7 جمادي الثاني 1446 هـ   8 كانون الأول 2024 مـ 1:16 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2024-04-03   262

للذكر مثل حظ الأنثيين.. إشكالية الإرث المتجددة وإجابة حاسمة

لطالما كانت النظرة الجزئية غير المستوعبة لتمام التفاصيل نظرة قاصرة تورط الإنسان بأحكام خاطئة، وإن غُفر ذلك لغير الباحث المتخصص، فإنه لا يُغتفر لمثله، إذ الاستقراء التام والتأكد من جميع الحالات هو قوام العلم الهادف للوصول الى الحقيقة، من ذلك ما يُثار بين الفينة والأخرى حول ذكورية الإسلام، والحيف الذي لحق بالمرأة في مسألة التوريث والشهادة ونحوهما، كونه أعطاها نصف ما أعطى الرجل، إشارة الى قوله تعالى في ميراث الأخوين من الآباء: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.. الآية)، النساء: 11، وعليه فالإسلام ذكوري، وأنه يقدم الرجل على المرأة في مناحي الحياة!!

مع وضوح أن هذا الفهم مجتزئ من النسيج التشريعي الإسلامي، الذي لا يمكن فهمه إلا بربطه ببقية أحكام الأنفاق والكفالة المالية داخل منظومة هذه الشريعة. 
فلو كانت الذكورة هي السبب في زيادة حصة الرجل، لكان من اللازم زيادة حصته في جميع صور وحالات الإرث، مع إننا نجد الإسلام قد ساوى بين الرجل والمرأة في موارد أخرى، كما قوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)، النساء: 11، فساوى بين الأب والأم، وقوله تعالى أيضاً: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)، النساء: 12. فساوى بين الأخ وأخته.
بل قد زادت حصة المرأة على حصة الرجل في مواردٍ عدة، كما في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ.. الآية)، النساء: 11، فزاد سهم البنت على سهم الأب. 
ومن الموارد التي تزيد فيها حصة المرأة على حصة الرجل، لو ماتت المرأة ولها زوج وبنت، فللزوج الربع، والباقي للبنت.
بل هناك من فروض الإرث ما ترث فيه الأنثى دون الذكر، كما لو توفى الأب وكانت له بنت، وأخ، فإن الإرث بجميعه للبنت دون الأخ، كونها من الطبقة الأولى للمواريث وهو من الثانية.
فبحسب وجهة نظر الدكتور محمد عمارة يقوم تقسيم الإرث في الإسلام على أسس لا علاقة لها بتفضيل جنس على آخر، وهي: 
أولاً: صلة الوارث بالميت، ودرجة قرابته له، فأقارب المتوفى على ثلاث طبقات: 
الطبقة الأولى: طبقة الآباء والأبناء، والطبقة الثانية: الأجداد والجدّات، والإخوة والأخوات أو أولادهما عند فقدهما، والطبقة الثالثة: الأعمام والأخوال والعمّات والخالات، وإذا لم يوجد أحد منهم قام أبناؤهم مقامهم ولوحظ فيهم الأقرب فالأقرب. انظر، (المسائل المنتخبة للسيد السيستاني).
فإذا كانت الأنثى من الطبقة الأولى أي أنها بنت المتوفى فإنها تحرم الأخ لأنه من الطبقة الثانية، فضلاً عن العم والخال ونحوهما لأنهم من الطبقة الثالثة.
ثانياً: موقع الوارث من الحياة، إذ ان الأجيال التي تستقبل الحياة ترث في الأغلب أكثر من الأجيال التي تستعد للرحيل، فكما رأينا بأن البنت ترث من أمها أكثر من الأب.
