7 جمادي الثاني 1446 هـ   8 كانون الأول 2024 مـ 1:46 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2021-02-25   1876

صلاة التفكير والمعرفة

التفكير أولا ثم الصلاة
يؤكد القرآن الكريم في كثير من آياته البينات على دعوة الإنسان للتفكير والتأمل، فقد تكررت في سوره المباركة أمثال هذه الآيات التي تحث على النظر في الخلق والتدبر في شؤون الأرض والسماء ((الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))(آل عمران ـ91)، ((........ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))(الأنعام ـ191)، (( قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يوحى إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ))(الأنعام ـ50).
فهذه الآيات الكريمات تلتقي في محتواها لتوجيه الإنسان المؤمن توجيها سليما يضع بين يديه مفاتيح الارتباط الصحيح برسالة الإسلام من أجل ان يكون ايمانه في مستوى الفهم والوعي والقناعة والنضوج... لأن ذلك يحمي إيمانه من كل ما يريب، ما دامت القاعدة التي بُني عليها الإيمان قوية راسخة لا تؤثر فيها أزمات الشك والقلق والاضطراب.
وعلى هذا الأساس يرفض الإسلام إيمان المؤمن الذي اكتسب إيمانه وعقيدته بالوراثة، فطالبه بالتفكير والتأمل لأنه يريد له أن تكون العقيدة في حياته وسلوكه نابعة من إيمانه العميق داخل وجدانه وبصيرته، بعيدا عن ايمان والعقيدة التي تفرض عليه فرضا أو تلصق في حياته كجزء غريب عنه ليس بينه وبينها أي تفاعل وانسجام.
ومن هنا نجد النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام حينما يسلطون الأضواء على روح العبادة الصحيحة يشيرون لنا ويؤكدون علينا أن التفكير السليم هو العبادة، بل لا صلاة لمن تكون الصلاة في حياته مجرد كلمات بلا معنى وحركات بلا مضمون.
يقول الإمام علي عليه السلام:" أفضل العبادة التفكر في الله عز وجل وفي قدرته".
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: "أن التفكر يدعو الى البر والعمل به".  
ويقول الإمام الرضا عليه السلام: "ليس العبادة كثرة الصلاة والصيام؛ إنما العبادة التفكر في أمر الله عز وجل".
لماذا؟ لأن الإنسان الذي يعبد الله سبحانه في تفكيره وعقله سيعرف الطريق الرحب إلى الصلاة النموذجية الصادقة التي ستؤتي ثمارها ونتائجها الأخلاقية في كافة جوانب الحياة. 
فالإسلام يهدف الى تربية العقل على اليقظة الدائمة ليهتدي بنفسه الى نور الحق والحقيقة، ولعل المأساة التي يعيشها إنسان هذا العصر هو شحوب النشاط لعقلي كما النشاط الروحي. 
فالعقل الحديث يعيش منطويا في سجن الغفلة مخمورا لا يعرف الضوء من العتمة، وبسبب ذلك تعطلت حركة الحواس التي تعتبر من أدوات المعرفة، فغدا الإنسان يلتفت الى آيات السموات والأرض ويمر عليها مرور الكرام، فلا تثير في نفسه عبرة ولا موعظة، فيعرض عنها بجهالة وعمى ويمني النفس بأن لم ير الحقيقة بعينه، وغاب عن باله بأن الحقيقة شاخصة أمامه ولكن عينيه لا ترى، ومن هنا نجد القرآن يندد بأولئك الذين لا يوظفون العقل، ولا يستعملون نعمة الحواس في تصوير رائع، يقول الله سبحانه وتعالى : ((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ))(الأعراف ـ179)، وفي التأريخ، بينما رجل مستلق على فراشه؛ إذ رفع رأسه فنظر الى السماء والنجوم فقال :"أشهد أن لك ربا وخالقا، اللهم أغفر لي، فنظر الله إليه فغُفر له".
