19 جمادي الاول 1446 هـ   21 تشرين الثاني 2024 مـ 1:16 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | تأريخ الإسلام |  لماذا أسلموا.. لهذه الأسباب انتشرالإسلام في أوروبا والعالم
2024-05-04   584

لماذا أسلموا.. لهذه الأسباب انتشرالإسلام في أوروبا والعالم

حين واجه النبي بركان الجاهلية، خرج من تحت حممها ومن بين ركامها أناس أشرعوا سفنهم في تحدي أمواج الجاهلية والتصدي لزخرفها بالإيمان، فدعوا الناس للدين الجديد بأفعالهم وأقوالهم، حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، فانتشر الإسلام بفضل تضحياتهم، وراح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فكل من يتعرف على الإسلام، أو يحتك بالمسلمين، تراه يميل لاعتناقه.

 وقد كان الانتشار السريع للإسلام حدثاً مدوياً، تجاوز ما عرفته البشرية من زحف بطيء للأديان، وهي ظاهرة حيرت علماء الاجتماع والتاريخ، فالإسلام أوسع الأديان انتشاراً، حسب مراكز الإحصاء العالمية، فحين كان المسلمون في عام 1900 يمثلون 15% فقط من سكان العالم، فإن نسبتهم في مطلع القرن الواحد والعشرين بلغت 21.6%، ثم ارتفعت نسبتهم في 2010 الى 23.4%، وتتوقع مراكز الرصد والإحصاء أن يصلوا عام 2030 إلى نسبة 26.4%، وأن يتجاوزا نسبة 30% خلال عقود قليلة قادمة. انظر التقرير الاحصائي الذي نشره مركز بيو عام 2011، في موقعه، وهو أهم مركز أحصائي للأديان في العالم. 
الأمر الذي جعل القس رولاند ويزلبرغ يحرق نفسه في دير أوغستين في مدينة أيرفيرت الألمانية كصرخة في وجه مال يسميه أسلمة أوربا!! أنظر صحيفة التايمز البريطانية، عدد يوم الجمعة 3 نوفمبر 2006.
وقد اعتاد مؤرخو القرون الوسطى ـ وهم عادة من رجال الدين المسيحيين ـ أن يعللوا ذلك بأسباب بعيدة عن الحقيقة، فتارة يرجعون الأمر لضعف مستوى وعي المهتدين للإسلام، وتارة أخرى يتهمونهم بالشراهة ورغبتهم بالانغماس في الشهوات واللذائذ التي يبيحها الإسلام!!
يقول آلان جون فوريي الأستاذ المتفرغ بجامعة درهام، والمتخصص في التاريخ: «عادة ما يجد الكتاب الغربيون ـ ومعظمهم من رجال الدين ـ صعوبة في قبول أي منظور يتعلق بأن إمكانية اهتداء المسيحيين (للإسلام) ناتجة عن عوامل جذب حقيقية في تعاليم وممارسات العقيدة الإسلامية، لأنهم كانوا مقتنعين بعدم وجود أي منها... وعادة ما كان يُعتقد بأن الضعفاء وبسطاء التفكير هم الأكثر عرضة لخطر التحول الديني؛ فعندما طلب بطرس المبجل من القديس برنارد في منتصف القرن الثاني عشر وضع مصنف جدلي لدحض الإسلام، كتب انه على الرغم من ان المسلمين قد لا ينتصرون، إلا أنه من الضروري ملاحظة ورعاية أتباع الكنيسة الضعفاء، الذين يضلون عادة، أو يتم اجتذابهم دون وعي منهم، من خلال الحجج الواهية.
كان يعتقد أن مثل هؤلاء الأشخاص قد يتأثرون بالجاذبية الظاهرية للإسلام، ولذلك أكد جيمس أوف فيتري في أوائل القرن الثالث عشر، على أن بعض المسيحيين اهتدوا الى الإسلام لينغمسوا في الشراهة والتشتت والملذات، وفي نهاية ذات القرن زعم الفرنسيسكاني فيدينتوس أوف بادوفا: بأن البعض انجذب الى الرغبة في الجسد والمتعة.
بينما سعى همبرت أوف رومانس الذي كان رئيساً لطائفة الدومنيكان، الى مقارنة المتطلبات الصارمة لعقيدته مع الملذات الدنيوية للإسلام، واحتج بأن المسيحيين الحمقى هم الذين اهتدوا للحصول على المسرات التي وعد بها محمد.
وفي أسبانيا، أكد رئيس أساقفة طليطلة في القرن الثالث عشر، رودريك جيمينيز دي رادا بالمثل أن محمداً سعى لجذب النفوس الشهوانية. ورأى الفونسو العاشر ملك قشتالة أن البعض أصبحوا مسلمين بدافع الرغبة في العيش وفق هواهم». الغربيون المتحولون الى الإسلام من أواخر القرن 11 الى أوائل القرن 15، ترجمة أ. د. عبد العزيز رمضان، والمنشورة في دورية كان التاريخية، السنة 16، العدد 60، يونيو 2023، من ص 227 ـ 279.
