| التبري من اعداء الله | الحب والبغض في الله
الحب والبغض في الله
قد يستغرب البعض عندما يعلم أن بغض
أعداء الله جل وعلا من أوجب الواجبات الشرعية واقدسها، فلا يمكن أن
يستقيم ايمان المرء إلاّ بالتلازم بين حبه لأولياء الله وبغضه
لأعدائه، فبمقدر ما تحث الأخلاق الاسلامية على الحب في الله، فأنها
تحث وتندب الى البُغض في سبيله جل شأنه، لأن الحب والبغض لا ينفصلان
عن بعضهما في حياة المسلم، وإذا ما حاول المرء أن يحب الله وأولياءه
دون أن يبغض أعداءه، فذلك يؤشر عليه بوجود خلل إيماني وعقائدي، وهو
ما اشارت إليه الآية الشريفة: ((.... وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ
إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ
إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ
الرَّاشِدُونَ))(سورة الحجرات ـ 7).
لذلك، فأن سلامة عقيدة المؤمن منوطة
بمشاعر صاحبها تجاه الآخرين، إقبالاً وإدباراً؛ حباً وبغضاً، إذ لا
يمكن أن يحبَ المسلم مشركاً أو كافراً أو عدواً تحت أي عنوان أو
ذريعة شيطانية تُسوِّل له محبته هذه، وإن كان تحت مسمى "حسن
المعاشرة" و "حسن المعاملة" و "الحوار الإنساني" لأن هذه التبريرات
ما هي إلا وسوسة للشيطان، يوسوسها له تحت مسمى قبول الآخر كانسان،
وهو ما يمهد لقبول فعله، وبالتالي الصفح عنه، وتاريخنا الإسلامي
مليئ بالمواقف المثالية التي رفض فيها المؤمنون ذويهم ممن عادى الله
جل شأنه، وهو ما تؤكده الآية الشريفة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ
إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ
يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))(سورة
التوبة ـ 23).
كما ورد عن رسولنا الأكرم صلوات
الله تعالى عليه وآله قوله: "الحبُّ في الله فريضة، والبُغض في
الله فريضة".
وينسحب حب المسلم لمن يحبه لمفهوم
الموالاة، وبغضه لمن يستحق ؛ لمفهوم التبري، خصوصا إذا ما عرفنا أن
أفضل الأعمال عند الله هي الحب في سبيله والبغض في سبيله، فعن
رسولنا الأكرم صلوات الله تعالى عليه وآله قال: "أفضل الأعمال، الحب
في الله والبغض في الله تعالى".
وفي مورد يتسق مع ذلك، فقد بّين
امامنا محمد الباقر عليه الصلاة والسلام ذلك في قوله: "إذا أردت أن
تعلم أن فيك خيراً، فانظر الى قلبك، فإن كان يُحبُّ أهل طاعة الله
عزَّ وجل، ويُبغض أهل معصيته، ففيك خير، والله يُحبُّك، وإذا كان
يُبغض أهل طاعة الله، ويُحبُّ أهل معصيته، فليس فيك خير، والله
يُبغضُك، والمرءُ مع مَنْ أحب".
وفي المأثور عن كليم الله النبي
موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة واتم التسليم بعد سؤال ربه
بالقول:
ـ أيه رب... دُلَّني على العمل الذي هو
لك؟
قال الله جل ذكره:
ـ يا موسى، هل واليتَ لي ولياً، وهل عاديت لي
عدواً قط؟
إذ يكمن معيار الحب والبغض في سبيل
الله في اعتبار مهم ومنطقي، قوامه أن ميزان مشاعر المؤمن حيال
الأخرين متسق وعلاقتهم بالله جل شأنه، على العكس من غير المؤمن ممن
ينسج علاقاته وفقاً لرغباته الشخصية ومصالحه الذاتية، فيقترب من هذا
أو ذاك أو يبتعد عن هذا أو ذاك ، بحسب المنفعة والقوة والغنى
والسلطة والرفاهية، في حين يكون مدار قرب المؤمن وبعده عن الآخرين
بالتسليم لأمر الله، والخضوع لإرادته، والتقرُب لمرضاته، فهو إن
أحبَّ أحبَّ امتثالاً لأمر الله، وإن أبغض أبغض امتثالاً لأمر
الله، بل وأن كل حركاته وسكناته إنما تدور وجودا وعدما مع ما يرضي
الله، لذا ترى أن المؤمن الحقيقي يحبُّ المؤمنين الصالحين
الأتقياء، وإن لم يكونوا من ذويه، كما أنه يبغض أهل الضلالة من
المسيئين والكافرين والظالمين، وإن كانوا من جلدته وقماشته وقرابته،
بُغضاً في الله تعالى، وتبرِّياً من أعداء جل شأنه.
وقد ورد عن النبي محمد صلوات الله
تعالى عليه وآله قوله: "... ولكنَّ أوثق عرى الإيمان الحبُّ في
الله، والبغض في الله، وتولِّي أولياء الله، والتبرِّي من أعداء
الله"، كما ورد عنه صلوات الله تعالى عليه وآله قوله: "يا عبد الله،
أحب في الله وأبغِض في الله، ووال في الله، فإنَّه لا يُنالُ ولايةُ
الله إلا بذلك، ولا يجد الرجلُ طعمَ الإيمان وإن كثرت صلاتُه
وصيامه".
العلوية فاطمة الجابري