| حضارات وأمم | الدولة الطولونية
2022-03-10 2852
الدولة الطولونية
نشأتها
اذا ضعفت القيادة في أية دولة، مهما كان حجمها وقوتها، مد الأجانب والغرباء رؤوسهم في شؤونها، وهذه حقيقة وبديهية تاريخية، كانت ولا تزال الى يومنا هذا، ولما اتسم الخلفاء العباسيون بالضعف والانحلال في أوساط القرن الثالث الهجري، أقدموا على استقدام الأجانب كالفرس والأتراك من البلاد البعيدة، واستخدموهم كمقربين وقادة عسكريين في قصورهم، وما إن قويت شوكة هؤلاء واتسع نفوذهم، حتى أخذوا يتدخلون في شؤون الخلافة عن قرب، الى أن وصل الأمر الى درجة لم يعودوا يحترمون الخليفة وهيبته، وقد زامن ذلك ظهور النزعة الشعوبية، والميل الى الانفصال، في بعض أرجاء الخلافة الإسلامية المترامية الأطراف، كل ذلك أدى الى استغلال القائد التركي أحمد بن طولون للأوضاع، وانفصاله بولاية مصر ومن ثم تمدده نحو الشام، مستقلا عن سلطة الدولة العباسية، مؤسسا الدولة الطولونية التي لم تدم الا لثمانية وثلاثين سنة فقط.
من هو أحمد بن طولون؟
ولد أحمد بن طولون، الذي ينحدر من أسرة تركية من بلاد بخارى، سنة 220هـ الموافقة لسنة 835م، ونشأ نشأة عسكرية في سامراء ـ عاصمة الدولة العباسية آنذاك ـ وقد أهتم به أبوه وأحسن تربيته وتعليمه، درس العلوم العسكرية وفنونها، كما درس علوم اللغة والدين والحديث على يد أبرز العلماء، ثم لما عَيّن الخليفة العباسي المعتز بالله، الأمير بايكباك أو باكباك (زوج أم أحمد بن طولون) واليا على مصر، اتخذ بايكباك (ابن زوجته) أحمداً، نائبا عنه في إدارة شؤون الولاية، فكانت فرصته في الشهرة وعلو الشأن، في وقت كانت فيه اعتداءات البيزنطيين على ثغور الخلافة الإسلامية في ذلك الحين متكررة، لذا كلّف الخليفة المعتمد، أحمد بن طولون للتصدي لهم، وصد هجماتهم المتكررة على الثغور الشمالية للدولة، فأبدع في مهمته وانتصر على البيزنطيين، فنال إعجاب الخليفة وأقرّه واليا على مصر والشام والجزيرة العربية، وكان ابن طولون قد أسس جيشا كبيرا وقويا من المماليك الترك والزنوج والروم، استطاع من خلاله أن يستقل عن الخلافة العباسية فيما بعد، مع حرصه على ذكر اسم الخليفة في الخطبة والدعاء، وخلفه ابنه خمارويه الذي تصالح مع الخلافة العباسية، على أن يبقى على إمارة مصر والشام، مقابل مبلغ من المال يدفعه للخلافة، ثم زوّج ابنته أسماء (المعروفة بقطر الندى) من الخليفة المعتضد العباسي.
أولاد أحمد بن طولون وانهيار الدولة
توفي أحمد بن طولون سنة 272هـ، فخلفه ابنه خمارويه، الذي عمل على تذليل العقبات التي كانت على عهد أبيه أحمد، فظلت الدولة الطولونية متماسكة حتى وفاته سنة 282هـ.
بعد وفاة خمارويه، بدأ نجم الدولة بالأفول والاضمحلال، فقد تولى السلطة ولاة صغار في السن لا يحسنون إدارة الدولة، تنقصهم الخبرة والدراية، مثل أبو العساكر جيش بن خمارويه الذي حكم من سنة 282هـ ـ 284هـ، ثم جاء بعده أخوه ابن الأربعة عشر عاما أبو موسى هارون بن خمارويه، من سنة 284هـ ـ 292هـ، ثم جاء دور عمُّه شيبان أو شائبان، لكن الجند رفضوه وأسقطوه، فكانت نهاية الدولة الطولونية، عادت بعدها مصر والشام الى حضن الخلافة العباسية في سامراء.
