوسة والواعظين الذين دعوا إلى الالتزام بالفضيلة والوفاء الزوجي كانوا ضمن المستخدمين.

سياسيون محافظون: كان من بين المستخدمين سياسيون معروفون بمواقفهم ضد الطلاق والخيانة، مما أثار استنكارًا واسعًا من قبل ناخبيهم.

أشخاص يدعون المثالية: أفراد عاديون يروجون لأنفسهم كمثال يُحتذى به أمام أصدقائهم وعائلاتهم.

 

تكشف لنا هذه الحادثة عن النفاق الاجتماعي الذي تدعو له التيارات والفلسفات المناوئة للدين، فالأخلاق في الأديان تنبع من الإيمان بالله، وترتكز على دعائمَ متينةٍ متعددةِ الأوجهِ، تُؤثّر في النفس البشرية تأثيراً عميقاً، لذا فإنها غدت كَمَنْهَلٍ عذبٍ يرتوي منه المؤمنون، فيَتشبّثون بالمبادئ الأخلاقية تشبّث الغريق بقشة النجاة.

 

فالمؤمن الحقّ، يجدُ  في  نفسهِ  قوةً  دافعةً  تحثّهُ  على  التّمسّك  بالأخلاق  الكريمة،  سواءً  أكان  بين  ظهرانِ  الناس  أم  في  خلوةٍ  مع  نفسه،  وسواءً  جنى  من  فعله  الخير  منفعةً  شخصيةً  أم  لم  يَحْصُل  على  أي  مُقابلٍ  ماديّ،  ويؤمن  بأنّ  عليه  الاستقامة  على  دروب  الفضيلة،  سواءً  وافقه  المجتمع  أم  خالفه،  وسواءً  نال  رضى  الآخرين  أم  لم  ينله.

 

إنّ الدوافع  التي  تُبنى  عليها  الأخلاق  في  الإسلام  تُلهمُ  المؤمن  الإخلاصَ  في  تمسّكه  بالمبادئ،  وتَحْفِزُهُ  على  التّحلّي  بها  في  كلّ  الأحوال،  وتُرشِدُهُ  إلى  الصدق  في  التّعامل  معها.

 

أجل، فلو أنّ المؤمن غرسَ  في  أعماقِ  فؤادهِ  وشغافِ  قلبهِ  مبادئَ  الأخلاق  الإسلامية  غرساً  راسخاً،  لأصبح  رقيباً  على  نفسه،  لا  تَفوتُه  زَلّةٌ  ولا  هَفْوَةٌ،  بل  يسعى  دائماً  إلى  تَحسين  سلوكه  وتَزكية  نفسه،  ويُراقبُ  أفعالهُ  بدقّة،  ويُحاسبُ  ذاتهُ  بِصرامة،  فيَتجنّبُ  المَعاصي  وَيُسارعُ  إلى  الطّاعات.

 

وإنّ  هذا  الاستحضار  لَهو  من  أقوى  البواعث  على  تَغيير  السّلوك  البشريّ،  ومن  أعمق  المُؤثّرات  في  حياة  الإنسان  سواءً  في  حركاته  أم  في  سَكَناته.، فإن الفكرة المجردة «لا تصلح عاملاً فعالاً إلا إذا تضمنت عنصرًا دينيا، وهذا هو السبب في أن الأخلاق الدينية أقوى من الأخلاق المدنية، إلى حد يستحيل معه الموازنة، ولذلك لا يتحمس الإنسان في الخضوع لقواعد السلوك القائم على المنطق، إلا إذا نظر إلى قوانين الحياة على أنها أوامر منزلة من الذات الإلهية». تأملات في سلوك الإنسان ألكسيس كاريل، ص140.

 

ولأجل احتياج الإلزام الأخلاقي إلى قاعدة داخلية تدفع الإنسان بذاته إلى الفعل الأخلاقي، كانت العلاقة بين الدين والأخلاق متداخلة بشكل كبير جدًا، وفي الإقرار بذلك يقول دوركايم: «إن الأخلاق والدين قد ارتبطا ارتباطا وثيقا منذ أمد بعيد، وظلا طوال قرون عديدة متشابكين، فلم تصبح العلاقة التي تربطهما علاقة خارجية أو ظاهرية ولم يعد من السهل فصلهما بعملية يسيرة كما نتصور». التربية الأخلاقية، ص11.

