10 محرم 1447 هـ   6 تموز 2025 مـ 12:50 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | قادة محمديون (الأئمة وبعض الصحابة) |  هل كانت ثورة الحسين لإصلاح الحكم أم لاستنهاض الروح؟ قراءة مقارنة في آراء العلماء
2025-07-05   22

هل كانت ثورة الحسين لإصلاح الحكم أم لاستنهاض الروح؟ قراءة مقارنة في آراء العلماء


الشيخ مصطفى الهجري

تشكل نهضة الإمام الحسين عليه السلام حدثاً تاريخياً عظيماً لا يزال يثير جدلاً علمياً وفكرياً واسعاً بين الدارسين والعلماء عبر القرون. وقد تنوعت آراؤهم في تحديد الأسباب الحقيقية وراء هذه النهضة المباركة، مما يعكس عمق هذا الحدث وتعدد أبعاده الروحية والاجتماعية والسياسية.

 

ويمكن فرز الآراء حول نهضة الإمام الحسين بالتالي:

فهل هي الوصول إلى الحكم - بحسب السيد المرتضى - أم تحفيز الروح النضالية للتغيير - في رأي شمس الدين والصدر والآصفي - أم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بتقدير المطهري - أم في قضيتين خطيرتين - وفقاً للعلامة الطباطبائي - وهما: النظام الوراثي الملكي، التشويه والتهميش الواقعي والفكري لأهل البيت عليهم السلام؟

 

هذا التنوع في الآراء ليس مجرد اختلاف أكاديمي، بل يعكس فهماً عميقاً لطبيعة التحديات التي واجهتها الأمة الإسلامية في ذلك العصر، والتي لا تزال بعض جوانبها ماثلة في عصرنا الحاضر.

وعلى أساس من هذا ستكون المشكلة الاجتماعية في عقيدة المرتضى هي النظام والحكم، فإن المعوق الأساسي لنهوض المجتمع الإسلامي وتقدمه يتمثل في انحراف نظام الحكم وفساده. وهذا الرأي يركز على الجانب السياسي للنهضة، معتبراً أن إصلاح النظام السياسي هو المدخل الأساسي لإصلاح المجتمع.

 

وأما في عقيدة شمس الدين والآصفي فهي ذبول الروح النضالية وهي مرض روحي ومعنوي عضال مضافاً إلى المشروعية الأموية، فالمشكلة مزدوجة من جانب معنوي وفكري لدى أمثال الشيخ الآصفي. هذا التوجه يؤكد على أهمية الجانب المعنوي والروحي في عملية التغيير، معتبراً أن إحياء الروح النضالية أساس كل إصلاح حقيقي.

 

وفي عقيدة المطهري فإن الأمة لم تكن تتحمس وتندفع لإحياء تلك الفريضة وقد يكون مرجع ذلك إلى أنها تعاني خللاً وأزمة فكرية في رؤيتها لهذه الفريضة. وهذا الرأي يسلط الضوء على الجانب التربوي والتعليمي، معتبراً أن الخلل في فهم الواجبات الشرعية هو أصل المشكلة.

 

وأما في تحقيق السيد الطباطبائي فإن المجتمع يضيع إذا لم يتم الحفاظ على شخصية أهل البيت عليهم السلام. وهذا التوجه يركز على الهوية الإسلامية الأصيلة ودور القيادة الشرعية في حفظ هذه الهوية.

 

التكامل بين الآراء المختلفة

وأستدعي انتباه القارئ إلى أن هذه المقارنة بين كلمات العلماء رحمهم الله تمثل طريقة أحد الكتاب وهو «سعيد ميرزا النوري» - من وجهة فهم خاصة - أي ليس هناك تقابل ولا تناقض بين تلك الآراء، بل إن الجميع يتحدث بطريقة المتابعة في اكتشاف الأوضاع الاجتماعية والطبيعية العديدة والتي من شأنها أن تضع النهضة موضع المقبولية والتأييد في الرأي العام (نظرية النهضة الحسينية، الصفحات 178-186).

 

وإن كان ما يبرزه بعضهم أظهر مما يبرزه المحلل الآخر في تحليله لدوافع الخير والشر التي صنعت تلك النهضة، فكل رأي متمم لغيره، وتبقى العقيدة الكبرى التي يؤمن بها الجميع هي ما جاء سلفاً على لسان السيد ابن طاووس أن النهضة الحسينية تكليف ومسؤولية غيبية إلهية لا يتضح لدينا الهدف الواقعي الذي تتجه إليه.

 

التمييز بين المبرر والإذن الإلهي

ومن جهة أخرى فإن منهجية البحث في الجهاد المقدس تحتم علينا أن نفرق بين أمرين في دوافعه وهما: المبرر والموجب (الإذن).

 

فالمبرر هو عبارة عن متطلبات اجتماعية وروحية وغيرها من القضايا الظاهرة التي تعطي الحركة تقييماً حسناً في النظر العام. وما يتبقى علينا معرفته هو أنه ليس بالضرورة كلما وجدت المبررات وجد الإذن الإلهي في التحرك، وليس بالضرورة أيضاً كلما أدى السعي وراء تلك المتطلبات العقلانية إلى الموت أو الضرر أن يمتنع الإذن الإلهي.

 

فربما كانت تلك المتطلبات الإنسانية بدرجة من الأهمية يأذن معها الله عز وجل في ذلك الجهاد المقدس مهما كانت نتائجه الوخيمة من قتل واستئصال.

 

وبهذا التفسير نستطيع أن ندرك لم لم يخرج أحد من باقي الأئمة رغم تشابه الصورة التاريخية والدواعي الاجتماعية مع ما مرّ به الإمام الحسين عليه السلام، فإننا نقول إنه قد ظهر التشابه في كثير من الدواعي والمبررات ولكن لم يؤذنوا بالخروج من قبل الله سبحانه لغايات غير متجلية للفهم العام.

 

وبهذا التفسير أيضاً نتمكن من تفهم موقف العديد من الرجالات الذين حذروا الحسين من الخروج غير الضروري في رأيهم لأنه سينتهي بقتله وهدر دمه الذي هو أغلى من كل مطلب، ثم إصراره على خلاف رأيهم - والتعلل في ذلك بالإذن الإلهي صريحاً حتى - قال: «شاء الله أن يراني قتيلاً»، ويقول لأصحابه يوم عاشوراء: «قد أذن الله في قتلي وقتلكم».

 

وفي القراءة النهائية فإن الآراء المذكورة لا تنافي بينها، مضافاً إلى أنك بمتابعة تحرك الأنبياء ومقاومتهم في القرآن سوف ترى أن بواعثها مزيج من المادي الواقعي الاجتماعي والمعنوي الإلهي، وهكذا يجب أن نفهم نهضة وريث الأنبياء الإمام الحسين عليه السلام.

 

إن هذا التنوع في فهم أسباب النهضة الحسينية يثري فهمنا لهذا الحدث العظيم، ويؤكد أن عظمة هذه النهضة تكمن في تعدد أبعادها وشمولية أهدافها، مما يجعلها نبراساً للأجيال في كل زمان ومكان.

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م