| قادة محمديون (الأئمة وبعض الصحابة) | قبسات عن الإمام الرِّضا من آل محمَّد
قبسات عن الإمام الرِّضا من آل محمَّد
علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق
بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحُسين الشهيد بن علي بن
أبي طالب عليه السلام وابن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت النبي
محمد صلى الله عليه وآله، هو ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام عند
الإمامية الجعفرية.
له العديد من الألقاب منها: أنيس
النُّفوس لأنَّ بقربه ترتاح النُّفوس وتُزال الهموم، و أشهرألقابه:
الرِّضَا، حيث تفرَّد بهذه الصِّفة عن بقية آبائه، كما ورد عن ولده
الإمام محمد الجواد عليه السلام رداً على تلك المُغالطة التي كان قد
أشاعها أتباع الدَّولة العبَّاسية، من أنَّ المأمون سابع الخُلفاء
العباسيين هو من سمَّاه الرِضا، لَـمَّا رَضِيَهُ لولاية عهده، وكان
ردُّ ابنه الإمام محمد الجواد (ع) لما سُئل عن ذلك، فقال: « كذبوا
والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالى سمَّاه الرِّضا لأنَّه كان رضى
لله عزّوجلّ في سمائه، ورضى لرسوله والأئمَّة من بعده في أرضه،
ولأنَّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من
أوليائه، ولم يكن ذلك لأحدٍ من آبائه ، فلذلك سُمِّي من بينهم
بـالرضا ».
وقد كَناه جدِّه علي بن أبي طالب
عليه السلام بـ «أبو الحسن»، لذالك يُعرف بأبي الحسن الثَّاني، بعد
جدِّه علي بن أبي طالب عليه السلام المكنى هو الآخر بأبي
الحسن.
ولادته
وشهادته:
ولد الإمام الرضا عليه السلام في
المدينة المنوَّرة يوم الجمعة، وقيل يوم الخميس، الحادي عشر من شهر
ذي القِعدة الحرام، من سنة (148هـ)، وهي السَّنَة التي اُستشهد فيها
جدُّه جعفر الصادق عليه السلام، وقد تَولى الإمامة بعد استشهاد أبيه
الإمام الكاظم عليه السلام سنة (183هـ)، في سنِّ الـخامس والثلاثين،
حيث دامت إمامته حوالي 20 عاماً، إلى أن سقاه الخليفة المأمون
العباسي السُمَّ في عصير العنب، وقيل الرُّمان فاستشهد عن عمر ناهز
54 عاماً في مدينة طوس - المعروفة حاليا بـمشهد- في إيران سنة
(203هـ)، ودُفن فيها بأمرِ من المأمون العبّاسي بجانب أبيه هارون
الرَّشيد، وصار مرقده مزاراً يقصده الملايين من مختلف أسقاع الأرض
.
إمامته:
جاء نصُّ إمامته عن أبيه الإمام
موسى الكاظم عليه السلام في العديد من الرِّويات، نذكر
منها:
«عن أحمد بن مهران عن محمد بن علي
بن محمد بن الفضل قال: حدثني المخزومي قال: بعث إلينا أبو الحسن
موسى عليه السلام فجمعنا، ثم قال: أتدرون لِما دعوتكم؟ فقلنا: لا،
قال: اشهدوا أن ابني هذا-وأشار إلى ولده الرضا عليه السلام - وصييِّ
والقَيِّمُ بأمري وخليفتي من بعدي.... » .
زوجاته
وأولاده:
للإمام الرِّضا عليه السلام أكثر من
زوجة، أشهرهن أم حبيب بنت المأمون العبَّاسي، وسبيكة أم الإمام
الجواد عليه السلام المكنَّات بأمِّ البَنِين، واختلفت كلمة
المؤرخين في خصوص عدد أولاده، حيث أنَّ أشهر الأقوال عند متقدِّمي
العلماء، أنَّه لم يولد له سوى الإمام محمد الجواد (ع)، ولم يخلِّف
سواه من الأولاد، وهناك من ذهب بالقول: بأنَّ له ستَّة أولاد خمسة
ذكور وهم: محمد القانع، حسن، جعفر، إبراهيم، حسين، وبنت واحدة، وقيل
له ولدان وهذا أضعف الأقوال .
صفاته:
عُرف عن الإمام الرِّضا عليه السلام
أنَّه أكثر النَّاس في زمانه إخلاصا لله في زُهده، حيث يُنقل أنَّه
كان يجلس في الصَّيف على الحصير، وفي الشِّتاء على المِسح، ويلبس
الغليظ من الثياب، حتى إذا برز إلى النَّاس لبس أزين
اللِّباس.
كما كان من أشدِّ وأكثر النَّاس
حبًّا للصلاة والمناجاة وتلاوة القرآن، فيُنقل عنه أنَّه كان يختم
القرآن كل ثلاثة أيام مرة، ويقول: لو أردت أن أختمه في أقل من ذلك
لفعلت، لكنِّني ما مَرَرْت بآية قط إلاَّ تفكَّرت فيها، وفي أي شيءٍ
نزلت، وفي أي وقت، وورد في رواية عبد السلام بن صالح الهروي، حيث
قال: « جئت إلى باب الدَّار التي حُبس فيها أبو الحسن الرضا عليه
السلام بِسَرْخَس، فاستأذنت السَّجان فقال: لا سبيل لك عليه فقلت
ولم؟ فقال: لأنَّه ربَّما صلَّى يومه وليلته ألف ركعة، وإنَّما
ينْفتِل من صلاته ساعة في صدر النَّهار، وقبل الزَّوال وعند اصفرار
الشَّمس فهو في هذه الأوقات يُناجي ربَّه».