أما اليوم، فشاع في أدبيات البعض تبعاً للمستشرقين، نسبة ذلك للقهر والإكراه الذي مارسه السلمون على باقي الشعوب، ليدخلوهم في دينهم قسراً، حتى قيل: «انتشر الإسلام بالسيف»، فما مدى صحة هذه الأسباب، ومقدار دقتها؟ هذا ما سنقف عليه في هذا المقال..
 في الدراسات التاريخية المعاصرة أصبحت الحجج المذكورة أكاذيب مفضوحة، يكفينا في ذلك نقل بعض الكلمات، لكن بعد أن نذكر بعض الشواهد من التاريخ:
فإذا أردنا أن نعرض بعض المشاهد لدخول أهل البلدان في الإسلام فإنا نستحضر المثير من النماذج، فمن أراد معرفة إسلام أهل الشام وتحولهم من النصرانية، ما عليه إلا أن يتأمل في رسالة نصارى حمص إلى أبي عبيدة بن الجراح: «لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم». ثم أغلقوا أبواب المدينة في وجه الروم إخوانهم في العقيدة. البلاذري، فتوح البلدان، ص 187.
وأما النصارى الأرثوذكس في مصر فذاقوا من حكامهم الروم الكاثوليك أصناف العذاب والنكال، وشاعت أخبار ذلك في كتب المؤرخين المسيحيين كساويرس بن المقفع في كتابه (تاريخ البطاركة)، ثم وجد أهل مصر الأمان والعدل عند المسلمين وقد سبقهم الى ظلاله إخوانهم في الشام، فالمسلمون هم من أعطوا الأمان للبابا الأرثوذكسي بنيامين بعد اختباءه من بطش إخوانه الروم الكاثوليك، فخرج من مخبئه بأمان المسلمين، وعاد الى كنيسته مكرماً، وهو موقف دفع بطريرك بيت المقدس في القرن التاسع للكتابة الى أخيه بطريرك القسطنطينية حاكياً عن العرب: «إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف». شمس العرب تسطع على الغرب، ص364.
كيف لا وقد روي عن النبي صلى الله عليه واله: من ظلم معاهداً (أي من عاش من المسيحيين واليهود في بلاد المسلمين)، أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة. ميزان الحكمة، ج ٣، ص٢١٤٧. أي فأنا خصمه يوم القيامة.
وقول أمير المؤمنين عليه السلام في عهده لمالك الأشتر وهو يوليه مصر، التي يكثر بها المسيحيون: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه...». نهج البلاغة، الرسالة: 53.
لمثل هذه الشواهد دخل أهل الشام ومصر في دين الله أفواجاً، فقد رأوا من عدل الإسلام ما لم يروه من قبل في أمة من الأمم، يقول المؤرخ غوستاف لوبون: «إذا حدث أن انتحل بعض الشعوب النصرانية الإسلام، واتخذ العربية لغة له، فذلك لما كان يتصف به العرب الغالبون من ضروب العدل الذي لم يكن للناس عهد بمثله». حضارة العرب، ص127.
ومن شواهد عدل المسلمين مع أصحاب الكتب السماوية الأخرى، قصة أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي اختصم مع يهودي في درعه التي فقدها عليه السلام ثم وجدها عند اليهودي، فاحتكما الى شريح القاضي، فحكم بها لليهودي. حينها أسلم اليهودي وقال: «أما أشهد أن هذه أحكام أنبياء! أمير المؤمنين يدينني الى قاضيه، فيقضي لي عليه! أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، الدرع درعك يا أمير المؤمنين، اتبعت الجيش وأنت منطلق من صفين، فخرجت من بعيرك الأوراق». فقال علي عليه السلام: «أما إذ أسلمت فهي لك». موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ، ج ٤، ص٢٦٣، البداية والنهاية لابن كثير، ج8، ص5.
أو قصة قتيبة بن مسلم الباهلي مع أهالي سمرقند يوم كانوا لا يدينون بالإسلام، فلما أراد فتحها، أجروا معه معاهدة، وصالحوه على دفع الجزية، وأن يفتحوا له مدينتهم، فيصلي فيها ثم يخرج منها.
إلا أن قتيبة غدر بهم ولم يخرج، فرفعوا أمرهم الى عمر بن عبد العزيز يلتمسون عدالة الإسلام، فأرسل الى واليه سليمان: «أن أهل سمرقند شكوا ظلماً وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم، فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي، فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم، فأخرج العرب الى معسكرهم كما كانوا قبل أن يظهر عليهم قتيبة».
وبالفعل حكم القاضي المسلم لصالح أهل سمرقند الوثنيين على إخوانه المسلمين، ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتى خرج جيش المسلمين من سمرقند!! قصة فتح سمرقند راجع الكامل في التاريخ، ج4، ص327.
وهنا يقف التاريخ على أطراف أصابعه ويرمق بعين الإكبار لهذا الدين الذي ينصف حتى العدو، ويكون مصداقاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ..)، النساء: 134.
