

| حقوق الإنسان | كيف ننصر الحسين؟
2025-07-07 8667

كيف ننصر الحسين؟
الشيخ مقداد الربيعي
ما زال نداء الإمام الحسين عليه
السلام في العاشر من محرم يتردد عبر التاريخ: «هل من ناصر ينصرني؟»،
وما زالت هذه الكلمات تهز القلوب وتدمع العيون. إنه نداء لا يقتصر
على زمن محدد أو مكان معين، بل يمتد ليشمل كل عصر ومصر، وكل إنسان
يسعى للحق والعدالة. إن فهم حقيقة نصرة الإمام الحسين عليه السلام
يتطلب منا النظر إلى قضيته لا كحدث تاريخي منقضٍ، بل كرسالة حية
ونهج قيمي يستمر إلى قيام الساعة.
الأمر لا يتعلق فقط بأيام عاشوراء
التي نحييها كل عام، بل يمتد ليشمل كل لحظة من لحظات حياتنا. في كل
زمان ومكان، نحن مطالبون بأن نختار: إما أن نكون من أنصار الإمام
الحسين عليه السلام، أو ممن خذلوه.
هذا الاختيار ليس معقداً كما قد
يبدو، وقد بينه أئمة أهل البيت عليهم السلام حين قالوا: «ما شيعتنا
إلا من اتقى الله وأطاعه». جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص91. فطاعة
الله وتقواه هي نصرة للحسين، أما معصية الله فهي خذلان له ونصرة
ليزيد.
تتسع نصرة الحسين لتشمل كل تفاصيل
حياتنا اليومية. فالبائع الذي يصدق مع زبائنه ولا يبخس الميزان،
والأستاذ الذي يعطي درسه بجودة وإتقان، والعامل المهني الذي يؤدي
عمله حسب الأصول، والزوجة التي تحسن تربية أولادها، والأب الذي يكد
على عياله بلا كلل أو ملل ليسد حاجاتهم - كل هؤلاء هم مناصرون
للإمام الحسين عليه السلام، وصادقون في نصرتهم له.
إن كل عمل صالح، وكل كلمة طيبة،
وكل موقف عادل، هو لبنة في بناء نصرة الحسين. وبالمقابل، فإن كل
حرام أو معصية أو موبقة تُرتكب، إنما تصب في خانة نصرة يزيد وخذلان
الإمام الحسين عليه السلام.
يا ليتنا كنا معكم.. دعوة للحاضر
لا للماضي
إن قضية الحسين عليه السلام عبارة
عن حلقات متصلة، ونصرة الإمام الحسين متاحة لنا في كل لحظة. لذلك،
ليس صحيحاً أن نطلق عبارة «يا ليتنا كنا معكم» في الوقت الذي يكون
تفكيرنا فيه مشدوداً نحو التاريخ فحسب.
نحن بإمكاننا أن نكون الآن مع
الإمام الحسين عليه السلام، وفي كل يوم، وفي كل قضية، وعند كل تحدٍ
وأزمة، لأن قضية الإمام الحسين قضية حية وباقية. ففي أي لحظة نرى
فيها ظلماً اجتماعياً أو غير اجتماعي، ونقوم بمواجهته، نكون مع
الإمام الحسين عليه السلام.
لقد قال النبي صلى الله عليه وآله
وسلم: «إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً». هذه
الحرارة الموجودة في قلوب المؤمنين بالله وبمحمد والمنتمين إلى
الحسين عليه السلام وقيمه، هي التي تستولد تلك الدينامية الخصبة،
التي تنتج ثورة دائمة على الظلم ومواجهة الفساد، ابتداءً من النفس،
وصولاً إلى العالم كله.
إن نصرة الإمام الحسين عليه السلام
ليست مجرد شعار نردده في المناسبات، بل هي منهج حياة ونظام قيم يجب
أن يسود كل جوانب وجودنا. إنها دعوة للعدالة والحق، ونداء للوقوف في
وجه الظلم والفساد، أينما كان وحيثما وُجد.
لقد استجاب الحسين عليه السلام
لنداء الحق عندما كان وحيداً في كربلاء، واليوم يناديننا نحن
لنستجيب لنداء الحق في عالمنا المعاصر. إن كل عمل صالح نقوم به، وكل
موقف عادل نتخذه، هو استجابة لنداء الحسين: «هل من ناصر
ينصرني؟»
فلنكن جميعاً من أنصار الحسين،
بأعمالنا وأقوالنا ومواقفنا، لتبقى قضيته حية في قلوبنا وسلوكنا،
ولتستمر ثورته ضد الظلم والفساد إلى أن يرث الله الأرض ومن
عليها.
رسالة من القلب
يا من تقرأ هذه الكلمات، يا من يحب
الحسين ويتمنى نصرته، اعلم أن الفرصة بين يديك الآن. لا تنتظر معجزة
من السماء، ولا تنتظر ظروفاً مثالية.
ابدأ من نفسك، طهر قلبك من الحقد
والغل، اصدق في تعاملك، أد الأمانة، قل الحق، ساعد المحتاج، واجه
الظلم بالحكمة والشجاعة.
كن صادقاً مع نفسك: هل تريد حقاً
أن تنصر الحسين؟ إذن فلتبدأ نصرتك من هذه اللحظة، من هذا المكان، من
هذا الموقف الذي تعيشه.
الأكثر قراءة
32627
19436