30 ربيع الاول 1446 هـ   4 تشرين الأول 2024 مـ 4:54 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-07-14   2186

أبن الهيثم... صاحب علم النفس التجريبي والفيزيقي

هو أبو علي، الحسن بن الحسن بن الهيثم، ولد سنة 965م الموافق 354 هـ في مدينة البصرة جنوب العراق، وتوفي في القاهرة سنة 1040 م الموافق 430 هـ، واكب العصرَين العباسي في بغداد والفاطمي بمصر، عاش ومات في القاهرة عاصمة الدولة الفاطمية، بعد أن قضى فترة من حياته في الأندلس، بدأ مشواره العلمي في البصرة بدراسة العقيدة الإسلامية والكتب العلمية، ثم توجه الى دراسة البصريات والفيزياء والرياضيات والهندسة، كما درس الفلسفة وعلم النفس وغيرها من العلوم التطبيقية والإنسانية الأخرى.
سببت له مقولته الشهيرة، وهو لا يزال في العراق، إحراجا كبيرا في مصر لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملا يحصل النفع في كل حالة من حالاته من زيادة أو نقصان، وحين طرقت هذه المقولة أسماع الخليفة الفاطمي الحاكم لأمر الله، أمر باستدعائه الى مصر لتنفيذ أفكاره في تنظيم فيضان نهر النيل، وكان رأي بن الهيثم هو إقامة سد عليه بنفس المكان الذي ُأقيم فيه سد أسوان الحالي، لكنه صُدِم باستحالة تنفيذه لضعف الإمكانيات وسوء التقدير، غضب الخليفة عليه، فادّعى الجنون خوفا من بطشه، مما حدا بالخليفة الى حجره في منزله طيلة فترة ما تبقى من حكم الخليفة وهي عشر سنوات، استغلها ابن الهيثم خير استغلال في تأليف كتابه الشهير (المناظر).
ألف بن الهيثم بعدها العشرات من الكتب في علوم الفلك والرياضيات والفيزياء والهندسة وعلم النفس، وعلم نفس الحيوان، قبل أن يسافر الى الاندلس لينطلق من هناك الى دراسة علم البصريات والفلك والطب والهندسة. 

منهجه وأعماله:
اتّبع بن الهيثم منهج جابر بن حيان العلمي التجريبي، الذي يقول - والقول لابن حيان ـ وإننا نذكر في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط، دون ما سمعناه أو قيل لنا أو قرأناه، بعد أن امتحنّاه وجربناه، فما صح أوردناه، وما بطل رفضناه، وما استخرجناه نحن أيضا وقايسناه على أقوال هؤلاء القوم.
صحح ابن الهيثم بعض المفاهيم السائدة في ذلك الوقت، والمعتمِدة على نظريات أرسطو وبطليموس واقليدس، منها أن الضوء يصدر من العين الى الأجسام، فأثبت أن الضوء يأتي من الأجسام الى العين، وليس كما كان القوم يعتقدون.
اعتمد بن الهيثم على النظامية والمنهجية في التجربة، كما استخدم المنهج العلمي في تحقيقاته، أضف الى ذلك أن تجاربه استندت الى الجمع بين الفيزياء الكلاسيكية والهندسة، واستخدام منهج الاستنتاج الاستنباطي في مجال البحث العلمي.
كانت لابن الهيثم إسهامات عظيمة في مجال البصريات، حتى عُدَّت بدايةٌ، بل أساسٌ لحقبة جديدة في مجال أبحاث البصريات في المجالين النظري والعملي، فلقد تركزت أبحاثه على دراسة الأنظمة البصرية باستخدام المرايا الكروية والمقعرة والزيغ الكروي، إضافة الى المرايا المسطحة، كما أثبت عدم تساوي زاويتي السقوط والانكسار.
في كتابه الشهير المناظر، كان ابن الهيثم أول عالم قال إن الرؤية تحدث في الدماغ من خلال العينين، لا في العينين نفسيهما، كما درس ظاهرة قوس قزح وكثافة وارتفاع الغلاف الجوي، كما بحث في الكثير من الظواهر الطبيعية والفلكية كالكسوف والخسوف والشفق وضوء القمر، وقد استفاد علماء الغرب القدامى والمتأخرين كثيرا من نظريات وبحوث الحسن بن الهيثم في مجال البصريات والفيزياء والرياضيات وغيرها.
أما في مجال الرياضيات والهندسة فقد اعتمد ابن الهيثم في عمله على أعمال إقليدس وثابت بن قرة، فقد وضع نظرية الأعداد، وهي من أقدم أعمال الهندسة التحليلية، كما وضع نظاما للقطع المخروطي، وربط بين الجبر والهندسة، وقد استفاد رينيه ديكارت من أعماله في تطوير الهندسة التحليلية، وكذلك إسحاق نيوتن في التفاضل والتكامل.
تُعد مخطوطة بن الهيثم (تأثير الموسيقى على أرواح الحيوانات)، أقدم مخطوطة تناولت تأثير الموسيقى على الحيوانات، قال فيها أن الجَمَل تزداد سرعته بالحِداء، كما أجرى تجارب على الطيور والخيول والزواحف.
يقول عالم النفس السوداني المعاصر عمر خليفة ينبغي اعتبار ابن الهيثم، مؤسس علم النفس التجريبي، لجهده الرائد في علم نفس الإدراك البصري والخُدع البصرية، كذلك يعتبر مؤسس علم النفس الفيزيقي، وهو من مقدمات علم النفس الحديث.

