20 شوال 1445 هـ   29 نيسان 2024 مـ 8:35 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2024-03-29   94

حقيقتان علميتان كشفهما القرآن قبل العلم في تكوين الجبال

من المعجزات البلاغية البديعة في القرآن الكريم استخدامه لمفردتين تحملان دلالات متباينة وتبعثان في النفس إيحاءات تصويرية مختلفة، وهما كلمتي (نصب) و(ألقى)، في سياق الإشارة إلى نشأة الجبال، حيث يقول سبحانه: (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)، الغاشية: 19، وفي موضع آخر: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ)، النحل: 15. 

تكشف دراسة المصطلحات القرآنية ومقارنتها بالمعارف العلمية المعاصرة عن دقة لا مثيل لها في اختيار الألفاظ. يوضح علم الجيولوجيا أن الجبال تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسة بحسب طريقة تكوينها: الجبال الالتوائية، والجبال الكتلية، والجبال البركانية. ومن هنا، يتبين أن تكوين الجبال الالتوائية والكتلية يتم من خلال (النصب)، في حين أن الجبال البركانية تتكون عبر (الإلقاء).
الجبال (المنصوبة)، كما في قوله تعالى (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ)، الغاشية: 18-19، تدل على الجبال التي ترتفع نتيجة لتصادم الصفائح التكتونية أو نتيجة لارتفاع كتل صدعية، والعملية تؤدي إلى ارتفاع هذه الجبال فوق سطح الأرض. 
أما الجبال (الملقاة)، فهي تلك التي تكونت عن طريق ما تقذفه البراكين من مواد في باطن الأرض، مما يؤدي إلى تراكم طبقات جديدة تزيد من ارتفاع الأرض، كما في قوله تعالى: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)، النحل: 15. وقد وصف ويليام كامبل تكون الجبال البركانية بقوله: «وهناك أنواع أخرى من الجبال تكونها البراكين، إذ تلقى thrown up الحمم والرماد من داخل الأرض، فيتراكم ذلك حتى يتشكل جبل عال». The Quran and the Bible: In the Light of History and Science, p172
هذا التمييز اللغوي الدقيق يجسد براعة القرآن في توظيف اللغة لتقديم مفاهيم علمية بعمق ودقة، والذي لم يكن ليتصوره العقل البشري في عصر نزول القرآن، بل استغرق البشر قرونًا طويلة حتى توصلوا إلى هذه المعارف عبر التقدم العلمي. لذلك، يعد هذا التنوع في التعبير ليس فقط دليلاً على إعجاز القرآن الكريم، بل وأيضًا على ربطه الدقيق بين اللغة والواقع الطبيعي بصورة تفوق الإدراك البشري في ذلك الوقت.
الحقيقة العلمية الأخرى التي سبق القرآن بها العلم، هي وصف القرآن الكريم للجبال تارة بانها أوتاد، قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) النبأ: 6-7. وأخرى بأنها راسية، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ)، المرسلات: 27، وقال ايضاً: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ..)، الرعد:3، وهذه الأوصاف دالة على معنى واحد، فهي راسية على الأرض كما ترسو السفينة على الماء، فينزل جزء منها تحت الماء ليحقق التوازن المطلوب للاستقرار، وهي وتد منغرسة في الأرض تثبت نفسها بانغراس جزئها الأسفل تحت سطح الأرض.
 ويشهد العلم الحديث اليوم على دقة الوصف القرآني العجيب للجبال، والذي لم يُعرف إلا في الزمن المتأخر بعد دراسات جادة من العلماء المتخصصين؛ حتى قال الجيولوجي سيمون لامب: «كان اكتشاف أنّ للسلاسل الجبلية جذورًا عميقة في الأرض واحداً من أكبر الاكتشافات الجيولوجية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين». Violent Earth, p46 
ويقول الجيولوجيان الأمريكيان الدردج .م. مورز، وروبرت ج. تويس في كتابهما (تكتونيات)، تحت عنوان تشكل جذور الأرض: «جذور الجبال هي مواضع أكبر من السماكة العادية للقشرة الأرضية التي تدعم كل أحزمة الجبال القارية في العالم. في الحقيقة، الشكل المرتفع للجبال قائم لطبيعة السند الإيزوستاتي المتاح بسماكة قشرة الأرض التي تطفو» في دثار أكثر كثافة». Tectonics, p234

 وقد تم الكشف عن حقيقة جذور الجبال على يد الفلكي جورج إيري الذي بيّن أنّ الجبال تطفو على القشرة العليا للأرض، وتثبت نفسها بانغراس جذرها الطويل في طبقة الوشاج بصورة تتناسب طردياً مع علوها فوق قشرة الأرض، وهو ما يُعرف علميًا بـ isostasy . 

لا يتوفر وصف للصورة.


وبما تقدم يتضح مدى صدق مقالة أمير المؤمنين عليه السلام في وصف القرآن الكريم، حين قال: «اصْطَفَى اللَّه تَعَالَى مَنْهَجَه وبَيَّنَ حُجَجَه - مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ وبَاطِنِ حُكْمٍ - لَا تَفْنَى غَرَائِبُه ولَا تَنْقَضِي عَجَائِبُه.. الحديث». نهج البلاغة، ص، 212.
الشيخ مقداد الربيعي – باحث وأستاذ في الحوزة العلمية

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م