17 شوال 1445 هـ   26 نيسان 2024 مـ 7:04 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-07-20   607

الإسلام ومشروع الحكومة العالمية

شاءت الإرادة الإلهية أن يكون الدين الإسلامي؛ دينا لكل البشرية ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ولكن أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (سبأ - 28)، لذلك تأطر منهجه بقوانين وتشريعات نظمت حياة الناس وعلاقاتهم بالله والكون؛ وفيما بينهم ايضا، دون تمييز أو نظر لأي تصنيف عرقي او جنسي او لوني، فالكل أمامه سواسية كأسنان المشط، وقد شكل هذا التساوي أساسا في مبانيه العقدية والفقهية حيث النظرة الشمولية للناس في قوانين تأسيس دولة العدل الإلهي بحكومتها العالمية.
كما إن اهتمام الدين الإسلامي بالجانب الدنيوي للإنسان؛ يُعد مقدمة صحيحة وإعدادا مناسبا للجانب الأخروي من حياته كنتيجة ملازمة لتلك المقدمة، خاصة وهو الذي جعل الله خليفته في الأرض ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ))(البقرة - 30)، لذلك كان هدف الإسلام من الحكومة العالمية هو بناء حياة منظمة وفق شريعة الله العادلة بما يحفظ كرامة الإنسان وحقوقه وواجباته تجاه المجتمع الذي يعيش فيه، لتُحقق بذلك غايته بالسعادة في الدارين، ولأجل ذلك كان مشروع الحكومة العالمية الإسلامية حاضرا في الدستور الإسلامي (القرآن الكريم) منصوصا عليه كوعد الهي، حيث وعد الله بظهور الدين الإسلامي على باقي الأديان ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ))(التوبة -33)، وهذا الوعد يُعد من سنن الله التي لا تقبل التبديل أو التحويل ((فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا)) (فاطر-43).
كما إن هذا الظهور أو الغلبة للدين الإسلامي على باقي الأديان يُعد هو الأخر بعدا سياسيا مضافا للبعد الديني والأخلاقي له، حيث يُمهد لإنشاء الدولة العالمية التي تفضي إلى تطبيق تعاليم الدين الإسلامي على الإنسانية جميعا، وهو ما سينسحب على كل مجالات الحياة، لا بل يتعداها الى مسألة الإعداد السليم للعالم الآخر، عالم الجزاء الذي فيه خلود النفس البشرية، ومما يؤكد ذلك الوعد ويعززه هو وعد الله للصالحين من العباد بأن يكونوا هم الوارثين للأرض مستقبلا، وبقيادتهم يتم تحقيق دولة العدل الإلهي الموعودة، ليستحقوا بذلك عن جدارة حمل الأمانة الإلهية، لذلك جاء النص الإلهي صريحا واضحا بهم ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ))(الأنبياء-105).


