20 جمادي الثاني 1446 هـ   22 كانون الأول 2024 مـ 5:02 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | حقوق الحيوان |  الإسلام وحقوق الحيوان
2020-08-22   2508

الإسلام وحقوق الحيوان

ما زال الإسلام اكثر تقدما وتوافقا مع متطلبات الحياة العصرية، دون ان يغفل متغيراتها، لأن دستوره كان الأوفق والأشمل والأوسع والادق في متابعة المتغيرات وشمول المستجدات، ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ))(النحل ـــ 89).
ولأن الطبيعة بما تحتويه، تقع ضمن رقعة المعالجات الإسلامية، ومنها المعالجة الحقوقية لكل المخلوقات، كان للحيوان حقه ونصيبه من ذلك، ((وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ))(الأنعام ـــ 59)، ((وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ))(الأنعام ـــ 38).
وحديثنا عن تقدمية وعصرية المعالجات الإسلامية ستأخذنا بالضرورة الى ما منحه الإسلام للحيوان من حقوق، المستحبة منها والواجبة، والتي بمجملها تتضمن حالة من الرفق به ضمن ولاية الإنسان عليه، مع سقوط هذه الولاية فيما إذا أخل الإنسان بشرط من شروطها كالحفاظ على حياة الحيوان المسخر لخدمته او ايذاءه ظلما، مع ان هذه الولاية تستبطن انتفاع الإنسان من الحيوان بشكل عقلائي وشرعي وإلا فأنه ظالم له ومعتدي عليه وعلى الطبيعة والتنوع الإحيائي فيها مما عدها الخالق كمنظومة متكاملة.
وينسحب التسخير هذا من قوله تعالى : (( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ))(غافر ـــ 79 ـــ 80)، ((أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)))(يس ـــ 71 ـــ 73)،((وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ))(النحل ـــ5)، وهو ما يحتم شكران هذه النعمة ومداراة سبل بقاءها فضلا عن احترامها، ومن ذلك ما أوصى به نبي الإسلام سلام الله عليه حيث قال : "للدابة على صاحبها خصال: يبدأ بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضرب وجهها فإنها تسبح بحمد ربها ولا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله ولا يحملها فوق طاقتها ولا يكلّفها من المشي إلا ما تطيق"، بل واعتبر لها حق اخروي، فيروى عن النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله أنه نظر الى ناقة محملة قد اثقلت فطلب صاحبها فلم يجده فقال "مروه أن يستعد لها غدا للخصومة"، كما يروى عنه أنه قال: " ...... ورأيت في النار صاحبة الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة، كانت أوثقتها، لم تكن تطعمها، ولم ترسلها تأكل من حشاش الأرض، ودخلت الجنة فرأيت صاحب الكلب الذي أرواه من الماء"، وأبعد من ذلك ما قاله أمير المؤمنين علي عليه السلام "ارفق بالبهائم، ولا توقف عليها أحمالها، ولا تسقى بلجمها، ولا تحمل فوق طاقتها". 
كما منع الإسلام من قتل الحيوانات الا لغرض شرعي ونفعي وعقلائي كالاستفادة من لحمها او جلدها او وبرها او صوفها او أي شيء اخر معتد بفائدته، حيث قال نبي الإسلام محمد صلوات الله عليه وآله: "ما من دابة، طائر ولا غيره؛ يقتل بغير الحق إلا ستخاصمه يوم القيامة" ، ما دفع امير المؤمنين عليه السلام من اخذ الغرامة عن ذلك بقيمتها فضلا عن عقوبات أخرى على من فعل ذلك، بل منع الإسلام عن مناطحة الحيوانات ومناقرتها بالتسابق، كما منع من اعتبارها علامة للنصب، بعد ان لعن قوما نصبوا دجاجة حية لنبالهم، فضلا عن منعه إتيان الطير بالليل كونه أمانها، وان لا تؤخذ فراخها من اوكارها قبل ان يشتد عودها وتريش وتطير معتبرها في ذمة الله ما لم تطر. 
ونهي النبي الأكرم عن قتل الحيوان ربطا وصبرا، فضلا عن المثلة به حتى ولو بالكلب العقور منها؛ إذ قال سلام الله عليه "لعن الله من مثل بالحيوان"، كما أمر سلام الله عليه الجباة اذا كان في جَبيِهم حيوان:" فإذا أخذها أمينك، فأوعز إليه ألا يحول بين ناقة وبين فصيلها، ولا يمصر لبنها، فيضر ذلك بوليدها، ولا يجهدنها ركوباً، وليعدل بين صويحباتها في ذلك وبينها، وليرفه على اللاغب، وليستأن بالنقب والظالع، وليوردها ما تمر به من الغُدر، ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطريق، وليروحها في الساعات، وليمهلها عند النطاف والأعشاب، حتى تأتينا بإذن الله بدناً منقيات، غير متعبات ولا مجهودات"، كما حذر صلوات الله عليه وآله من إثقال الحيوان بوزن راكبها اعتباطا، حيث قال: "إياكم ان تتخذوا ظهور دوابكم منابرا، فإن الله عز وجل إنما سخرها لكم لتبلغكم الى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فأقضوا حاجاتكم"، وهو ما يثبته رابع أئمة اهل البيت الإمام السجاد عليهم السلام عمليا حين حج على دابته عشرين حجة دون ان يضرها ابدا.
ومن باب توفير الطعام للحيوان البري الذي يحتمل عدم تحصيله على طعام، أوصى الإمام الرضا عليه السلام قائلا: "من أكل في نزله طعاما فسقط منه شيء فليتناوله، ومن أكل في الصحراء أو خارجا فليتركه للطير والسبع"، إما ما يخص ذبحه المبني على داعي عقلائي وشرعي، فقد اوصى الإسلام من يذبح الدواب؛ بجملة اخلاقيات، منها مثلا الرفق بالذبح وإخفاء السكين عن عيني الحيوان، وان لا يحدها أمام عينيه لئلا يميته بذلك ميتتين، وطالبه ان يسرع بالذبح ، فعن الرسول الأكرم أنه قال : "إن الله كتب عليكم الإحسان في كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليريح ذبيح"، كما امر الإمام زين العابدين السجاد عليه السلام بضرورة سقي الحيوان قبل ذبحه، ومنع جده النبي الأكرم سلام الله عليه، ذبح الحيوان الذي له صغار الا اذا كان معلولا او مريضا، حيث قال: "كره ذبح ذات الجنين وذات الدر بغير علة"، ويروى أنه سلام الله عليه رأى حمارا مكوي بوجهه كعلامة لصاحبه، فقال عليه الصلاة والسلام: "لعن الله من وسمه". 
هذه أوجه سريعة مستلة من منظومة حقوقية كبرى احقها الإسلام للحيوان، ورتب عليها واجبات على الإنسان لصالحها، وهي أثبات اخر عن شمولية الإسلام وسعة افق معالجات. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م