مجالات أبحاثه:
- شرّح بن الهيثم العين لأول مرة تشريحا مفصلا موضحا وظائف أعضاءها.
- يعتبر المؤسس الأول لعلم المناظر.
- له دراسات تتعلق بالنظم البصرية باستخدام المرايا الكروية والمقعرة والزيغ كروية.
- أثبت عدم تساوي زوايا الانكسار والسقوط.
- فند العديد من نظريات علماء أوربا المتعلقة بقوى تكبير العدسات.
- فسر نظرية الرؤية بقوله إن الضوء يصدر من الأشياء الى العين لا بالعكس.
- شرح بالتفصيل مبدأ عمل الكاميرا المظلمة.
- له مخطوطة في حركة الكواكب السبعة.
- ميّز الفرق بين علم الفلك والتنجيم.
- لكنه أخفق في قوله إن الأرض هي مركز الكون.

الكاميرا المظلمة:
قدم الحسن بن الهيثم وصفا تحليليا واضحا للكاميرا المظلمة أو الكاميرا ذات الثقب، رغم تعرض أرسطو وثيون الاسكندري والكندي والفيلسوف الصيني موزي، ووصفهم للآثار المترتبة على مرور الضوء من ثقب صغير، الا أنهم لم يتعرضوا الى كون أن هذا الضوء سيظهر على الشاشة  في الداخل ناقلا صورة كل شيء في الجانب الآخر من خلال ذلك الثقب على شكل صورة مقلوبة، فكان بن الهيثم السبّاق في نقل الصورة من الخارج الى شاشة داخلية من خلال تجربته ذات المصباح، فهو صاحب فكرة الكاميرا المظلمة، حتى أن الغرب قد اشتق اسم الكاميرا من اللفظة العربية (القُمرة) فصار اسمها باللاتينيةcamera obscura  والتي تعني الغرفة المظلمة.

مؤلفاته:
- كتابه الشهير المناظر
- شرح أصول إقليدس
- تصويبات على المجسطي
- نماذج حركة الكواكب السبعة
- نموذج الكون
- شكوك على بطليموس
- كيفية الإظلال
- تأثير اللحون الموسيقية في النفوس الحيوانية.
والكثير من الكتب والمقالات والبحوث العلمية، حيث لا تتسع سطور هذه المقالة الى التطرق اليها جميعا.  

تكريمه:
تكريما لمكانته العلمية الكبيرة، أُطلق أسمه على إحدى الفجوات البركانية على سطح القمر، وفي سنة 1999 م أُطلق اسمه أيضا على أحد الكويكبات المكتشفة حديثا وهو (59239 Alhazen)، أما في باكستان فقد سمي كرسي طب العيون في جامعة آغا خان باسمه، وفي العراق طُبعت صورته على وجه ورقة العملة فئة عشرة دنانير القديمة، ثم على وجه ورقة العملة الجديدة فئة عشرة آلاف دينار.
كان الحسن بن الهيثم عالما كبيرا من علماء الأمة العربية والاسلامية، يحق لنا نحن المسلمون أن نفتخر به ونمجّده ونعظّم شأنه، فقد أثرى المكتبة العلمية في الغرب قبل الشرق بكتبه ومخطوطاته ومقالاته وبحوثه العلمية، وتجاربه العملية، وقد استفاد الكثيرُ من علماء الغرب الذين جاءوا من بعده من علمه، مثل ديكارت واسحاق نيوتن وغيرهم.                                

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م