فكان على أثر هذا الحكم العادل، أن دخل أهل سمرقند الإسلام أفواجاً، لما رأوه من عدل وإنصاف وحسن معاملة.
وقد حكى المستشرق توماس أرنولد في كتابه (الدعوة الى الإسلام)، العشرات من هذه النماذج، فيحدثنا أرنولد مثلاً عن قصة إسلام الأمير المغولي الشهير بركة خان، في القرن الميلادي الثالث عشر: وقد قيل في سبب إسلامه أنه تلاقى يوماً مع قافلة تجارية من بخارى، ولما خلا بتاجرين منهم سألهما عن عقائد الإسلام، فشرحاها له شرحاً مقنعاً انتهى به الى اعتناق هذا الدين، والإخلاص له، وكاشف أصغر أخوته أول الأمر عن تغييره لدينه واعتناقه الإسلام، وحبب اليه أن يحذو حذوه، ثم أعلن بعد ذلك اعتناقه لهذا الدين. الدعوة الى الإسلام، ص259.
ويحدثنا أرنولد أيضاً عن تأثر الشعوب الأخرى بمظاهر الطقوس الاسلامية، فيقول: «كان من اليسير أن ندرك كيف أن منظر التاجر المسلم في صلاته، وسجداته الكثيرة، وعبادته للإله الذي لا يراه، في سكينة واستغراق، قد يؤثر في الإفريقي الوثني... وإن معارف الإسلام التي عرفها الناس على هذا النحو قد تجذب أحياناً فرداً يدخل في الإسلام». نفس المصدر السابق.
وقد سجل الفيلسوف أرنست رينان ذلك في كتابه (الإسلام والعلم): «ما دخلت مسجداً قط، دون أن تهزني عاطفة حادة، او بعبارة أخرى، دون أن يصيبني أسف محقق على أنني لم أكن مسلماً». الدعوة الى الإسلام، ص459.
ويلفت أرنولد النظر الى أن الإسلام دين كثير التكاليف، وفي شرائعه ما يشق على العابثين المستهترين، وينقل عن الناقد الاسكتلندي توماس كارليل، قوله عن الإسلام: «ليس بالدين السهل فأنه بما فيه من صوم قاس، وصيغ معقدة صارمة، وصلوات خمس كل يوم، وإمساك عن شرب الخمر، لم يفلح في أن يكون ديناً سهلاً».
 ويعلق أرنولد بأن في هذا ما: يدحض النظرية القائلة بأن الإسلام نظام ديني يجذب الناس عن طريق مراودتهم في ملذاتهم الشخصية. المصدر السابق، ص459.
ويحكي ارنولد عن انتشار الإسلام في أوربا الشرقية على يد أسير مسلم يرسف في قيوده، لكن وطأتها وذل الأسر لم يكن ليمنعه من التعريف بدينه: «حتى المسلم الأسير، يغتنم الفرص في المناسبات لدعوة آسريه، أو إخوانه في الأسر الى دينه، وقد تسرب الإسلام الى أوربا الشرقية أول الأمر بفضل ما قام به فقيه مسلم، سيق أسيراً.. وجيء به الى بلاد (بتشنج) في مستهل القرن الحادي عشر، وقد بسط بين يدي كثير منهم تعاليم الإسلام، فاعتقدوه في إخلاص، حتى إنه أخذ في الانتشار بين هذا الشعب». المصدر السابق، ص453.
ولذلك لا يمكن لمنصف أن يقرأ بصدق ظاهرة الأقبال على الإسلام ودخول الأمم فيه، إلا إذا اعترف بما يملكه من عوامل جذب أدخلته لكل مدينة وقرية، وقد صدق المؤرخ الشهير وول ديورانت حين قال: «وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة، أعتنق الدين الجديد معظم المسيحيين وجميع الزرادشتيين والوثنيين إلا عدداً قليلاً منهم... واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلدان الممتدة من الصين وإندونيسيا الى مراكش والأندلس، وتملك خيالهم، وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث آمالاً تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها». قصة الحضارة، ج13، ص133.
لقد أدرك وول ديورانت وغيره الحقيقة، فلم تغشهم موجات التضليل السافر والكذب المتواصل على هذا الدين، فالإسلام دين يتناغم مع الفطرة ويتوائم مع العقل، ويضمن لمعتنقه سعادة الدنيا ونعيم الآخرة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، النحل: 97.
فهل لقائل بعد هذا ان يقول: إن الإسلام انتشر بالسيف؟! فهؤلاء لم يميزوا بين فتح البلدان سياسياً ورفع المانع عن وصول الدين لشعوبهم، وبين إجبار الناس وفرض دينٍ عليهم قسراً، وكيف يجبر المسلمون غيرهم وقرآنهم يصدح بين أظهرهم (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ... الآية)، البقرة: 256، وقوه تعالى ايضاً: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، يونس: 99.
الشيخ مقداد الربيعي - باحث وأستاذ في الحوزة العلمية 

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م