الإمامة والقيادة السياسية
إن التجمعات والتكتلات البشرية الأولى منذ بدء الخليقة وعلى مختلف مسمياتها، كانت تعيش وفق شريعة الغاب من خلال الإغارة بعضها على بعض، ما يُسبب قتل العديد منهم، إضافة للسلب والنهب الذي يجري من المنتصر على الخاسر، ونتيجة لعامل الخوف الذي كان ينتابهم جراء هذا العدوان المتبادل والمتكرر؛ أصبحت الحاجة ملحة لإيجاد قانون عام ينظم العلاقات فيما بينهم بما يمنع ويصد هذا العدوان ويشيع السلام في ديارهم، تُقدم فيه كل الأطراف تنازلات بعضها للبعض الآخر عن بعض حرياتها، لأجل أن يحتمي الجميع بظل قانون يحميهم من كل النزعات العدوانية التي كانت سائدة بينهم، وبما أن القانون يحتاج إلى قوة تنفيذية لتطبيقه، والى شخصية قيادية تحرص على هذا التطبيق تتمثل (بالقائد أو الإمام)،الذي أصبح وجوده ضرورة ملحة؛ كونه الموجه والمسدد للأمور بحسن تصرفه، ولمؤهلات ومميزات تتوافر في شخصيته يتم على أساسها اختياره ككبر عقله وتراكم خبرته وحلمه وقوة تحمله وصبره في الملمات، فكان لكل أمة قائد يكون حريصا في قيادته على مصلحتهم، وبما أن الإسلام قد ظهر في وسط بدائي مشابه للحياة البدائية القبلية، حيث يعيش فيه الناس على الغزو بين القبائل؛ فكان لابد من تطبيق قوانينه من قبل إمام قائد يكون بحكم السلطة التنفيذية المسؤولة عن تطبيق هذا القوانين، ولتداخل الإمامة الدينية والسياسية في الإسلام؛ كان اصطفاء الرسول محمدا نبيا وقائدا وإماما ضرورة حياتية ودينية لهم يحرص على تطبيق القوانين والتشريعات الإسلامية التي حرمت القتال والعدوان ما بينهم، ولأن الرسول الأكرم بشر محكوم بسنة الموت ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ  ))(الزمر-30) تطلب ذلك ترشيح قادة من صفوة العباد ليكون على عاتقهم قيادة المسلمين والحرص على الإسلام والمسلمين من خلال تثبيت نظامه والسير وفق قوانينه وتشريعاته، فكان الأئمة من آل محمد هم الصفوة التي اختارها الله ((إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٣٣﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))(آل عمران-33-34)، لأجل تطبيق شرعه وسياسته في الرعية، كما جاءت من عنده دون تحريف.


تطور النظم السياسية الحالية
إن شريعة الغاب حيث الحروب والاقتتال بين الناس هو ما كان سائدا قبل تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية للإنسان،  ما دفع الناس لإيجاد نظام عقد اجتماعي يوفر الحماية لهم وينظم حياتهم وفق قوانين أخلاقية تحفظ حقوق الجميع وتمنع الاعتداء فيما بينهم، ليكون الكل خاضع لهذا القانون، وليكون تجمعهم عنصر قوة في ظل القانون الذي ينتظمون تحت لواءه، بدل التناحر والصراع الذي يفضي لتشتتهم، ولأجل ذلك بدأ الإنسان يعرف قيمة التجمع الذي فيه درء للأخطار وفيه التخلص من عقدة الخوف التي تلازمه نتيجة الشتات، حتى بدأ التجمع من الأسرة التي تعد النواة ثم تطور الى مفهوم العشيرة والقبيلة ثم نظام الدولة حيث شكلت الهوية الوطنية بعناصرها الثلاث؛ الأرض والناس والقانون.
الا إن شهود التأريخ العالمي على ولادة دول وإمبراطوريات كبرى منذ القدم كالدولة الرومانية والفارسية ومن ثم دولة الإسلام والتي جرت بينها حروب وصراعات كبرى كانت أهداف أغلبها الطمع بما لدى الغير من ثروات، أو لنشر ديانة كالمسيحية أو الإسلام، وقد جرى التأريخ على هذا المنوال حتى العصور الحديثة حيث جرت حربين عالميتين راح ضحيتها ملايين البشر؛ والهدف دائما هو حب السيطرة والنفوذ على موارد وممتلكات الآخر، حتى نشأت نظم سياسية جديدة (في حينها) كنتيجة للحربين العالميتين، وقد تعددت أسماؤها وتصنيفاتها فكان منها النظم الدكتاتورية التي تجسدت في حكم العسكر في أوربا الاشتراكية سابقا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، في حين كانت هنالك انظمة تحتكم لحكومة الحزب الواحد على منوال موجدها لينين بالحزب الشيوعي السوفيتي، والأنظمة الملكية المطلقة، والملكية الدستورية، ومن ثم الأنظمة الديمقراطية التي تؤمن بانتخاب الرئيس من خلال صناديق الاقتراع، وهي من أفضل الأنظمة السياسية الموجودة حاليا رغم أنها لا تخلو من عيوب ولا ثغرات، الا أنها تبقى صناعة بشرية استخدمت قدرات العقل البشري وتراكمات خبراته التجريبية في إيجاد نظام سياسي يحفظ كرامة الإنسان ويحقق له أسباب سعادته، وخير ما توصل إليه الإنسان لحد الآن هو نظام الدولة الديمقراطية  الذي يجعل القانون فوق الجميع ويتعامل مع الفرد ضمن صفة المواطنة ضامنا له حريته في التملك والرأي والانتماء والتعليم والترشح لأي منصب يرى فيه قدراته. 
