19 جمادي الاول 1446 هـ   21 تشرين الثاني 2024 مـ 1:21 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | العلاقة مع الله سبحانه وتعالى (الصلاة) |  الصلاة قربان كلّ تقيّ... صلاة الإمام الحسين يوم الطف؛ إنموذجا
2021-08-18   5630

الصلاة قربان كلّ تقيّ... صلاة الإمام الحسين يوم الطف؛ إنموذجا

الصلاة عمود الدين ومفتاح العبادة والمدخل الأول لعلاقة العبد بربه، بل إنها أفضل الأعمال الدينية، وأحبها للَّه سبحانه وتعالى، كونها أعظم الطاعات وأفضل العبادات.
وإذا ما قلنا بأن الصلاة مدخلا للعلاقة بين العبد وربه، فقولنا هذا مّرده قبول أن ما سواها مرهون بقبولها من الله جل شأنه، فـهي كما قال نبي الإنسانية صلوات الله تعالى عليه وآله: "الصلاة عمود الدين، إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها"، كما أنها آخر وصايا الأنبياء ، فعن الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ الصّلاة وهي آخر وصايا الأنبياء"، وبذلك فهي معراج المؤمن اليومي إلى عالم الملكوت، وهي مدار قربه لخالقه، فقد ورد عن الإمام الرِّضَا عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أقرب ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ وهوَ ساجد وذلك قوله عزّ وجلّ ((واسجد وأقترب)).
 ولأهمية الصلاة وعظم فعلها، تبنى القرآن الكريم مادتها كتوصية ذات أهمية قصوى، فقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في تسع وتسعين مورد، ما يوحي بعظيم مكانتها عند الله سبحانه وتعالى، ومما ورد فيها قوله تعالى: ((فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وعلى جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا))(سورة النساء ـ 103) وقوله تعالى: ((حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوسطى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ))(سورة البقرة ـ 238)، وقوله تعالى: (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) سورة الإنعام ـ 72)، وقوله تعالى: ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى  (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14))(سورة طه ـ 11 ـ 14).
ولأهميتها وعظمتها، ما أنفك أهل بيت النبوة يقيموها مهما كانت الظروف وهما كبرت التحديات، ففي الحرب هي ديدنهم كما هي كذلك في السلم، وفي الأخطار والخطوب هي سلوتهم كما هي كذلك في الأمن والأمان، فالحفاظ عليها وعلى توقيتاتها بنفس الرتم في المحن والضراء كما هو كذلك في النعماء والسراء، وانموذجنا هذه المرة هو الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام، وبالتحديد في ملحمته العظمى، الطف الخالد، فرغم حجم التحدي وكبر الخطر في هذه المعركة الكبرى، بقين الصلاة أنيس الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام وسلوته التي لا يفتر عنها ولا يتركها، فهو بين مصلي وتالي للقرآن الكريم، كيف لا وهو ربيب القرآن الكريم، وقد شم ريح الوحي كلما زار جده صلوات الله تعالى عليه وآله، وبقدر حديثنا عن أهمية الحفاظ على الصلاة، سنبين ذلك في موردين من حياة الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام، تبيّن ما للصلاة من قدر وأهمية تتهاوى أمامها كل الظروف والتحديات، ومن تلك الموارد:

