20 ذو القعدة 1446 هـ   18 أيار 2025 مـ 7:57 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أفكار ونظريات |  الرد على فرضية أصل الحياة كنشوء كيميائي
2025-05-15   30

الرد على فرضية أصل الحياة كنشوء كيميائي

الشيخ معتصم السيد أحمد
إنَّ أصل الحياة هو سؤال قديم حمله البشر منذ بدء التفكير الفلسفي، وطرحته العديد من الحضارات والثقافات عبر الزمن. ومع تقدم العلم، حاول العديد من العلماء تفسير هذه الفكرة باستخدام الأساليب العلمية والمخبرية، خصوصاً عبر فرضية 'النشوء الكيميائي' التي تقول إن الحياة نشأت من تفاعلات كيميائية معقدة على كوكب الأرض. ومع ذلك، تظل هذه الفرضية مجرّد تكهنات لا يمكن اختبارها أو إثباتها بالطرق العلمية المعترف بها، فهي في الواقع فرضية فلسفية تعتمد على الاستدلال العقلي والنظري، ولا يمكن التحقق منها باستخدام الأدوات العلمية التي يعتمد عليها العلم التجريبي. في هذا المقال، سنتناول هذا الموضوع من جوانب مختلفة ونوضح لماذا تبقى فرضية 'النشوء الكيميائي' غير قابلة للتوثيق العلمي. 

حدود البحث العلمي:
يبدأ البحث العلمي بتقديم فرضية يمكن اختبارها والتأكد من صحتها عبر التجارب والملاحظات المخبرية. لكن هناك حدوداً واضحة لما يمكن أن يحققه العلم في هذا المجال، فعندما نتحدث عن "أصل الحياة"، فإننا نتحدث عن بداية شيء ليس لدينا القدرة على معاينته أو اختباره في المختبرات.

بالتالي، فإن السؤال عن بداية الحياة يتجاوز بكثير نطاق التجربة المعملية القابلة للتحقق. بينما يمكن للعلم أن يشرح تطور الحياة بناءً على مبادئ مثل التكاثر الوراثي والتطور البيولوجي، إلا أنه لا يستطيع أن يقدم إجابة عن كيفية نشوء الحياة نفسها في البداية.

فالفكرة القائلة بأن الحياة نشأت نتيجة لتفاعل كيميائي معقد هي في حد ذاتها فرضية فلسفية أكثر منها فرضية علمية قابلة للتحقق. الفارق بين الفرضيات العلمية والفلسفية يتجلى بشكل أساسي في المنهجية التي تُعتمد لإثبات أو نفي كل منهما. فالفرضية العلمية تعتمد على الملاحظة الدقيقة والتجربة العملية القابلة للتكرار في بيئة مختبرية، مما يمنحها القدرة على التوثيق والقياس ضمن نطاق التجربة الحسية. في هذا السياق، تُعتبر الفرضيات العلمية قابلة للتحقق باستخدام الأدوات العلمية المتاحة، مثل التجارب المخبرية، القياسات، والنماذج الرياضية، حيث يتاح للعلماء اختبار صحتها ومراجعتها عبر الأدلة الملموسة.

أما الفرضيات الفلسفية، فهي تعتمد على التفكير المنطقي والتحليل العقلي بدلاً من التجارب الحسية. تهتم الفلسفة بالتساؤلات الكبرى حول الوجود والمعرفة والقيم، وتعتبر الأدلة المنطقية والتأمل العقلي وسائل أساسية لتقييم الفرضيات. وبالتالي، لا تتطلب الفرضيات الفلسفية تجارب حسية يمكن ملاحظتها أو تكرارها، بل تعتمد على التفكير النظري الذي يسعى لفهم الظواهر من خلال التأمل النقدي والاستدلال العقلي.

ففيما يتعلق بتفسير الحياة من خلال النشوء الكيميائي، نلاحظ أن هذه الفكرة تقع خارج نطاق الفرضيات العلمية القابلة للاختبار. فالنشوء الكيميائي، الذي يفترض أن الحياة نشأت نتيجة لتفاعل كيميائي معقد بين جزيئات غير حية، لا يمكن إعادة إنشاء هذا التفاعل في بيئة مختبرية قابلة للتكرار حتى الآن، مما يجعله محصوراً ضمن دائرة الفلسفة، أكثر منها علماً يمكن اختباره.

