26 صفر 1447 هـ   21 آب 2025 مـ 2:27 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  إحياء القلوب قبل إحصاء الجموع: الغاية الحقيقية من المواسم العاشورائية
2025-08-17   56

إحياء القلوب قبل إحصاء الجموع: الغاية الحقيقية من المواسم العاشورائية


الشيخ مصطفى الهجري
حين يصبح حضور المجالس أو إقامة باقي الشعائر الحسينية مطلوبة لذاتها وليس للأهداف التي شُرعت من أجلها، فإنها بنفسها تكون حجاباً مانعاً من الوصول الى أهداف ثورة سيد الشهداء عليه السلام. 

فتارة يكون الهدف من إقامة مراسم عاشوراء وإحيائها هو إحياء القيم الحسينية، بل إحياء الإنسان بها، وتارة يكون الامتثال لهذه الشعائر فارغاً من دون الالتفات لهذه المنافع والغايات.

ولا شك الفرق كبير بين المنهجين، إذ التعاطي الواعي والهادف مع هذه الشعائر يتطلب منّا عند كل موسم التحسين من واقعنا لنكون أقرب الى أهداف الإمام الحسين عليه السلام التربوية والأخلاقية في سعينا نحو العدالة والإصلاح، ومواجهة الظلم والفساد.

أما إذا اعتمدنا المنهج الذي يفرغ المواسم العاشورائية من معانيها ومن حقائقها، فإننا قد نصل الى مكان ننشغل فيه فقط بتعداد المشاركين في المواسم العاشورائية. وكأنما مشاركة الأعداد المليونية هي النصر الأكبر! وهنا يكون السؤال: هل المطلوب فقط أن يكون العدد مليونياً ـ وهو أمر جيد ـ أم يجب أن نعاين هذا الموضوع من خلال فهم مختلف، وبنظرة مغايرة، حيث ينبغي أن يُطرح في نهاية ذلك النهار سؤال آخر وهو: كم هو العدد الذي أصبح أو بقي على منهج الحسين عليه السلام؟

علينا ان نعي أنه مالم تتولد من هذا التجمع طاقة إصلاحية في مختلف المجالات الإدارية والمالية والاجتماعية والمؤسساتية والثقافية تعين على الإصلاح بالعدل، وعلى كنس الفساد والظلم، فهذا يعني أنه لم يتم تحقيق شيء من أهداف ثورة الحسين عليه السلام.
وكم أن شعائر الحسن عليه السلام وقريبة من شعائر الحج، وقد طالب القرآن الكريم بتحصيل المنافع الأخلاقية والدينية عند أداء مناسك الحج، حين قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..)، الحج: 27 ـ 28. وقد ذكرت الآية هنا الحجاج المشاة أولاً (يَأْتُوكَ رِجَالًا)، ثم الراكبين (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)، لأنهم أفضل منزلة عند الله، بسب ما يتحملون من صعاب السفر أكثر من غيرهم، ولهذا السبب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، وللحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة». كذلك جاء فيمن مشى لزيارة الحسين عليه السلام، عن الصادق عليه السلام: «من أتى قبر الحسين (عليه السلام) ماشيا كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة». كامل الزيارات، ص255. 

وكما يأتون للحج من كل فج عميق متحملين صعوبات السفر وخطورته، كذلك يأتون لمحبوبهم الحسين عليه السلام، 
وحول هذا يذكر المفسر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حالة مثيرة لرجل يدعى " أبو القاسم بشر بن محمد " فيقول: رأيت حين الطواف شيخا هزيلا بدت عليه آثار السفر، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب: من فج عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخا هزيلا من شدة تعب السفر وآلامه، فقلت: والله لهي مشقة، إلا أنها طاعة خالصة وحب عميق لله تعالى.
فسره ذلك ثم أنشد:
زر من هويت وإن شطت بك الدار * وحال من دونه حجب وأستار
لا يمنعنك بعد من زيارته * إن المحب لمن يهواه زوار

وكما أن في الحج منافع دينية وثقافية واجتماعية بصريح الآية الكريمة (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ..)، كذلك لزيارة الحسين عليه السلام هذه المنافع لكن بشرط أن يعيها الإنسان ويسعى اليها. 




جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م