7 جمادي الثاني 1446 هـ   8 كانون الأول 2024 مـ 12:42 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-08-07   1852

التلمذة وما عليها.. نبذة من حق المعلِّم بمنظور أهل بيت العصمة

أوجب الإسلام لمن يعلِّم الناس حقاً عظيماً يتناسب مع عظمة العلم والمعرفة، وقد نقل لنا القرآن الكريم رغبة موسى عليه‌ السلام ـ وهو من أولي العزم ـ في طلب العلم، وكيف صَمّمَ على بلوغ هذا الهدف السامي مهما كانت العوائق ومهما بعد المكان وطال الزمان، بقوله تعالى على لسان نبيه موسى عليه السلام((.... لا أبرَحُ حتى أبلُغَ مجمعَ البحرينِ أو أمضِيَ حُقُبا))(سورة كهف ـ ٦٠) ، ولما وجد العبد الصالح وضع نفسه موضع المتعلم ، وأعطى لأستاذه حق قيادته وإرشاده، قائلاً له : ((هل أتَّبِعُكَ على أن تُعلّمنِ ممَّا عُلّمت رُشداً))(سورة الكهف ـ ٦٦)، فإذا نَبهه إلى أمر تنبّه، وإذا انكشف له الخطأ سارع إلى الاعتذار من استاذه ووعده بالطاعة، وأعطى بذلك درساً بليغاً في أدب المتعلم مع المعلّم.
وكان النبي الأكرم صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم يصرح بانه بُعث معلّماً، ودعا في أحاديث عديدة إلى مراعاة حق العلم والمعلِّم. وتناولت مدرسة أهل البيت عليهم‌ السلام حقوق المعلم والمتعلم معاً بشيء من التفصيل وحثت على إكرام المعلم وتبجيله، لكونه مربّي الأجيال.
فها هو إمامنا زين العابدين عليه ‌السلام يدلنا برسالته الحقوقية العظيمة، على قيمة المعلم بعبارات تحمل معاني التقدير والعرفان بالجميل، فيقول عليه الصلاة والسلام: "حق سائسك بالعلم: التعظيم له، والتّوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، والاقبال عليه، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب، ولا تحدّث في مجلسه أحداً، ولا تغتاب عنده أحداً، وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء، وأن تستر عيوبه، وتظهر مناقبه، ولا تجالس له عدوّا، ولا تعادي له وليّاً، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للنّاس".
وانطلاقاً من حرص الإسلام الدائم على انسياب حركة العلم، وعدم وضع العقبات أمام تقدمه وانتشاره، طلب من المعلم أن يضع نصب عينه حقوق المتعلّم، فيسعى إلى ترصين علمه، واختيار أفضل السُّبل لإيصال مادته العلمية، ولا يُنفّر تلاميذه بسوء عشرته.
ومن المعلوم أن الأئمة عليهم ‌السلام قد اضطلعوا بوظيفة التربية والتعليم واعطوا القدوة الحسنة في هذا المجال، وخلّفوا تراثاً علمياً يمثل هدىً ونوراً للأجيال؛ فمن حيث الكفاءة العلمية فهم أهل بيت العصمة، ومعادن العلم والحكمة، ومن حيث التعامل الأخلاقي فهم في القمّة، بدليل أنّ الطلاّب يقصدونهم من كلِّ حدب وصوب، ويسكنون لهم كما يسكن الطير إلى عشّه، وكان الإمام الصادق عليه ‌السلام يشكّل الاُنموذج للمعلم الناجح الذي يقدّر العلم حقّ قدره، وقد جمع إلى علميته الفذّة أخلاقية عالية.. قال الحسن بن زياد: "سمعتُ أبا حنيفة وقد سُئل عن أفقه من رأيت، قال: "جعفر بن محمد"، وقال ابن ابي ليلى: "ما كنتُ تاركاً قولاً قلته أو قضاءً قضيته لقول أحد إلاّ رجلاً واحداً هو جعفر بن محمد"، وقال فيه مالك بن أنس ـ أحد أئمة المذاهب الاربعة ـ : "كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم اخضرَّ واصفرَّ"، وقال مالك أيضاً: "ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد فضلاً وعلماً وورعاً"، ثم أشاد بزهده وفضله، وعلى الرغم من كونه يمتاز بشخصية محببة كانت له هيبة وجلالة في قلوب الناس.
وقد روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمرو بن المقدام، قال: "كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنّه من سلالة النبيين".
وللأساتذة المتحلين بالأيمان والخلق الكريم، مكانتهم السامية، وفضلهم الكبير على المجتمع، بما يسدون اليه من جهود مشكورة في تربية أبنائهم، وتثقيفهم بالعلوم والآداب. فهم رواد الثقافة، ودعاة العلم، وبناة الحضارة، وموجهو الجيل الجديد؛ لذلك كان لهم على طلابهم حقوق جديرة بالرعاية والاهتمام، وأول هذه الحقوق هو أن يوقرون من طلبتهم وتلاميذهم، ويحترمون احترام الآباء، مكافأة لهم على تأديبهم، وتنويرهم بالعلم، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح، وقد قيل للإسكندر: "انك تعظّم معلمك اكثر من تعظيمك لأبيك!!!"، فقال: "لأن أبي سبب حياتي الفانية، ومؤدبي سبب الحياة الباقية".
وحسبك في فضل المعلم المخلص وأجره الجزيل، ما أعربت عنه نصوص أهل البيت عليهم السلام: فعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: "يجيء الرجل يوم القيامة، وله من الحسنات كالسحاب الركام، أو الجبال الراوسي فيقول: "يا رب أنى لي هذا ولم أعملها؟" فيقول: "هذا علمك الذي علمته الناس، يعمل به من بعدك".
وعن الإمام أبي جعفر عليه السلام، قال: "من علّم باب هدى فله مثل أجر من عمل به ولا ينقص أولئك من اجورهم شيئاً، ومن علّم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من عمل به ولا ينقص من أوزارهم شيئاً".
ومن حقوق الأساتذة على الطلاب: تقدير جهودهم ومكافأتهم عليها بالشكر الجزيل، وجميل الحفاوة والتكريم، واتباع نصائحهم العلمية، كاستيعاب الدروس وإنجاز الواجبات المدرسية، فضلا عن حقهم في التسامح والإغضاء عما يبدر منهم من صرامة أو غلظة تأديبية، تهدف الى تثقيف الطالب وتهذيب أخلاقه.

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م