26 صفر 1447 هـ   21 آب 2025 مـ 2:22 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | مقالات  |  ثأر الحسين عليه السلام… مشروع عدل إلهي لا ينتهي
2025-08-17   45

ثأر الحسين عليه السلام… مشروع عدل إلهي لا ينتهي


الشيخ مصطفى الهجري
ليس الحديث عن "ثأر الحسين" عليه السلام حديثًا عن دم أُريق في صحراء كربلاء قبل قرون فحسب، بل هو استحضارٌ لمعنى رسالي ممتد، يُحيلنا إلى صراع تاريخي بين قيم السماء وقوى الظلم، وبين مشروع الإصلاح الإلهي ومنظومات الانحراف التي حاولت – ولا تزال – إطفاء نور الله.

تُشير بعض روايات أهل البيت عليهم السلام إلى أن قوله تعالى: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33]
قد نزل في الإمام الحسين عليه السلام. فقد روى العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «هو الحسين بن علي قُتل مظلومًا، ونحن أولياؤه، والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين».

لكن السؤال هنا: إذا كان قتلة الحسين قد مضوا إلى ما قدّموا، ونال بعضهم عقابه في الدنيا، فما طبيعة هذا الثأر الذي سيطلبه القائم عجل الله فرجه؟

يرى عدد من علماء الشيعة أن الثأر ليس انتقامًا جسديًا من أفراد انتهت حياتهم، بل هو مواجهة للمشروع الذي أنشأته المدرسة الأموية، ذلك النهج الذي حارب الحق منذ فجر الرسالة، وأفرغ الحكم من مضمونه الإلهي، وحوّله إلى أداة لهيمنة الباطل.
هذا المشروع لم يُدفن بموت أصحابه، بل أعاد إنتاج نفسه بأشكال مختلفة في كل عصر، متجسدًا في كل نظام أو سلطة أو حركة تبرر الظلم، وتحارب قيم العدل والحرية والكرامة.

ومن هنا، فإن دائرة الثأر تشمل كل من يقف مع هذا النهج أو يبرره أو يرضى به، ماضيًا أو حاضرًا أو مستقبلًا.

الحسين عليه السلام لم يكن قائد معركة محدودة، بل صاحب مشروع إصلاحي شامل. ومن هنا، فإن الثأر لدمه لا يعني الاقتصار على الجانب العسكري، بل يمتد ليشمل كل ميدان يُستباح فيه الحق:

الميدان السياسي: إسقاط مشروعية الحكم الظالم، ومواجهة الاستبداد.

الميدان الاجتماعي: مقاومة تفكك المجتمع وحماية القيم الأصيلة.

الميدان الاقتصادي: محاربة الاستغلال والاحتكار وظلم الفقراء.

الميدان الأخلاقي والتربوي: غرس العدل والنزاهة في النفوس.

إن مواجهة الفساد في كل هذه الجبهات هو الوجه العملي لشعار "يا لثارات الحسين". فمن لم يحارب الظلم في بيئته ومجتمعه، لن يكون صادقًا إذا ادّعى أنه ينتظر الإمام المهدي عليه السلام لينتقم من قتلة جده الحسين.

مظلومية الحسين… مظلومية القيم كلها

ظلم الحسين عليه السلام لم يكن ظلمًا لإنسان فذّ فقط، بل كان عدوانًا على الرسالات الإلهية مجتمعة، وعلى كل قيمة نبيلة عرفتها البشرية. ومن هنا، فإن آثار هذه الجريمة تتجاوز حدود كربلاء، لتصبح جرحًا مفتوحًا في ضمير الإنسانية.

ولأن التاريخ يسير في حلقات مترابطة، فإن هذه المظلومية ستبقى حاضرة حتى تتحقق العدالة على يد القائم عجل الله فرجه، الذي يُمثّل اكتمال مسيرة الأنبياء في محو الظلم وإقامة القسط.

عندما نتحدث عن الثأر في المنظور الحسيني، فإننا لا نعني به الرد الانفعالي أو الثأر الشخصي، بل إحقاق الحق وإقامة العدل، وقطع دابر الظلم. وكما يشير العلماء، فإن فلسفة الثأر هنا هي نفسها فلسفة الجهاد الإصلاحي: تطهير الأرض من الفساد، ونشر العدل، وتحرير الإنسان من القهر.

البعد التربوي للدمعة الحسينية

البكاء على الحسين عليه السلام ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لشحن القلب بطاقة أخلاقية وروحية تحصّنه من الانحراف. فكما يقول السيد محسن الأمين، فإن الدمعة الصادقة يجب أن تتحول إلى رفض فعلي للظلم، وإلى اندفاع في خدمة الحق.

لقد شاهدنا كيف تحولت عاشوراء في بعض المحطات التاريخية إلى مصدر قوة مقاومة، كما حدث في ثورة العشرين في جنوب العراق، وكما حدث في جنوب لبنان عندما التقت حرارة الإحياء العاشورائي مع روح الجهاد، فأربكت العدو وأحبطت مشاريعه.

التمهيد للعدل المهدوي

الثأر الحسيني يجد اكتماله في دولة العدل الإلهي بقيادة الإمام المهدي عليه السلام، لكن هذه الدولة لا تقوم بمجرد الانتظار السلبي، بل تحتاج إلى أمة ممهدة، ربّت أبناءها على العدل، ورفضت الظلم في حياتها اليومية.

إن من لا يُقيم العدل في بيته، ولا ينصف في عمله، ولا يلتزم بالقيم في مجتمعه، لن يكون مؤهلاً ليحمل راية الثأر الحسيني يوم الظهور.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م