وللتوضيح، إذا كان أحدهم يدّعي أن الحياة نشأت من تفاعل كيميائي، فسيكون عليه أن يثبت هذا التفاعل بطريقة تجريبية وقابلة للتكرار. ولكن، حتى الآن، لا توجد تجربة علمية يمكنها إثبات أن مادة غير حية يمكن أن تتحول إلى كائن حي من خلال تفاعل كيميائي، مما يجعل فرضية "النشوء الكيميائي" بعيدة عن التوثيق العلمي.

لنفترض، على سبيل المثال، أن أصل الحياة كان حدثاً كيميائياً ناتجاً عن تفاعل بين جزيئات معينة في بيئة معينة. يبقى السؤال الأساسي: من أين جاءت تلك الجزيئات؟ وهل كانت تلك الجزيئات في حالة حياة أو كانت مجرد مواد غير حية؟ إذا كان الجواب أن هذه الجزيئات كانت غير حية، فهل من الممكن أن تتحول هذه المادة إلى كائن حي من خلال تفاعل كيميائي؟

فحتى لو تمكنا من إثبات وجود تفاعل كيميائي يخلق مركبات معقدة، فإن هذا لن يجيب عن السؤال الأعمق: من أين جاءت هذه المركبات ومن الذي جعلها تعمل معاً بطريقة تؤدي إلى نشوء الحياة؟

تلاعب "العلمية" وادعاءات الDNA
غالباً ما يستخدم أنصار فرضية "النشوء الكيميائي" أداة مثل الDNA كدليل على أن الحياة بدأت من مادة كيميائية معقدة. لكن من المهم أن ندرك أن الDNA بحد ذاته ليس دليلاً على أن الحياة بدأت من تفاعل كيميائي، بل هو مجرد نظام معقد من الجزيئات التي تنقل المعلومات الوراثية بين الأجيال. فحتى الآن لا يوجد دليل علمي يثبت أن الDNA يمكن أن ينشأ بشكل عفوي من تفاعل كيميائي، أي أنه ليس هناك ما يثبت أن جزيء الDNA، يمكن أن يتشكل تلقائياً (أي بدون تدخل خارجي) نتيجة لتفاعل كيميائي بين مواد غير حية.

ببساطة، الDNA هو جزء من عملية الحياة، وليس دليلاً على كيفية بدء الحياة نفسها. إنَّ الربط بين الDNA وأصل الحياة يهدف إلى تحويل الأنظار عن المشكلة الرئيسية، وهي كيف يمكن للمادة أن تتحول إلى كائن حي في البداية؟

فحتى لو تمكنا من إيجاد طريقة لإنتاج جزيئات معقدة مثل الRNA أو الDNA في المختبرات، فإن ذلك لا يعطينا إجابة واضحة عن أصل الحياة، فالسؤال الذي يظل بلا إجابة هو: من أين جاءت هذه الجزيئات؟ وما هو مصدر الحياة؟ هل من الممكن أن تتواجد الحياة بدون وجود مبدأ أو قوة أعلى تنظِّم وتوجه هذه العمليات الكيميائية؟

في هذا السياق، يمكننا التذكير بآية قرآنية عظيمة تتحدث عن المدى المحدود للعلم البشري في معرفة أصل الحياة: "مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً" (الآية 51 من سورة الكهف). هذه الآية تشير إلى أن هناك أموراً تتجاوز قدرة البشر على الفهم والتفسير، وأن بعض الأسئلة، مثل "من أين جاءت الحياة؟" و "كيف نشأت؟"، تظل خارج حدود الفهم العلمي الحسي.

الخلاصة
إنَّ محاولة تفسير أصل الحياة باستخدام فرضية "النشوء الكيميائي" تظل محض تكهنات لا يمكن التحقق منها علمياً. لا توجد أي تجارب علمية تثبت صحة هذه الفرضية، وفي النهاية، تبقى مسألة أصل الحياة مرتبطة بسؤال فلسفي عميق لا يمكن للعلم أن يجيب عنه بشكل قاطع. وعليه، فإنَّ كل ما يمكن أن يُقال في محاولة تفسير أصل الحياة في إطار علمي بحت هو مجرد محاولة للتسويق لفكرة فلسفية بعيداً عن الأدلة الواقعية. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م