وأيضا اُشتهر بالكرم وحُسن الخُلق،
ومن ذلك ما حكاه عمه ابراهيم عنه، فقال: « ما رأيت أبا الحسن عليه
السلام جفا أحداً بكلامه قط، ولا رأيته قطع كلام أحدٍ قط حتى يفرغ
منه، ولا ردّ أحداً عن حاجةٍ قط، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط،
ولا رأيته شمَّ أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته يقهقه في
ضحكة قط، بل كان ضحكه عليه السلام التَّبسُّم، وكان إذا نصب مائدته
أجلس عليها مالكيه ومواليه حتى البوَّاب والسَّايس، وكان قليل
النَّوم باللَّيل كثير السَّهر، يُحيى لياليه بالعبادة من أولها إلى
الصبح ».
الإمام الرِّضا عليه السلام
والمأمون العبَّاسي:
عاصر الرِّضا ثلاثة من الخلفاء
العباسيين، أولهم هارون الرَّشيد الخليفة الخامس لعشر سنوات، وأيضا
عاصر بعد هارون الرَّشيد ابنه « محمد بن هارون » المعروف: بالأمين،
الذي لم يدم حكمه لأكثر من خمس سنوات بعدما قتله أخوه « عبد الله
المأمون »، الذي حكم لعشرين سنة، وفي حكمه وبأمر منه استشهد الإمام
الرِّضا عليه السلام بعد مُضي خمسة سنوات من حكم المأمون، وذالك بعد
أن استقدمه من « مَرو » إلى « طوس » .
فالمأمون بن هارون كان سياسيًّا
ماهرا، ويعلم أنَّ الخلافة والإمامة وإمرة المسلمين هي حقٌ لآل علي
وأبناء فاطمة عليه السلام، كما أنَّه يدرك حجم التَّأييد الشعبي
الذي يحظى به الإمام الرِّضا عليه السلام ، لذلك عمل على أن يستقدمه
من مدينة «مرو» إلى « طوس » ليكون بجانبه وتحت نظره، وكذالك ليكسب
تعاطف النَّاس الذين يوالون آل بيت النَّبي محمَّد صلَّى الله
عليه وآله وسلم، ولكن وبعد قدوم الإمام الرِّضا عليه السلام إلى طوس
عاصمة الخلافة العباسة آنذاك، تراءى للنَّاس منه عليه السلام الكثير
من الكرامات حتى اختلفت عليه الوفود، واجتمع حوله أهل طوس، ممَّا
زاد من ريبة وخوف المأمون بعد أن رأى شدَّت تأثُّر وتعلُّق النَّاس
بالإمام الرَّضا عليه السلام، فخشي بذلك على زوال ملكه
وسلطانه.
ففكَّر بحيلة تجعل النَّاس يشكُّون
في نزاهة الإمام الرِّضا (ع)، فعرض على الإمام عليه السلام الخلافة،
ثمَّ أظهر على أنَّه عازمٌ على خلع نفسه عنها وتفويض الإمام الرضا
عليه السلام، فرفض الإمام عليه السلام وأنكر عليه ذلك، وقال له: «
إذا كان الله عزَّوجل قد ألبسك ثوب الخلافة، فلا يحقُّ لك أن تخلعه
بدون إذنه وتعطيه لغيرك، وإذا لم يلبسك الله ثوب الخلافة بل أنت
ألبست نفسك إياها، فكيف تعطي لغيرك ما ليس لك؟!!
»،
ثم عرض المأمون ولاية العهد على
الرِّضا عليه السلام وشدَّد عليه بقبولها، وقيل هدَّده بالقتل إن
رفضها، قاصداً بذلك تنقيص شأن الإمام عليه السلام وتصغير قدره بين
النَّاس، بحيث يُظهره لهم بكونه طلبًا للدُّنيا والرِّئاسة، وبعد أن
قبلها الرضَّا عليه السلام تحت الوعد والوعيد، زاد اختلاف النَّاس
عليه لِـمَا رَأَوا منه من العلم والورع والتَّقوى، والذبِّ عن
الدِّين مُقابل الشُّبهات التي كانت تعصف بالإسلام في زمانه، وهذا
ما زاد من مخاوف المأمون الذي عزم بعد ذلك على قتله، وأوعز لغلامٍ
له اسمه « عبدالله بن بشر» أن يضع السُّمَّ بعنبٍ أو رُمانٍ ثمَّ
يقدمه للرِّضا عليه السلام دون علمه، وحدَّد المأمون اليوم ثمَّ بعث
خلف الرّضا عليه السلام وأحضره مجلسه، وقَدَّم له العنب أو الرُّمان
المسمومين، فقيل أنَّ الرِّضا عليه السلام امتنع عن الأكل واستعفى
المأمون من ذلك، ولكن المأمون أصرَّ إصراراً شديداً، فتناول الإمام
عليه السلام من ذلك وقام ثمَّ خرج .
عبد المالك لِوْصِيف
الجزائري