الجوانب الحضارية في الدولة الطولونية
• العمران
شيد أحمد بن طولون مدينة القطائع الى الشمال من مدينة الفسطاط واتخذها عاصمة له، ثم بنى بها مستشفى كبيرا، جلب له الأطباء والأدوية من كل مكان، وكان يعالج جميع الناس بالتساوي، ثم أقطع الأراضي على قادة جيشه وغلمانه وأرباب الحرف والتجار، فجعل لكل واحد منهم قطيعة (أرضا) لذلك سميت بالقطائع.
جامع أحمد بن طولون
كذلك بنى جامعه المعروف بجامع أحمد بن طولون، الذي يعتبر من روائع الفن الإسلامي في الشمال الأفريقي، وما زال قائما بمنارته ومسجده وصحنه الى يومنا هذا، ومن جملة اهتمام بن طولون بجامعه، أن عيّن له طبيبا ووفر له ما يسمى في زماننا بالصيدلية؛ فيها أنواع الأدوية، أعدّها للمصلين المرضى الذين كانوا يرتادون الجامع.
• الصناعة
اهتم الطولونيون بالصناعة كثيرا وشجعوا عليها، ومما كان رائجا في ذلك العصر هو صناعة النسيج وصناعة الأسلحة والورق والسكر والصابون، ثمة جانب مهم ساهم في إنعاش الاقتصاد الطولوني، وهو الموقع الجغرافي المتميز والمهم لدولتهم، الرابط بين الشرق والغرب، الذي مكّن الطولونيين من الحصول على الضرائب الجمركية من السفن والقوافل التجارية التي تمر بمصر آنذاك.
• الزراعة
اهتم أحمد بن طولون وأولاده بالزراعة كثيرا، حتى بلغت مساحة الأراضي الزراعية في مصر ـ في زمنهم ـ حوالي مليون فدان، فقد وزع الأراضي على الفلاحين، وأمدّهم بالآلات الزراعية والبذور، وقام بشق الترع للمزارع، وإقامة الجسور عليها، كما اهتم بتطهير نهر النيل، ومتابعة منسوب المياه فيه.
• الإدارة
قسم الطولونيون مصر الى ثلاثة أقسام هي مصر العليا ومصر الوسطى ومصر السفلى، كما قسموها أيضا الى وحدات إدارية سمّوا كل وحدة (كورة)، يديرها شخص يسمى (صاحب الكورة)، ضَبَط القادة الطولونيون إدارة الكور، حيث كانوا يقومون بأنفسهم بالتفتيش المستمر على طرق ادارتها، متوخّين استتباب الأمن ورعاية المصالح العامة للرعية.
كما أسسوا نظاما خاصا للشرطة وقسموها الى:
ـ الشرطة العليا، ويكون اختصاصها إدارة شؤون الطبقة العليا من القادة والعلماء والوجهاء وكبار الموظفين.
ـ الشرطة السفلى، ويكون اختصاصها إدارة شؤون عامة الناس.
كما أسس الطولونيون نظام البريد، فقاموا باستحداث وظيفة تسمى صاحب البريد (ويكون مقره في العاصمة) وظيفته استلام التقارير الخاصة بأحوال الناس وأخبارهم في الكور، عن طريق ممثليه في تلك الكور.
ماذا بعد الطولونيين
ما أن سقطت الدولة الطولونية، عادت مصر وبلاد الشام الى أحضان الدولة العباسية من جديد، لكن ذلك لن يدوم أكثر من إحدى وثلاثين سنة، حتى استولى الإخشيديون على مصر، وأسسوا دولتهم هناك، منفصلين عن الخلافة العباسية في سامراء مرة اخرى.
اذا ضعفت القيادة في أية دولة، مهما كان حجمها وقوتها، مد الأجانب والغرباء رؤوسهم في شؤونها، وهذه حقيقة وبديهية تاريخية، كانت ولا تزال الى يومنا هذا، ولما اتسم الخلفاء العباسيون بالضعف والانحلال في أوساط القرن الثالث الهجري، أقدموا على استقدام الأجانب كالفرس والأتراك من البلاد البعيدة، واستخدموهم كمقربين وقادة عسكريين في قصورهم، وما إن قويت شوكة هؤلاء واتسع نفوذهم، حتى أخذوا يتدخلون في شؤون الخلافة عن قرب، الى أن وصل الأمر الى درجة لم يعودوا يحترمون الخليفة وهيبته، وقد زامن ذلك ظهور النزعة الشعوبية، والميل الى الانفصال، في بعض أرجاء الخلافة الإسلامية المترامية الأطراف، كل ذلك أدى الى استغلال القائد التركي أحمد بن طولون للأوضاع، وانفصاله بولاية مصر ومن ثم تمدده نحو الشام، مستقلا عن سلطة الدولة العباسية، مؤسسا الدولة الطولونية التي لم تدم الا لثمانية وثلاثين سنة فقط.