 

وليس هذا فحسب، بل إنّ  الأخلاق  في  الإسلام  تَتَخطّى  حدودَ  علاقة  الإنسان  بالآخرين،  لتُشكّلَ  نظاماً  شاملاً  يَسْتَوعِبُ  كافةَ  أنواع  العلاقات  التي  تُحيطُ  به.  فهي  لا  تقتصر  على  التّعامل  مع  النّاس  فحسب،  بل  تَمتدّ  لتشملَ  علاقةَ  الإنسان  بربّه،  وبوالديه،  وأقاربه،  وجيرانه،  وحتّى  أعدائه.  وتَتَعَدّى  ذلك  لتُنظّمَ  علاقته  بزوجته،  وأرحامه،  وأبنائه،  وخادمه،  وأجيره،  وصغيره،  وكبيره،  ورَجُله،  وامرأته،  وصديقه،  ومَيّته،  بل  وتَصلُ  إلى  علاقته  بالحيوان،  والطّبيعة،  ومُقدّراتها.

 

إنها  باقةٌ  وَرْدِيّةٌ  فَوّاحةٌ  تَفْتَحُ  أَوراقَها  على  مَتنوّع  العلاقات  الإنسانية،  لتُضفي  عليها  سَحراً  وَجمالاً. انظر: موسوعة الأخلاق، خالد الخراز.

 

أمّا إذا  بُنيت  الأخلاق  على  أسُسٍ  إلحاديةٍ،  فإنّها  تُفقدُ  الإنسانَ  بوصلته  التي  تَهْدِيهِ  إلى  دروب  الفضيلة،  وتَسْلِبُهُ  قوةَ  الدّوافع  التي  تَدْعُوهُ  إلى  التّمسّك  بها  كَمَبْدَأٍ  سامٍ  لا  يمكن  التّنازُل  عنه،  وتُفقِدُه  صدقَه  الدّاخليّ  في  الأخذ  بها.  فتَتَحوّل  الأخلاق  إلى  مُجرّد  مَظاهرَ  يَتَجَمّلُ  بها  الفرد  أمام  أعين  النّاس،  أو  إلى  مَصالحَ  شخصيّةٍ  نفعيّةٍ،  لا  قيمة  لها  إلاّ  بِما  تُحقّقه  من  مَكاسِبَ  دُنيويّةٍ.

 

فهو  يَصْدُقُ  لأنّ  النّاس  يُحبّون  الصّدق،  ويَكْرَهون  الكذب،  ويَمْتَنِعُ  عن  الخيانة  لأنّها  مَذمومةٌ  في  أعراف  المجتمع،  ولأنّه  لا  يُريد  أن  يُقابَلَ  بالمِثْل.  وهذا  لَهو  انْتِهاكٌ  صريحٌ  لِلأخلاق،  وَانْغِماسٌ  في  مستنقع  الأنانية  والنّفاق.

 

فالأُصول  الإلحادية  لا  تُؤسّسُ  لِدَوافِعَ  داخليّةٍ  تَسْتَقِرّ  في  كيان  الإنسان،  وتَدْفَعُهُ  نَحْوَ  التّمسّك  الصّادق  بالأخلاق  النّبيلة،  بل  تَنْحَصِرُ  الدّوافع  بِناءً  على  أُصولِهم  في  الدّوافع  الخارجيّة،  كَسُلطة  المجتمع،  أو  سُلطة  القانون،  والتي  لا  تَكفي  لِبناء  إنسانٍ  فاضلٍ  ذِي  أخلاقٍ  كريمةٍ.

 

وهي دوافع قاصرة عن التأثير في الكيان الإنساني، بل إنها تدعو إلى النفاق وتؤز إليه أزاً وما أجمل ما ذكره جمال الدين الأفغاني في بيان قصور النظرة المادية حيث يقول: «ليس بخاف أن قوة الحكومة إنما تأتي على كف العدوان الظاهر، ورفع الظلم البين، أما الاختلاس والزور المموه، والباطل المزيف، والفساد الملون بصبغ من الصلاح، ونحو ذلك مما يرتكبه أرباب الشهوات، فمن أين للحكومة أن تستطيع دفعه؟! وأن يكون لها الاطلاع على خفايا الحيل؟! وكامنات الدسائس ومطويات الخيانة ومستورات الغدر ؟!؛ حتى تقوم بدفع ضرره». الرد على الدهريين - ضمن الأعمال الكاملة - (١٨٥/٢).

 

وفي تأكيد هذا المعنى يقول ألكسيس كاريل: يجب على الإنسان أن يفرض على نفسه قاعدة داخلية حتى يستطيع أن يحتفظ بتوازنه العقلي والعضوي، إن أي دولة قادرة على فرض القانون على الشعب بالقوة، ولكن لا تستطيع أن تفرض الأخلاق. الإنسان ذلك المجهول (١٥٢).

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م