ـ اشتغاله بالصلاة ليلة العاشر من عاشوراء العظيمة:
الموت قاب قوسين أو أدنى، والعدو قد عزم على قطع حبل الوصل بين السماء والأرض، فثلاثين الفا من العسكر، وربما السبعين الفا، قد تأهبوا لقتل تلك الثلة التي لا تعدوا السبعين، في التاسع من محرم سنة 61 هـ، ولم يكن ذلك مانعا من اقامة الإمام الحسين صلوات الله تعالى عليه للصلاة بل والاشتغال بها على نحو الموّدع لمن يحب، إذ يذكر لنا الرواة أنه صلوات الله تعالى عليه كان قد أمر أخاه الإمام العباس عليه السلام بأن يطلب من جيش العدو تأخير المعركة من ليلة عاشوراء إلى نهارها، بغية تفرغه عليه الصلاة والسلام للعبادة والصلاة والدعاء والاستغفار، فمما ورد في ذلك أنه قال لقمر بني هاشم عليهما الصلاة والسلام: "ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد، وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار"، حتى أنه عليه الصلاة والسلام قد بات واصحابه ليلتها بين راكع وساجد، قائم وقاعد، ولهم دوي كَدَوِيِّ النَّحلِ، وقد ورد عن الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام أنه قال في وصف حال ابيه الحسين واصحابه ليلة العاشر من محرم بقوله: "باتَ الحُسَينُ عليه السّلام وأصحابُهُ طولَ لَيلِهِم يُصَلّونَ ويَستَغفِرونَ ويَدعونَ ويَتَضَرَّعونَ، وخُيولُ حَرَسِ عَدُوِّهِم تَدورُ مِن وَرائِهِم، عَلَيها عَزرَةُ بنُ قَيسٍ الأَحمَسِيُّ، وَالحُسَينُ عليه السّلام يَقرَأُ: ((وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (178) مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179))(سورة آل عمران ـ 178 ـ 179).
كما يروي الرواة، ما أن جن ليل العاشر من محرم عَلَى الحُسَينِ عليه السّلام وأصحابِهِ؛ قامُوا اللَّيلَ كُلَّهُ يُصَلّونَ‏ ويُسَبِّحونَ ويَستَغفِرونَ ويَدعونَ ويَتَضَرَّعونَ، وبذلك فأن درسا بليغا وراء ذوبان الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام بالصلاة وهو الأقرب للاستشهاد، مفاده أهميتها وأهمية الحفاظ عليها واقامتها تحت أي ظرف كان، بل وأن حربه مع هؤلاء الطغاة إنما حفاظا عليها وعلى قيامها لأنها مادة العبادة.

ـ اقامته للصلاة جماعة قبيل المعركة الحاسمة ظهر يوم العاشر: من عاشوراء العظيمة:
أزفت المعركة، ودقت طبوله الحرب، ولا رجعة في ذلك، فالعدو قد طلب الرؤوس المقدسات؛ ولا غير، واشتغل على الخطة والتخطيط، المكر والحيلة؛ فهذا يتقهقر وذاك يجبن، وهؤلاء يرتعدون، وهؤلاء يتوعدون؛ والأبواق تصرخ والجنود مشتغلين بسن السيوف والرماح، معسكر ضُربت عليه الضغينة وشحنت قلوب رجاله بالعطش للدماء الشريفات؛ حقدا على بقية النبوة، أما في معسكر السلام حيث الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام وصحبه المنتجبين، فليس غير الصلاة، بل والصلاة جماعة، إمعانا في الازرة والتقرب لله بقلب واحد، كيف لا وشعار : "ألله أكبر" هو مادة حربهم لهذ العدو العتل، في حين أن شعار العدو كان بلسان الحال: "أن الحكم ليزيد الخمار لا لله الواحد القهار".
أذن مؤذن صلاة الظهرين، تقدم الحسين عليه الصلاة والسلام إماما لثلته الطيبة، وما أن كبروا فيها ايذانا بعروجات افئدتهم لبارئيها، أذن ابليس: إن أرموا المصلين بسهامكم فليس أنسب من هذا الوقت، فالحسين واصحابه في شغل عن السيف والرمح، أنهم إنما يصلون!.
السماء هذه المرة تمطر سهاما، والحسين يبتل بها ثم يبتهل لله أن تقبل منا هذه القرابين يا الله، حتى صار بعض من أنصاره دروعا تحيط به رجاءً في إتمام صلاته الشريفة، حتى أن التاريخ يروي عن وجود ثلاثة عشر سهما ـ غير ضربات السيوف وطعنات الرماح ـ في جسد عبدالله بن سعيد الحنفي رضوان الله تعالى عليه يوم جعل من نفسه درعا لإمامه الحسين عليه الصلاة والسلام؛ فكان بذلك أول من لقب بشهيد الصلاة.
ها هو الحسين وتلك هي الصلاة، وذاك النور إنما هو نورهما، وتلك الحمائم إنما هي البشائر بوثيق علاقتهما. 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م