والتفكير الذي يدعو أليه الإسلام ليس محصورا في جانب دون آخر، وإنما يدعو الى التفكير في الحياة كلها، وفي الكون كله، لأنها كلها تقود الى المعرفة الصحيحة والإيمان الصحيح بما يتصل في شؤون الأخرة، وما يتصل بشؤون الدنيا، فأفاق التفكير رحبة واسعة، وميادينه فسيحة لا تنتهي إلا عند حدود الطاقة البشرية وقدرتها على الاستطلاع، وهي قدرة واسعة أوسع من آمالها وأحلامها وأوسع من هذا العمر المحدود، يقول الله سبحانه وتعالى ((أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ))(ق ـ6)، وقوله تعالى ((....... كَذلِكَ يُبيِّنُ اللّه لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)) (البقرة ـ 219).
ومن هنا وصف الله سبحانه هذه الحقيقة بقوله: ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)) (فاطر ـ 28).
أما الإنسان الذي يعبد الله سبحانه بحركات آلفها واعتاد عليها مع الأيام؛ إن هذا الإنسان لا يمكننا أن نسميه عابدا أو مصليا؛ وإنما نسميه: معتادا؛ لأن الصلاة لم تمس قلبه ولم تنفذ الى روحه كرسالة ذات قيم وأهداف في حياة الفرد والمجتمع والأمة.
وإذن... فالصلاة التي افتقدت عنصر الوعي ستفقد نتائجها التربوية وآثارها الطيبة... والإنسان الذي يمارس هذا النوع من الصلاة الصورية معّرض في أي لحظة من لحظات الضعف البشري الى التخلي عنها بكل بساطة وكأنها لا تعني له شيئا، وما ذلك إلا لأنه مارس الصلاة كمظهر تفرضه الأسرة والبيئة أو كحاجة عاطفية آنية فرضها الألم في موقف صعب أو محنة شديدة.
فهذا الرجل لم يترب في مدرسة الصلاة لأنه حينما انتسب إليها ومارسها كان ذلك عنده بدافع التقليد او الخوف او الرغبة.
وقد ذم الإسلام أولئك المقلدين الذي يتعاملون مع العقيدة كأرث يورثه الآباء للأبناء، فهم على دين آبائهم وأجدادهم حتى لو كانوا على الباطل والظلال، يقول تعالى ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ))(البقرة ـ170)، و ((وكذلك مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ))(الزخرف ـ23).
ولعل بعض المتكملين باسم الدين هم الذين يتحملون مسؤولية هذا الواقع لأنهم منذ البداية لم يتحدثوا عن الصلاة إلا في حدود صورتها الشكلية وفي حدود أن الله سبحانه قد توعد تارك الصلاة بجهنم وعذابها ووعد المصلين بالجنة ونعيمها... فنشأ نتيجة لذلك جيل من الشباب يتعامل مع الصلاة كآلة لتسجيل الحسنات ومحو السيئات. 
ولم يعِ هذا الجيل إطلاقا علاقة الصلاة بسلوكه وإنسانيته ومجتمعه وحركته الفاعلة في قلب الحياة.
ولم يع كيف تكون علاقتنا بالله مصدرا أساسيا لنجاح علاقتنا مع الأخرين على اختلاف أديانهم. 
وفي هذا السياق، لا بد لنا أن نؤكد على وصية النبي الأعظم صلى الله عليه وآله للصحابي الجليل ابي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه: " يا أيا ذر، ركعتان مقتصرتان في تفكير خير من قيام ليلة والقلب لاه".
وقد سُئل الإمام عليه السلام عن حقيقة التفكر، فقال: "تمر بالخربة وبالديار القفار، فتقول: اين بانوك؟ اين سكانك؟".
وعلى هدى هذه الحقيقة، نعرض موقفنا واسلوبنا في الدعوة إلى صلاة العقل، وليكن شعارنا: "التفكير أولا، ثم الصلاة".

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م