20 شوال 1446 هـ   19 نيسان 2025 مـ 3:37 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | حقوق الإنسان |  هل ما نجده من تعامل للمرأة بدونية في المجتمعات الإسلامية منشأه الدين؟
2025-02-26   230

هل ما نجده من تعامل للمرأة بدونية في المجتمعات الإسلامية منشأه الدين؟


مقداد الربيعي

لطالما تعرض الإنسان ـ الرجل منه والمرأة ـ وما زال، لألوان القهر والجور، لكن كانت حصة المرأة منه أكثر على مر التأريخ، وفي مختلف الحضارات، فقد حملت من القيود والمظالم أكثر بكثير مما حمل الرجال، من هنا كان الأمر الأخلاقي بإنصافها أكثر إلزاماً وإلحاحاً.

 

 والإسلام باعتباره ـ من وجهة نظر المسلمين ـ أكثر الأنظمة عدالة وإنصافاً مطالب بتحقيق العدالة للمرأة ورفع الحيف عنها. لكن ما نجده اليوم وفي الماضي من صور ظلم المرأة والتعامل معها بطريقة دونية في المجتمعات الإسلامية يجسد خلاف ذلك، من هنا جاء سؤالنا: هل سبب ذلك هو الإسلام؟!

 

دعونا نبحر في صفحات بدايات الإسلام لنرى كيف عامل الإسلام المرأة، ونقصد بالإسلام متمثلاً بالقرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه واله وأهل بيته عليهم السلام، فقد ساوى بينهم في الخلقة والإنسانية، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً.. الآية)، النساء:1.

 

وفي التكليف، فجاء الخطاب الإلهي عاماً شاملاً للجنسين، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، الأحزاب: 35. وهذا لا يختص بالتكاليف الفردية، بل الأمر في التكاليف الاجتماعية ـ التي يصطلح عليها بالكفائية ـ أوضح، والتي يمكن أن يكون الجامع فيها فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، التوبة: 71. 

 

وكذا في الجزاء، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، النحل: 97.

 

فمن منظور الإسلام لا فرق بين الرجل والمرأة من جهة الخلقة ولا التكاليف ولا الجزاء. نعم خفف عن المرأة بعض التكاليف بما ينسجم مع طبيعتها البدنية وخصوصيتها النفسية، ففي الخبر عن الصحابية أُميمة بنت رقيقة: «جئت النبي صلى الله عليه واله في نسوة نبايعه، فقال لنا: فيما استطعتن وأطقتن».

 

ونتيجة تأكيد القرآن الكريم والنبي العظيم صلى الله عليه واله، قد فهم المسلمون هذه المساواة في الحقوق، وأن كل حق للرجل يقابله حق للمرأة، حتى روي عن حبر الأمة ابن عباس أنه قال: «إنني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي«، كيف وقد علمه القرآن ذلك، قال عز من قائل: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.. الآية)، البقرة: 288.

 

وما الدرجة التي جعلها الحق سبحانه للرجل على المرأة إلا بمعنى القوامة التي تفرضها رئاسته للعائلة، لخبرته الاجتماعية، فالحياة الزوجية حياة اجتماعية، وما من اجتماع إلا وله رئيس، ولا تعني بأي وجه تفضيل الرجل على المرأة، فالقوامة لا تلغي المساواة، وإنما هي نوع من توزيع الأدوار، فالرجل مسؤول فيما يتسق وفطرته التي خلق عليها، كذلك المرأة مسؤولة في الميادين التي تتناسب وخلقتها، ففي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه واله:  «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم ومسؤول عنهم، والرجل راعٍ على اهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم.. الحديث» (مجموعة ورام)، ج 1، ص 6.

 

ولقد جاءت السنة النبوية لتجسد هذا الفهم القرآني في أول البعثة وصدر الإسلام، فبدأت الاستجابة للرسالة بامرأة وهي السيد خديجة بنت خويلد عليها السلام، فعلى يد الإسلام لم تعد المرأة ـ كما كانت ـ من سقط المتاع، ينوب عنها الرجل في الشؤون العامة، وإنما أصبحت لها شخصيتها المستقلة، في التصرفات المالية، وفي اختيارها لشريك حياتها، ورعاية البيت والولد، وفي مختلف ألوان المشاركة في العمل الاجتماعي العام.

