11 شوال 1445 هـ   19 نيسان 2024 مـ 1:55 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أخلاقيات الإسلام |  جيوش النفس، الحرب الداخلية الباردة
2021-06-19   1100

جيوش النفس، الحرب الداخلية الباردة

جُبل الإنسان على حب الذات، ومن هذه الصفة الذميمة؛ يتسلل الشيطان، ويبني في عقل الإنسان أعشاش من الشر، ويحيك الحبائل بحيل ووسائل يعجز عن فكها من لم تكن له بصيرة بنفسه.
وعلى هذا، عُد الإنسان عدو نفسه، ففي قوله تعالى: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ))(سورة ق ـ16) وصارت بذلك نفسه لومة مرة وأمارة بالسوء مرة ثانية ووسواسة في ثالثة.
ووفقا لذلك، اُعتبرت مجاهدة هوى النفس أعظم الجهاد، خصوصا وأن ذلك مما بينه النبي الأكرم صلوات الله عليه وآله؛ كتعريف منه للدين بقوله: "الدين بذل الجهد وصدق العمل"، بل أنه صلوات الله عليه وآله قد بئس بحال العبد المهتم برغباته دون اهتمامه بالحقيقة والحق، فعن صلوات الله عليه وآله: "بئس العبد عبد خلق للعبادة، فألهته العاجلة عن الآجلة، فاز بالرغبة العاجلة وشقي بالعاقبة"، وقوله صلوات الله عليه وآله: "بئس العبد عبد تجبر واختال، ونسي الكبير المتعال"، وقوله: "صلوات الله عليه وآله: "بئس العبد عبد عتا وبغى، ونسي الجبار الأعلى"، وقوله: "بئس العبد عبد له هوى يضله، ونفس تذله"، وقوله صلوات الله عليه وآله: "بئس العبد عبد له طمع يقوده إلى طبع"، وقوله :"طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد لم يره".
ولصعوبة كبح جماح النفس؛ خصوصا في رغباتها، فضلا عما تطويه هي لذاتها من تبريرات، أعتبر أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام العبادة الحقة تكمن في صرع هوى النفس، فقد قال عليه الصلاة والسلام: أفضل العبادة العفاف" وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضل العبادة غلبة العادة"، بل وأنه أوهن في الاهتمام بالرغبات السريعة، وربى أصحابه الطاهرين على التحصن منها، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "ترك الخطيئة أيسر مطلب التوبة، وكم من شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا، والموت فضح الدنيا فلم يترك لذي لب فرحا"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "من لم يعط نفسه شهوتها أصاب رشده".
أما توصيف الإمام الباقر عليه الصلاة والسلام لمجاهدة النفس، فكان مقرونا بالعبادة الأفضل، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "ما عبد الله بشيء أفضل من عفة بطن وفرج"، وعنه ايضا قوله صلوات الله عليه: "الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار".
ومما لا شك فيه هو أن مقبولية العبد عند ربه تقوم على متلازمتين اثنتين، هما: فعل الخير والصلاح، وترك شر والفساد، وعلى الرغم من أن فعل الخير أيسر وأسهل على النفس من ترك الشهوات واللذات المحرمة، إلا أن النفس البشرية تتوق لفعل المحرمات، وهذا جزء من أصل الابتلاء والاختبار الإلهي للخلق، إذ أن تحصيل المال مطلبا ضروريا للناس، وأن الرغبة الى النساء والجاه والسلطة هي الأخرى مما يسعون إليه دون تدبر أو تفكر بعواقبه ذلك، ما يجعل من القاعدة العصموية: "أفضل العبادة العفاف" مادة لحركة الفرد وضابطة لورعه وتقواه بل وعلاقته ببارئه وخالقه.
وثمة لفتة مهمة يتعارفها العرفانيون في هذا الصدد، وهي إن تأدية العبادات الظاهرية كالصلاة والصيام والحج أمور لا تحتاج إلى جهد وعناء كذلك العناء والجهد المبذول في مجاهدة هوى النفس، سيما الهنات السابتة في دهاليز الرغبة ومكامن الشهوة ففي الحديث النبوي الشريف: "من عصى الله فقد نسي الله، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن" كمصداق لقوله تعالى: ((انما يتقبل الله من المتقين))(سورة المائدة ـ 27).
وفي هذا الصدد، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام قوله: "قليل العمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى"، كتعريف منه عليه الصلاة والسلام لأهمية مجاهدة النفس بالتقوى عن تلك التي تتبختر بالعمل دون تقوى، وقريب من ذلك، فقد قال عليه السلام في مورد تفسيره لقوله تعالى: ((وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً))(سورة الفرقان ـ 23 )، بـ :"أما والله إن كانت أعمالهم أشد بياضا من القباطي ولكن كانوا إذا عرض لهم حرام لم يدعوه".

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م