ثالثاً: ثقل الأعباء المالية التي تلزم الشريعة بها الوارث، فكلما كانت هذه الالتزامات أكثر زادت حصته من الإرث، كما في زيادة حصة الولد الذكر على حصة البنت، كونها مكفولة النفقة إما من قبل أبيها قبل وفاته أو من قبل زوجها. ففي هذه الصورة يظهر أن التمييز في الإرث لا تعلق له بطبيعة الجنس، إنما هو مرتبط بطبيعة وحجم الإنفاق. (أنظر مقدمة الدكتور محمد عمارة لكتاب ميراث المرأة وقضية المساواة، ص4).
فالمرأة لا تخلو غالباً إما أن تكون أماً أو بنتاً أو زوجة، وهي في جميع هذه الأحوال مكفولة مالياً من الذكور من أقاربها.. وهذا القريب الواحد الذي يرث ضعف أخته، واجب عليه أن ينفــــق في كثير من الأحيان على عدد من الإناث كلّ منهن رفع الشرع عنها واجب الإنفاق على الذكور.
فهي إذا كانت بنتاً، فالأب ملزم بالإنفاق على ابنته حتى تتزوج؛ فتنتقل بذلك الأنثى مباشرة من الكفالة المالية للأب، إلى الكفالة المالية للزوج، فإن طُلقت عادت نفقتها واجبة على الأب.. فللبنت التي ترث أن تستمتع بمالها كاملاً لخاصة نفسها، مع التمتع بنفقة أبيها أو زوجها عليها.
وكذا إذا كانت أماً، فيوجب الإسلام على أولادها الإنفاق عليها إن كانت فقيرة، بينما نجد في القانون الإيرلندي القديم أنه ينص على التالي: «إذا كان الابن فقيراً غير قادر على إعالة والديه؛ فإنه يأخذ أباه معه إلى البيت ويترك أمه تموت في مجاري المياه»، وينسب هذا القانون إلى قديس الكنيسة باتريك (انظر؛ ٣٦٤.Matilda Gage, Woman, Church and State, p )
وعليه، إذا توفّرت للمرأة كفالة قويّة مؤكدة؛ قلَّ نصيبها عن نصيب الرجل في الميراث لقوة حقها في النفقة، وإذا قلت أوجه الكفالة؛ فإنّ المرأة ترث مثل الرجل؛ مثل الإخوة مع أخوات لأم، وقــــد ترث أكثر منه، وقد ترث ولا يرث نظيرها من الرجال.
فيتضح أننا إذا وضعنا حقوق المرأة التي تكتسبها في جانب، وحظها من الميراث أياً كان في جانب؛ فسيبدو لنا أن المرأة بحق أحظى من الرجل كثيرًا، وليس هذا ظلمًا للرجل؛ بل هو مراعاة لضعف المرأة عن الاحتراف والاكتساب؛ فعوّضها الله تعالى بهذه الحقوق الكثيرة التي تكفل لها حياة كريمة سواء كانت بنتاً أم زوجة أم أماً. 
فالإسلام تشريع رباني متكامل، لا تضاهيه شريعة، فمن خلال مقارنة سريعة له مع باقي الشرائع، يتضح كم هو عظيم، فهذه الأسفار المقدسة للكنيسة، وقرارات مجامعها، ومؤلفات آبائها وقديسيها، تقصر أن تأتي بشيء من مثله، فضلا عن أن تأتي بمثله أو ما يفوقه.. فإذا قارنا ما جاءت به الشريعة الإسلامية بنظائرها لوجدنا إنّ الكتاب المقدس مثلاً يقرّر أن ميراث المرأة الذي يؤول إليها، لا تناله إلا صوريًا، وإنما ميراثها في الحقيقة لزوجها لا لها؛ فقد جاء في سفر العدد ٨/٣٦- : «فَكُلُّ فَتَاةٍ وَرَثَتْ نَصِيبًا مِنْ سِبْطِهَا، تَتَزَوَّجُ وَاحِدًا مِنْ أَبْنَاءِ عَشِيرَةِ سِبْطِ أَبِيهَا، لِكَيْ يَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ نَصِيبَ آبَائِهِ. فَلَا يَنْتَقِلُ مِيرَاثُ سِبْطِ إِلَى سِبْطٍ آخَرَ، بَلْ يَظُلُّ كُلُّ سِبْطٍ مُحْتَفِظًا بِمِيرَائِهِ.». 