الا إن نظرة الإسلام للنظم السياسية الحالية في ظل غيبة الإمام والقائد المنصب إلهيا تختلف من واحد لآخر كل حسب قربه وبعده من تحقيق مصالح شعبه، بما لا يتعارض مع القوانين والتشريعات الإسلامية التي همها سعادة الإنسان أولا وأخيرا، لذلك يرى الإسلام حاليا أن النظم الديمقراطية هي الأقرب من تحقيق ذلك الهدف حيث تحقق الحريات الشخصية للإنسان تحت مظلة القانون لحين تحقيق دولة العدل الإلهي بقيادة الإمام المعصوم الإمام الحجة. 


الحاجة إلى التكتلات والتحالفات
إن الفوارق الكبيرة بين الدول سواء كان منها على مستوى الحجوم حيث الدول الأصغر مساحة وسكانا، الى الدول الكبيرة بالمساحة والسكان، والتي قد تطمع بغزوها، مما دعى الأصغر لطلب الحماية من الغير، أو التكتل معه بتكتلات عسكرية، بقصد حماية النفس من عدوان الغير، أو تذويبا منها للفارق العلمي والتكنلوجي الذي يتبعه فارقا شاسعا في البنية الاقتصادية ما قسم العالم الى دول غنية وأخرى فقيرة، والذي أسس لأزمات تعصف بالعالم المتحضر حيث تكدس رأس المال بيد دول ذوات اقتصاديات كبرى مهيمنة على الاقتصاد العالمي، ودول اقل اقتصادا حيث أثقلتها بالديون، وفوائد الديون المستحقة عليها، مما سبب ويسبب انهيارا لاقتصاداتها، يتبعه فقر لشعوب الأغلبية من هذه الدول، بما يشكل فوارقا تتعدد وجهاتها بحيث لا يمكن التغاضي عنها، مسببة مشاكل اجتماعية عدة، مما ينذر بمجموعة أزمات وحروب وأعمال إرهابية تهدد السلم العالمي، كذلك الفارق في القوة العسكرية ما بين الدول حيث الدول الكبرى النووية والدول الضعيفة في تسليحها؛ كل ذلك أدى إلى إنشاء تكتلات وتحالفات سياسية وعسكرية همها تأمين جانب ضعيف من الجوانب مكشوف عند الآخر المعادي، لذلك تأسست أحلافا عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية كحلف وارشو المنحل بين دول المعسكر الشيوعي، وحلف شمال الأطلسي بين دول المعسكر الغربي والذي ما زال حيا يمارس مهامه بترأس الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي ويضم في عضويته دولا من آسيا كتركيا، كذلك ولدت تجمعات اقتصادية عديدة كان همها حماية المنتجين وتنظيم الهيمنة على الأسواق العالمية ، مثل مجموعة الدول الثماني الصناعية، أو مجموعة العشرين، أو الاتحاد الأوربي. 

فكرة الدولة العالمية الموحدة
إن التفكير في كيان سياسي عالمي موحد يسير وفق قانون دولي واحد تخضع له كل دول العالم من أجل حفظ السلام العالمي بين هذه الدول، هو حاجة وضرورة للخلاص من الأزمات الدولية المتراكمة نتيجة التشابك في العلاقات الدولية والتقارب بين الدول بعد التطور التكنلوجي الهائل والثورة في عالم المواصلات والاتصالات، وهذا تفكير قديم منذ عصور الدولة اليونانية والرومانية، ففي عام 1625 كتب القانوني الهولندي (هوغو غور تيوس) كتابه قوانين الحرب والسلام وهو عمل ينظر إليه كنقطة البداية في القانون الدولي.
