

| رؤى وقضايا | كيف يكون ثواب زيارة الحسين أعظم من الحج؟
2025-07-07 5701

كيف يكون ثواب زيارة الحسين أعظم من الحج؟
الشيخ مقداد الربيعي
ورد في الروايات والأحاديث الصحيحة
عن أهل البيت عليهم السلام نصوص كثيرة تبين عظمة الثواب المترتب على
زيارة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء الى حد أن بعض الأحاديث
جعل زيارته تعدل ألف حجة والف عمرة أو أن دمعة واحدة في البكاء عليه
تكفي لغفران ذنوب العمر كله، كصحيحة ابن شبيب عن الرضا عليه السلام:
يابن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين ابن علي عليه السلام فإنه
ذبح كما يذبح الكبش، وقتل معه من اهل بيته ثمانية عشر رجلاً مالهم
في الأرض شبيه، ولقد بكت السموات السبع والأرض لقتله... يابن شبيب
إن بكيت على الحسين عليه السلام حتى تصير دموعك على خديك غفر الله
كل ذنب اذنبته صغيراً كان أو كبيراً قليلاً أو كثيراً. عيون أخبار
الرضا، ص268.
وخبر الفضيل بن يسار عن ابي عبد
الله عليه السلام: من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب
غفر الله له ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر. وسائل الشيعة ج4،
ص501.
وخبر ابراهيم بن ابي محمود عن
الرضا عليه السلام: فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه
يحط الذنوب العظام. نفس المصدر ج14، ص504.
تجدر الإشارة الى أن الإشكال
لا يختص بروايات الشيعة بل يعم مطلق التراث الإسلامي وإن لم يتعلق
بثواب الزيارة او البكاء على الحسين كروايات ثواب ليلة القدر، وقد
حاول العلماء من مختلف المذاهب الإجابة عنه، كما نرى في محاولة ابن
الجوزي في كتابه "الموضوعات مع روايات ثواب الذكر الخفي وثواب ليلة
القدر المباركة".
وبحسب البعض مثل هذه الروايات قد
توهن نظرتنا للموروث الروائي ويرونها تدل على انعدام العدالة
الإلهية، فكيف لعمل بسيط كزيارة الحسين عليه السلام في كربلاء أن
يعدل ثواب أعمال الحج الواجبة؟! بل قد ينسحب الإشكال على الآيات
التي تتكلم عن ثواب عمل ليلة واحدة تعدل عمل عمر كامل، (ليلة القدر
خير من ألف شهر). من هنا كان هذا الإشكال حاضراً منذ القرون الأولى
فقد نقل العلامة المجلسي (ره) عن السيد ابن طاووس إن هذه الشبهة قد
علقت بأذهان بعض من يدعي العلم منذ ذلك الزمن. بحار الأنوار، ج44،
ص293.
وعلى مستوى العلاج طرح العلماء
أكثر من جواب في المقام، منها ما أجاب به الشيخ محمد باقر البهبودي
بعد أن حكم بسلامة وصحة الكثير من هذه الأحاديث، وأن منها الصحيح
والحسن والضعيف، وهي بالإجمال مستفيضة لا تتطرق اليها يد الجرح
والتأويل، قال: لكنها صدرت حينما كان ذكر الحسين عليه السلام
والبكاء عليه وزيارته ورثاؤه إنكاراً للمنكر ومجاهدة في ذات الله مع
بني أمية الظالمة الغشوم وهدماً لأساسهم وتقبيحاً وتنفيراً من
سيرتهم التي كفرت بالقرآن والرسول.
وبعبارة أوضح: إن ثواب الزيارة أو
ثواب البكاء لم يكن بهذا الشكل إلا لكونهما يمثلان مجاهدة لبني أمية
ومن كان على نهجهم وإنكاراً لهم، وهدماً لسيرتهم فهما ـ اي البكاء
والزيارة ـ يمثلان مجموع هذه الأمور وبالتالي فلهما مجموع ثواب هذه
الأفعال. وكما هو واضح أنها ليست من الأفعال الهينة والبسيطة،
خصوصاً في زمن تسلط الظالمين.
لكن من الواضح عدم إمكان الركون
لمثل هذا الجواب كون الروايات مطلقة لم يلحظ فيها صدق هذه المعاني
على الزيارة، او اشتمال البكاء عليها.
