| حقوق الحيوان | الإسلام والسبق الحقوقي في تأسيس مفهوم حقوق الحيوان
الإسلام والسبق الحقوقي في تأسيس مفهوم حقوق الحيوان
((والأنعام خلقها لكم فيها دفء
ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون
(6) تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن
ربكم لرؤوف رحيم (7) والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً
ويخلق ما لا تعلمون(8)) (سورة النحل ـ 5 - 8).
يتحدث القرآن الكريم عن الأنعام ـ
وهي من الحيوانات ـ باستفاضة كبيرة، متطرقا لفائدتها الجمة، بما
يُظهر قيمتها كمخلوقات تكمن خلف خلقها حكمة كبيرة، فضلا عما يظهره
هذا الحديث القرآني، وغيره، عن دورها في حفظ النظام البيولوجي
للحياة.
وعلى وضوح ذلك قرآنيا، لم تكتفي
السنة النبوية الشريفة بذلك، حتى راحت تؤكد ما جاء به القرآن
الكريم، وفي موارد ومواضع كثيرة، تستلزم الفرد منا لأن يلي أمرها
أهمية كبرى، بل ويتشرع يتورع في التعامل معها، ابتغاء للأجر
والثواب من ذلك، خصوصا وإن في إكرامها والعطف عليها سببا في دخول
الفرد جنة الله، وفي تعذيبها واهانتها ما يدخله للنار.
ففي المأثور القصصي أن رجلا كان
يمشي بطريق ما؛ أشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج
فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا
الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء
ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له، وغفر له، قالوا،
حتى أن بعضهم سأل النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله قائلا: يا
رسول الله إ لنا في البهائم أجرا؟ فقال صلى الله عليه وآله: "في
كل كبد رطبة أجر"، كما قال صلوات الله عليه وآله: "ما من مسلم
يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا
كانت له به صدقة".
ولم يكتفي القرآن الكريمة ولا
السنة النبوية الشريفة بتبيان فوائد الحيوانات، بل راحا يناديان
بحقوقها ويخلدان فلسفة خلقها، من خلال تسمية بعض السور القرآنية
بأسماء بعضها كسورة البقرة وسورة النحل وسورة النمل فضلا عن سورة
للعنكبوت وسورة الفيل.
وللحديث عن الأسبقية التي سجلها
الإسلام حيال الدعوة لحقوق الحيوان، لابد لنا أن نبين أن ما ذكره
القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والسيرة العصموية من بعد،
كان قبل مئات السنين من أي دعوة دعت لها منظمة حقوقية او بيئية
معاصرة، أذ حدث ذلك يوم كان العالم غارقا في الظلم والاستعباد،
حدث ذلك بلا ضجيج ولا إعلام، وهو ما أوقع بعض المتوهمين ـ أو
المغرضين ـ لتوجيه سهام انتقاداتهم للإسلام حيال تعامله مع
الحيوانات، خصوصا في قضية ذبحها.
وعلى هذا؛ فقد سجل التراث
الإسلامي سبقا حقوقيا في مجال حقوق الحيوان، يُظهر مدى عنايته
بهذا المخلوق الضعيف، حيث يمكن لنا أن نعتبر أن مصطلح "حقوق
الحيوان" إنما هو مصطلح إسلامي تداولته البيئات المسلمة منذ فجر
الرسالة الإسلامية، وهو بذلك ليس مصطلحاً غربياً كما تدعي
المنظمات الحقوقية الغربية، وأبعد من ذلك فأن في التراث الإسلامي
ما يؤكد إلزام الناس ببنود هذه الحقوق وليس مجرد رفعا منها لشعار
أو سبق حقوقي كما يظن البعض.
وأبعد من ذلك، فأن التراث
الإسلامي مليء بالحقائق التي تثبت أن الإسلام لم يكتفي بالأسبقية
ولا بضمان الحقوق المادية لهذه الحيوانات وحسب، بل نادى بضرورة
مداراة مشاعرها، إن صح التعبير، كتحريم لعنها وتحريم ذبح بعضها
قبالة البعض الأخر، ناهيك عن حرمة إيذائها.
من جهة أخرى، فقد أكد الإسلام على
ضرورة حقوقية أخرى، قد تغيب حتى عن المنظمات الحقوقية اليوم، إلا
وهي ضمان نفقة الحيوان ورعايته من قب مالكه، بل ومنح الحاكم
الشرعي التدخل حيال أي تقصير منه حيال ما ملك من حيوان، ناهيك عن
تحريم ما يمكن أن يؤذيها كتحريم مناقرة الديكة او مهارشة الكلاب
او مصارعة الثيران.
من جهة أخرى، فقد اشترك الإسلام
على الاستفادة من الحيوانات بمقابل مداراتها وإطعامها وأمينها من
المخاطر فضلا، إلا فإخلاء سبيلها أولى، خلا المؤذية منها له او
للحيوانات الأخرى، كقتل المفترسات اذا ما أخلت بالنظام الحياتي
للمجموع الحيواني، مع حرمة قتلها اذا كانت تعيش في بيئات خاصة
كالغابات او المحميات المحضورة على الإنسان، كأيمان منه لما يسمى
اليوم بضبط التوازن البيئي، وبذلك فأنه ـ الإسلام ـ أمر بالرفق
بالحيوان في العمل، وأمرنا بعدم تكليفه ما لا يطيق من أعمال، ومن
ذلك ما رواه عبدالله بن جعفر رضي الله عنه الذي قال: أردفني رسول
الله عليه وسلم خلفه ذات يوم... إلى أن قال: فدخل حائطاً (أي
بستاناً) لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي حن وذرفت
عيناه، فأتاه النبي فمسح ذفراه فسكت، فقال من رب هذا الجمل؟ لمن
هذا الجمل؟ فجاء فتىً من الأنصار فقال: لي يا رسول الله . فقال
أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكا
إلي أنك تجيعه وتدئبه.
علميا، نجد الفقه الإسلامي يقف
كثيرا عند موضوع الاستنساخ البيولوجي لبعض الحيوانات ما لم تكن
هنالك مصلحة كبرى وحقيقية.
ظافرة عبد الواحد خلف