من جهة أخرى، ففقد اخذت فكرة قيام الدولة العالمية مطلع القرن الثامن عشر اهتماما كبيرا، حيث تأسست في هذه الحقبة الزمنية؛ الولايات المتحدة الأمريكية كأول فدرالية ديمقراطية حديثة وذلك عام 1788، وهي التي كتب عنها الفيلسوف (كانت) مقالته في أسس تنظيم العلاقات الإنسانية وقد وضعها في ثلاثة أسس أولها طبيعة النظام الجمهوري والدستور المدني فيه، فضلا عن الأس الثاني المتمثل في الجنبة الدولية للقانون الذي تحتكم اليه أسس الفدرلة فيها، وثالها هو طبيعة حقوق المواطنين العالميين المحكومة بحكومة القانون العالمي.
ومن ثم أنشأت عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 لمنع الصراعات الدولية المدمرة والتي تبنت الميثاق العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، لتتطور فيما بعد الى هيئة الأمم المتحدة بواجهته الأهم؛ مجلس الأمن الدولي الذي ضم الدول الخمسة الكبار صاحبة قرار الفيتو إضافة إلى عشر دول غير دائمة العضوية مهمة المجلس هو الحفاظ على السلام والأمن الدوليين حيث يتخذ القرارات بذلك؛ على تنوع طبيعة قراراته بين صفتي الالزام والالزام الأدبي (التوصيات).
وما ان انهيار الاتحاد السوفييتي لتجدد فكرة الحكومة العالمية، وزاد الاهتمام بالحكومات الفدرالية العالمية فضلا عن الاهتمام بعالمية حقوق الإنسان حيث إعلان روما عام 1998 الذي ولدت من رحمه المحكمة الجنائية الدولية عام 2002.
كما إن قيام الاتحاد الأوربي ومن بعده الاتحاد الأفريقي وباقي المنظمات والتجمعات كجامعة الدول العربية وجمعية بلدان شرق آسيا وجامعة أمم جنوب أمريكا، كلها بحكم التمهيد والتفكير بقيام الدولة العالمية الموحدة، خصوصا وأن وجود منظمة الأمم المتحدة كمؤسسة دولية لتنسيق النشاطات السياسية والاجتماعية والعلمية والتواصل بين الدول بعديد مؤسساتها يشكل اشبه بالضابط والمعيار لهذه الدول والمؤسسات.
ومهما يكن التفكير البشري في تأسيس الحكومة العالمية عاليا، ومهما حاول تنفيذ ذلك؛ بخطوات عملية قام بها، ويقوم؛ يبقى مستوى التنفيذ متعثرا نتيجة الأهواء والتفكير بالمنافع المادية وجدواها في كل قرار يتخذه، لذلك لا يرقى لمستوى التخطيط الإلهي والتنفيذ في بناء هذه الدولة، فالإرادة الإلهية غالبة على أمرها ((وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (يوسف -21)، حيث لا مانع يقف بوجه إرادة الله، كذلك غياب المصلحة أو المنفعة المادية لله في كل ذلك، فهو مالك الملك ولا مالك غيره، ولا مصلحة له إلا إسعاد مخلوقاته فهو الغني بذاته ولا حاجة له بمخلوق فقير، من هنا تكون دولة العدل الإلهي التي سيقودها الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه؛ متحققة لا محالة؛ والنصر حليفها؛ لأنها مؤيدة بالتأييد الإلهي، وتسير وفقا لإرادة الحق المنصورة بسنن الله التي لا تقبل التبديل ولا التحويل ((وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)) (الإسراء -81). 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م