19 جمادي الاول 1446 هـ   21 تشرين الثاني 2024 مـ 8:17 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | محمد (صلى الله عليه وآله) القائد |  الأقليات الدينية في دولة النبي الأكرم
2022-01-03   1713

الأقليات الدينية في دولة النبي الأكرم

لمّا كان الدين الإسلامي دينا عالميا، ينشد صلاح وسعادة الإنسان، أنى كان وحيثما يكون، بغض النظر عن انتماءه وعرقه ولونه، فقد حمل بين طياته من السماحة ما يحتوي به حتى المخالف، متوسلا الى ذلك بالدعوة بالحسنى، سيما وأن مجتمع المدينة ـــ باعتبارها حاضرة الدولة الإسلامية ـــ كان يتسم بالتعددية المجتمعية سيما اليهود والنصارى، واقليات أخرى، ما استلزم ان يمنحهم حقوقهم، ومنها، حق العقيدة وحق ابداء الرأي. 

حق العقيدة ...
ولأن الإسلام دين الحرية، فقد حثت بنود دستوره على ضرورة إعمال العقل والتدبر في إحراز العقيدة السليمة، وهو ما جعل الدستور الإسلامي (القرآن الكريم) يصرح بشكل مباشر بأن: ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوثقى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))(البقرة ـــ256)، ولم يمنح احد صلاحية ان يفرض ايمانه على الأخرين بوسيلة الإكراه، ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حتى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ))(يونس ـــ99)، وهو ما يثبت أن الإسلام دين الحرية وليس دين السيف والدم، وهذا ما سنثبته في ما يسمى بحروب الردة والفتوحات الإسلامية، عدا أن ذلك يثبت بالدليل أن حق المعتقد كان سمة إسلامية في دولة النبي الأكرم.
كما ترجم النبي الأكرم صلى الله عليه واله سماحة دينه من خلال بنوده ومواثيقه التي كتبها ليهود بني قريظة وبني القينقاع فضلا عما تضمنته وثيقة المدينة المنورة سالفة الذكر، وقرارات إنسانية أخرى كمنعه إيذاء غير المسلم أي كان انتماءه بل وجعل المؤذي له خصيما للنبي الأكرم ((من آذى ذميا فانا خصيمه يوم القيامة)). 

حق ابداء الرأي ...
كفل النبي الأكرم للناس حق ابداء آرائهم فيما يعتقدون، ومنع من احتكار ذلك او التشبث بناصيته، وحكم بينهم الى ضرورة الإصغاء للأخر ومنحه فرصة أبداء رأيه فضلا عن احترامه، بل وابعد من ذلك احترام معتقده حتى لو كان يخالف الاعتقاد الإسلامي ومن ذلك منعه لسب الكافرين وآلهتهم ((وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كذلك زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إلى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))(الإنعام ـــ 108)، مع ما التزمه من خلق كريم بالتعامل مع الخصم أيا كان، من خلال التعامل الرحيم والبشاشة (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي  الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ))(ال عمران ـــ159)، وسعة الصدر ورحابته وبساطة الوجه وحسن الخلق، بل وقنن للناس قاعدته في ذلك ((انكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق)) باعتبار أن سر رسالته حسب قوله يكمن في مداراته للناس ـــ كل الناس ـــ وهي قاعدته الذهبية في التعامل مع المجموع المختلف وجعلها صنو تبليغه للرسالة وسويتها((امرت بمداراة الناس كما امرت بتبليغ الرسالة)).
وألزم النبي القائد مجتمعه المدني بثقافة الحوار الإثرائي بحيث يكون الحوار طريقه لتفهم الأخر؛ وافهامه بخصوص مختلف القضايا الإنسانية ومنها قضايا الاعتقاد، بل وألزم مواطني دولته بأدب التحاور والحكمة من الاختلاف في الرأي وفقا لكلية إسلامية قوامها أن ((ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِه وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ))(النحل ـــ125) وكلية ((لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ))(فصلت ـــ34).

التنوع الاجتماعي في صدر الإسلام ... مثالية التنظير وعظمة التطبيق
كما هيئ النبي الأكرم لمجتمعه المدني ثقافة الرفض لأي شكل من أشكال التمايز النوعي ومنعه لتحقير نوع على حساب نوع اخر حسب قاعدة (( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍوَأُنثىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ  خَبِيرٌ))(الحجرات ـــ13) ، بل وأعتبر هذا التنوع حالة صحية تستبطن سر من اسرار الخليقة واية من آيات مبدعها الله سبحانه وتعالى ((وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ  َالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذلك لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ))(الروم ـــ22).

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م