30 ربيع الاول 1446 هـ   4 تشرين الأول 2024 مـ 5:46 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2024-09-24   50

نظرية "كي الوعي" تنهار أمام طوفان الأقصى!

الشيخ مقداد الربيعي: كل من ينظر الى ردود الفعل العسكرية للكيان الصهيوني يجد فيها الكثير من المبالغة، ففي الوقت الذي تحاول فيه الدول الرد بأقل قدر ممكن على التهديدات التي تواجهها، والحرص على عدم توسع دائرة العنف لما للحروب من آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة، نجد الكيان الغاصب يغامر بكل جرأة، ويتجاوز كل حدود العقلانية، فمثلاً يذكر المؤرخ العسكري الإسرائيلي أرييه يتسحاقي أن "القوات الإسرائيلية ارتكبت في عام واحد فقط بين عامي 1948 و1949، أكثر من "10 مذابح كبرى" ضد سكان الأرض، لكن نادراً ما وصفت تلك المذابح على المستوى السياسي بأنها "حرب إبادة".

فياترى ما سبب هذه الحماسة الزائدة، وهل وراء الأكمة أيدولوجيات تشجع العنف الزائد عند التعامل مع المختلف معك دينياً؟

نعم.. انها نصوص الكتاب المقدس التي تدعو الى القتل والإرهاب بأبشع صوره، دون التفريق بين رجل وامرأة وكبير ورضيع؛ لذلك نقرأ في سفر صموئيل الأول "اذهب وحارب عماليق، اقض عليهم قضاء تاماً، هم وكل ما لهم. لا تشفق عليهم، اقتل جميع الرِجال والنساء والأطفال والرضع، واقتل ثيرانهم وغنمهم وجمالهم وحميرهم، وحاربهم حتى يَفنوا".

حزقيال (9-6): " الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك. ولا تقربوا من إنسان عليه السمة وابتدئوا من مقدسي. فابتدأوا بالرجال الشيوخ الذين أمام البيت"

يشوع (6-21): "وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف".

بل وصل الأمر للحث على قتل الرضع:  

صموئيل الأول (15-3): "فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة. طفلاً ورضيعاً. بقراً وغنماً. جملاً وحماراً".

مزمور (137-9): "طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة".

العدد (31-17): "فالآن أقتلوا كل ذكر من الأطفال".

وشق بطون الحوامل واغتصاب النساء:

هوشع (13-16): "تجازى السامرة لأنها قد تمردت على إلهها. بالسيف يسقطون. تحطم أطفالهم والحوامل تشقّ".

أشعياء (13-15): " كل من وجد يطعن وكل من أنحاش يسقط بالسيف. وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نسائهم. هاأنذا أهيج عليهم الماديين الذين لا يعتدون بالفضة ولا يسرون بالذهب. فتحطم القسي الفتيان ولا يرحمون ثمرة البطن. لا تشفق عيونهم على الأولاد".

وتجويع الشعوب لدرجة جعلهم يأكلون أمواتهم، ثم قتلهم:

ارميا (14-12): " حِينَ يَصُومُونَ لاَ أَسْمَعُ صُرَاخَهُمْ، وَحِينَ يُصْعِدُونَ مُحْرَقَةً وَتَقْدِمَةً لاَ أَقْبَلُهُمْ، بَلْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ أَنَا أُفْنِيهِمْ".

ارميا (11-22):" لذلك هكذا قال رب الجنود. هاأنذا أعاقبهم. بموت الشبان بالسيف ويموت بنوهم وبناتهم بالجوع.  ولا تكون لهم بقية لأني أجلب شراً".

إرميا (19-9): " وأطعمهم لحم بنيهم ولحم بناتهم فيأكلون كل واحد لحم صاحبه في الحصار والضيق الذي يضايقهم به أعداؤهم وطالبوا نفوسهم".

وقد حاول الصهاينة تبرير جرائمهم من خلال اللعب على المفاهيم، معتبرين أن أساليب قتل الأطفال واغتصاب النساء هو أصل الأخلاق السامية، من ذلك ما ادعاه الحاخام مانيس فريدمان حين تحدث صراحة عما سماها "قيم التوراة" أو "الطريقة اليهودية" في الحرب الأخلاقية، رافضا ما سماها "الأخلاقيات الغربية" في الحرب، والتي تدعو لمراعاة الجوانب الإنسانية أثناء الصراعات الدولية.

وقال إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية "دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم".

وتابع أن تلك هي قيم التوراة التي ستجعل الإسرائيليين "النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات (الغربية) المُدمِّرة التي اخترعها الإنسان"، ويؤكد أنها الطريقة التي تشكل "الرادع الوحيد والحقيقي للتخلص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة".