 

ماذا حصل بعد ذلك؟

أمران.. أولهما، ابتعاد الأمة عن قيادتها الشرعية، المتمثلة بأوصياء النبي صلى الله عليه وآله وعترته، وتقمص من كان كل همه توسيع رقعة ملكه، فجاءت الفتوحات، ودخلت مجتمعات وأمم جديدة تحت مظلة الدولة الإسلامية، فماجت الحياة الإسلامية بالدخيل والأصيل.

 

والثاني: رافق ذلك ازدهار في الحضارة ووفرة في المال ونمو في العلوم والفنون والآداب، وقد ألقى هذا الترف بضلاله على ثقافة المسلمين، فاجتذبهم لحياة الدعة، وصارت الدولة تعتمد في جيشها ومصدر قوتها، على الفرس والترك والديلم. حتى أن الطبري المؤرخ الكبير يصف آثار الترف التي أصابت العرب، فيقول: «إنها كانت اول وهن على الإسلام، وأول فتنة كانت على العامة». شرح نهج البلاغة، ج11، ص12.

فنشأ من الأمرين بروز طائفة من غير العرب قرروا الإسلام وفق ثقافاتهم وطبيعة مجتمعاتهم، وانعكست هذه التغيرات السلبية، التي برزت في قرون التراجع الحضاري على المرأة المسلمة، فامتلأت قصور الخلفاء والأمراء والقادة بالسبايا والإماء، وبعد أن كان النساء والرجال يتخاصمون ويتحاكمون الى رسول الله صلى الله عليه واله أيهم في الجنة اكثر؟!، وتسابق النساء الرجال الى رسول الله شاكيات يقلن له: غلبنا الرجال عليك، اجعل لنا يوماً تعلمنا فيه!. أصبح التنافس والتسابق بالزينة والأغراء على قلب الرجل، فقامت في الإسلام أسواق الرقيق!! فحدث انقلاب في موقع المرأة، وانفلت المسلمون مما حداهم اليه الإسلام، فرجعوا الى جاهليتهم، وبدلوا من نموذج المرأة المسلمة المجاهدة العالمة والراوية للأحاديث، والحاملة لأمانة التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه واله، الى نموذج المرأة التي تشبع رغبات الرجال، حتى قال بعض الشعراء:

كتب القتل والقتال علينا ....... وعلى الغانيات جر الذيول. بل وتحدث عنها بعضهم كـ(عورة)، لا يسترها إلا القبر، فقال: ولم أر نعمة شملت كريماً ..... كنعمة عورة سترت بقبر.  وقال آخر: ومن غاية المجد والمكرمات .... بقاء البنين وموت البنات.

 

وبينما القرآن يتحدث عن الزواج باعتباره الميثاق الغليظ المؤسَس على المودة والرحمة، والذي يحقق الرحمة والسكينة، يخرج أحد فقهاء العامة وهو أبن القيم الجوزية ليعبر عن واقع عصره، فيقول: «إن السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهي تحت سلطانه وحكمه شبه الأسير». أعلام الموقعين، ج2، ص106.

 

فلما جاء العصر الحديث، وأقحمت الغزوة الغربية على المجتمعات الإسلامية (النموذج الغربي للمرأة)، وهو النموذج الليبرالي الرأسمالي الذي نظر الى المرأة كسلعة، يتاجر بأنوثتها ومفاتنها، أو كندٍ للرجل، منكراً خصوصية المرأة وكرامة الفضيلة والحشمة. وقد تبنى هذا النموذج بعض المسلمين ـ نساء ورجالاً ـ فكان لتطبيقاته سلبيات ما زلنا نعيش آثارها، فكانت المسلمة في مجتمعاتنا بين نموذجين، الأول نموذج المرأة الأسيرة المقهورة والمعزولة، أو ما يعبر عنه البعض بـ (العورة)، وقد تشبثت به التيارات التي تدعي تمثيلها للإسلام من سلفية ونحوهم، والثاني نموذج المرأة المسترجلة والمتحللة، فغدونا بين تيارين متطرفين، ينكر الأول أن هناك حقوقاً للمرأة وينكر الثاني أي حدود لحريتها.

 

من هنا يظهر أن وزر ما تعانيه المرأة في مجتمعاتنا على أصحاب هذين التيارين، والإسلام منه براء، بل أن الإسلام حاول طرح نموذجه الخاص بالمرأة والتنزه عن العادات والتقاليد الموروثة، والتي كانت العودة اليها من مظاهر التراجع الحضاري.

 

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م