فلاحظ كيف أن الإرث سيكون سبباً في تقليص خيارات المرأة في اختيار زوجها، لوجوب ان تختار زوجاً من عشيرتها، حتى لا يخرج المال الى عشيرة أخرى!!
وهذا ما صرح به فيلسوف الكنيسة الكاثوليكية (توما الأكويني) والذي كانت كتبه ولوقت قريب تمثل غاية التعليم الكنسي، فقال في جواب الاعتراض التالي: «أخص سبب لخراب كثير من المدن والممالك هو إفضاء الأملاك إلى النساء كما قال الفيلسوف في السياسة ك ٢ ب ٤. وهذا قد جُعِل في جملة أحكام الشريعة العتيقة ففي سفر العدد :۸/۲۷: «أيُّ رجل مات وليس له ابن؛ يصير ميراثه إلى ابنته». فالشريعة إذن لم تحتط" كما ينبغي لسلامة الشعب.»
وكان جواب «توما الأكويني» على هذا الاعتراض الذي أريد منه الطعن في الكتاب المقدس: «الشريعة لم ترسم أن يرث النساء ميراث آبائهن، إلا إذا لم يكن لهم أولاد ذكور؛ فكان إذ ذاك من الضرورة أن يصير الميراث إلى النساء؛ تعزية للأب لأنه يشق عليه أن يرى ميراثه صائراً بكليته إلى الأجانب، على أن الشريعة جعلت في ذلك ما ينبغي من الاحتياط؛ فأمرت أنّ النساء اللواتي يرثن ميراث آبائهن، أن يتزوجن برجال من قبيلتهن تجافيًا عن اختلاط أنصبة القبائل كما في سفر العدد ٣٦». توما الأكويني، الخلاصة اللاهوتية، ٥ /٢٠٩-٢١٠
بل نجد المرأة نفسها، ليست إلا ميراثاً، تورث كما يورث البقر والخرفان؛ فقد جاء في سفر التثنية ٥/٢٥: «إِذَا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا وَمَاتَ أَحَدُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْجِبَ ابْنَا، فَلَا يَحِبُّ أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَتُهُ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ أَفْرَادِ عَائِلَةِ زَوْجِهَا. بَلْ لِيَتَزَوَّجْهَا أَخُو زَوْجَهَا وَيُعَاشِرْهَا، وَلْيَقُمْ نَحْوَهَا بِوَاجِب أَخِي الزَّوْجِ.».. فالرجل يرث من أخيه زوجته، كما يرث منه دوابه.. وهو شبيه بما كان عند عرب الجاهلية؛ حيث كان الابن يرث من أبيه زوجته!
بل المرأة ليست سوى بضاعة يبيعها والدها، فقد جــــاء في سفر الخروج ۷/۲۱: «وَلَكِنْ إِذَا بَاعَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ كَأَمَةٍ، فَإِنَّهَا لاَ تُطْلَقُ حُرَّةً كَمَا يُطْلَقُ الْعَبْدُ.» إنه حكم (سماوي!) يبيح بيع البنت، فلذة الكبد، كما يتخلّص الواحد من أي من ممتلكاته.
وبالمحصلة فإن ما سقناه من الأمثلة ليثبت بالدليل القاطع أن شريعة الله في الميراث لا تحابي جنسا على جنس، إنما هي اعتبارات في كل من الذكر والأنثى يقتضي الحق والمنطق والعدل مراعاتها، ولكن الهجاء المجاني؛ هو زاد المسافر في خياله المجدب إلى رجائه المعدم!
الشيخ مقداد الربيعي - باحث وأستاذ في الحوزة العلمية

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م