بل ذهب حاخام السفرديم ـ وهم الذين تعود أصولهم الأولى ليهود أيبيريا (إسبانيا والبرتغال) الذين طردوا منها في القرن الخامس عشر، وتفرقوا في شمال أفريقيا وآسيا الصغرى والشام ـ مئير مزوز الى أبعد من ذلك حين بارك الجنود الصهاينة الذين قاموا باغتصاب المعتقلين الفلسطينيين في سجن "سدي تيمان" وطمنهم ببراءة ذمتهم، فإنهم لم يعملوا غير الإساءة للعدو وهو أمر حسن!!

 

فكانت هذه النصوص الدينية المقدسة مادة أساسية لما سيعرف لاحقاً بنظرية "كي الوعي" والتي كشف عنها وزير الحرب الصهيوني السابق الجنرال موشيه يعالون وتعني استخدام القوة المفرطة، والانتقام الشرس من قوى المقاومة، بتنفيذ سياسات العقاب الجماعي ضد المدنيين، وسفك الدماء وتدمير المنازل على رؤوس أصحابها، وإعادة الحياة قروناً إلى الوراء، في محاولة من جيش الاحتلال لهزيمة عدوه نفسياً وإشعاره بالعجز ليستسلم للأمر الواقع.

وقد ترجمت على أرض الواقع بمجازر جيش الاحتلال منذ تأسيسه والى يوم الناس هذا، فمع الأيام الأولى للعدوان الحالي على غزة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أنه أمر بفرض "حصار كامل" على قطاع غزة، وشدد على أن ذلك يترجم بالنسبة لسكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بـ"لا كهرباء، ولا طعام، ولا مياه، ولا غاز. سنعلق كل شيء".

كما أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنها أمرت بقطع "فوري" لإمدادات المياه إلى غزة، وصدر قرار وزير البنية التحتية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، "بالقطع الفوري للمياه والطاقة عن قطاع غزة".

والسؤال المهم هنا: هل نجحت نظرية "كي الوعي" بتحقيق أهدافها في كسر إرادة المقاومة لدى الشعوب؟

الجواب واضح من خلال ما نلاحظه من زيادة عمليات المقاومة كماً وكيفاً، وزيادة أعداء إسرائيل، فكيف لفتى شهد بعينه قتل والديه وأخوته منع نفسه من الثأر لهما؟

فمنذ ما عُرف بانتفاضة "انتفاضة السكاكين" عام 2015، و "انتفاضة بوابات الأقصى الإلكترونية" عام 2017، ومعركة مواجهة أبارتايد إسرائيل ـ نظام فصل عنصري أدانته الأمم المتحدة يقوم على أساس تقسيم الفلسطينيين الى أربع مجموعات ـ الأكثر وضوحاً في الشيخ جراح وسلوان وحتى الآن، يتضح بصورة جليَّة يوميًا وبصورة متدرجة مدى انهيار سياسة "كي الوعي" وتمكن الشعوب المقاومة من إسقاط هذه النظرية.

وعي المواطن الفلسطيني لواقعه واحتياجاته وأولوياته الجوهرية في مقاومة الاحتلال عاد للواجهة كواقع حال لدى الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني، وفي مختلف تجمعاته داخل الأرض المحتلة وفي أصقاع بلدان الشتات، بل وارتقى هذا الوعي خلال الأشهر والأسابيع الماضية بصورة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، يجري ذلك بعيدًا عن ثورجيات الشعارات الفارغة من ناحية، وكذلك عن محاولات اليائسين في تمرير ثقافة الخنوع وقلة الحيلة من ناحية أخرى.

نعم نجد أثر هذه السياسة والنظرية في سلوك المتأثرين بمفاهيم الغرب، فنجد دعواتهم المتكررة بضرورة الخنوع وعدم إظهار أي مقاومة لسياسات الكيان الغاصب، وإلا سنرى ما لا تحمد عقباه!

ما تريد هذه المقالة إيصاله للقارئ الكريم ليس دعوة للتهور وسوء التقدير، وإنما التنبيه على أن سياسة الانتقام الشرسة التي تمارسه حكومة الكيان هي سياسة نفسية قصير المدى، ناشئة من أيدلوجية دينية متطرفة، كما انها لا تصب بمصلحة الجميع، فما من حكومة تستطيع إدامة زخم معركة بهذه القسوة والوحشية فترة طويلة لافتقارها لغطاء وشرعية دولية من الصعب توفيرها، فقد يصمت الضمير العالمي فترة إلا أنه لا يموت، إضافة للتكاليف الاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن تحملها.

كما تدعو للانتباه لدعوات المتخاذلين والذين تشربوا الذل ونزعوا ثوب الكرامة والحياء من الإعلاميين والساسة من أبناء جلدتنا.

 


 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م