وممن أجاب عن الإشكال السيد
الخميني (ره)، بأجوبة نقضية ـ بمعنى ذكر موارد أخرى غير الزيارة
والبكاء ـ وهذه الموارد هي:
ـ المورد الأول: النعم السابقة على
العمل
قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله
لا تحصوها). النحل: 18. فإذا تأملنا بأنواع النعم التي منحها الله
عز وجل للبشر من الشمس والقمر والأنجم الزاهرة الى حركة الليل
والنهار وتبدل الفصول وذرات الكائنات والعناصر والمعادن والنباتات
والحيوانات والهواء والماء والأرض والبحار والصحاري والغيوم
والأمطار والأراضي الزراعية والجبال والسهول والمأكولات المختلفة
والملبوسات المتنوعة.... وبعد هذا الذي لن تعدوه مما هو خارج
أبدانكم، أنظروا الى ابدانكم وما فيها من الأدوات والالات وحينئذ
اسألوا أنفسكم: لماذا كل هذه النعم وفي مقابل ماذا؟ خصوصاً إذا
لاحظنا أنها لا تقتصر على الموحدين بل تشمل حتى الكافر! وجميع هذه
النعم العظيمة قد جاد بها الكريم من غير عمل سبق منّا، فما الغريب
إذا أنعم على فعلٍ ما كزيارة الحسين أو البكاء عليه بثواب
عظيم؟!
ـ المورد الثاني: عمل محدود وثواب
غير محدود
قال تعالى: (سابقوا الى مغفرة من
ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو ىالفضل العظيم) الحديد:
21.
فهل يمكن مقايسة سنين معدودة من
أعمالنا مع نعمٍ لا تنتهي وفي زمان لا ينتهي ومساحة لا
تنتهي؟!
ـ المورد الثالث: طاعة النبي
ثوابها مرافقة الأنبياء والصديقين
قال تعالى: (ومن يطع الله والرسول
فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقيين والشهداء
والصالحين وحسن أولئك رفيقا) النساء: 69.
فليعترض الأنبياء وشهداء بدر وأحد
بهذا الإشكال البسيط وليعرضوا شكواهم على الله ـ نستغفر الله ـ أمام
إحدى المحاكم وليقولوا إننا تحملنا الأذى وأهرقنا دمائنا عندما كان
الإسلام ضعيفاً فارتفع بنا الإسلام. فماذا جرى إذ جعلتنا في درجة
واحدة مع شخص مات بعمر السبعين ـ مثلا ـ ولم يخدم دينك وإنما أطاعك
واطاع النبي في الصلاة والصوم وأمثال ذلك؟!
المورد الرابع: ثواب ليلة يعدل
عبادة الف شهر
وأيضاً ليعترض بنوا اسرائيل الذين
كانوا يجاهدون ألف شهر في جعل ثواب ليلة خيراً من عملهم؟! كشف
الأسرار صفحة 165 بتصرف.
وممن أجاب أيضاً عن هذا الإشكال
العلامة المامقاني صاحب "مرآة الكمال" والذي قال: ولا عجب من هذا
الأجر العظيم الذي لا يتحمله عقول أواسط البشر.. لأن الله يضاعف لمن
يشاء والله واسع عليم.. ولا عجب في زيادة ثواب المستحب على ثواب
الواجب، كما ورد في ثواب ابتداء السلام المندوب وأنه أزيد من ثواب
رده، ويجب الالتفات الى ان هذا من علم الغيب؛ ولذا كان المسح على
ظاهر القدم من الغيب، وإلا فإن باطنه أولى بالمسح لصدق القدم على
الباطن، وايضاً كان الوقوف الذي هو أحد ركني الحج خارج الحرم في
عرفات، مع أن المسجد والحرم أفضل. مرآة الكمال، ج1، ص175.
ويمكن ذكر جواب هو في أغلبه مستفاد
من كلمات العلام السابقة، خلاصته:
بأنه ليس الملاك في عظم
الثواب الوجوب والاستحباب، ولو كان كذلك لكان ثواب رد السلام أكثر
ثواباً من الابتداء به، مع أن الابتداء بالسلام مع أنه مستحب أكثر
ثواباً من رده الواجب بأضعاف كثيرة.
وايضاً ليس ملاك عظم الثواب صعوبة
العمل او سهولته، وإلا لما جاز أن يحشر من أتى بالعبادات البسيطة مع
الانبياء والصديقين، ولما صح أن يكون ثواب ليلة واحدة يعدل ثواب الف
شهر بنص القرآن الكريم. وما ورد بقوله عليه السلام (أفضل الأعمال
أحمزها) اي أصعبها، يفهم بالفعل من نفس النوع، فمن أتى بالحج ماشياً
أعظم ثواباً ممن أتى به راكبا.
كما أنه ليس الملاك في عظم الثواب
شرافة المحل كما في مثال أركان الحج أو صدق اللفظ عليه كما في مثال
مسح القدم.
وإنما الملاك من أسار الغيب التي
لم نطلع عليها ونسلم بها تسليماً، كسائر أسرار العبادات، والتي ورد
فيها أن دين الله لا يدرك بالعقول.
الأكثر قراءة
32579
19426