من هو أحمد بن طولون؟
ولد أحمد بن طولون، الذي ينحدر من أسرة تركية من بلاد بخارى، سنة 220هـ الموافقة لسنة 835م، ونشأ نشأة عسكرية في سامراء ـ عاصمة الدولة العباسية آنذاك ـ وقد أهتم به أبوه وأحسن تربيته وتعليمه، درس العلوم العسكرية وفنونها، كما درس علوم اللغة والدين والحديث على يد أبرز العلماء، ثم لما عَيّن الخليفة العباسي المعتز بالله، الأمير بايكباك أو باكباك (زوج أم أحمد بن طولون) واليا على مصر، اتخذ بايكباك (ابن زوجته) أحمداً، نائبا عنه في إدارة شؤون الولاية، فكانت فرصته في الشهرة وعلو الشأن، في وقت كانت فيه اعتداءات البيزنطيين على ثغور الخلافة الإسلامية في ذلك الحين متكررة، لذا كلّف الخليفة المعتمد، أحمد بن طولون للتصدي لهم، وصد هجماتهم المتكررة على الثغور الشمالية للدولة، فأبدع في مهمته وانتصر على البيزنطيين، فنال إعجاب الخليفة وأقرّه واليا على مصر والشام والجزيرة العربية، وكان ابن طولون قد أسس جيشا كبيرا وقويا من المماليك الترك والزنوج والروم، استطاع من خلاله أن يستقل عن الخلافة العباسية فيما بعد، مع حرصه على ذكر اسم الخليفة في الخطبة والدعاء، وخلفه ابنه خمارويه الذي تصالح مع الخلافة العباسية، على أن يبقى على إمارة مصر والشام، مقابل مبلغ من المال يدفعه للخلافة، ثم زوّج ابنته أسماء (المعروفة بقطر الندى) من الخليفة المعتضد العباسي.
أولاد أحمد بن طولون وانهيار الدولة
توفي أحمد بن طولون سنة 272هـ، فخلفه ابنه خمارويه، الذي عمل على تذليل العقبات التي كانت على عهد أبيه أحمد، فظلت الدولة الطولونية متماسكة حتى وفاته سنة 282هـ.
بعد وفاة خمارويه، بدأ نجم الدولة بالأفول والاضمحلال، فقد تولى السلطة ولاة صغار في السن لا يحسنون إدارة الدولة، تنقصهم الخبرة والدراية، مثل أبو العساكر جيش بن خمارويه الذي حكم من سنة 282هـ ـ 284هـ، ثم جاء بعده أخوه ابن الأربعة عشر عاما أبو موسى هارون بن خمارويه، من سنة 284هـ ـ 292هـ، ثم جاء دور عمُّه شيبان أو شائبان، لكن الجند رفضوه وأسقطوه، فكانت نهاية الدولة الطولونية، عادت بعدها مصر والشام الى حضن الخلافة العباسية في سامراء.
الجوانب الحضارية في الدولة الطولونية
• العمران
شيد أحمد بن طولون مدينة القطائع الى الشمال من مدينة الفسطاط واتخذها عاصمة له، ثم بنى بها مستشفى كبيرا، جلب له الأطباء والأدوية من كل مكان، وكان يعالج جميع الناس بالتساوي، ثم أقطع الأراضي على قادة جيشه وغلمانه وأرباب الحرف والتجار، فجعل لكل واحد منهم قطيعة (أرضا) لذلك سميت بالقطائع.
جامع أحمد بن طولون
كذلك بنى جامعه المعروف بجامع أحمد بن طولون، الذي يعتبر من روائع الفن الإسلامي في الشمال الأفريقي، وما زال قائما بمنارته ومسجده وصحنه الى يومنا هذا، ومن جملة اهتمام بن طولون بجامعه، أن عيّن له طبيبا ووفر له ما يسمى في زماننا بالصيدلية؛ فيها أنواع الأدوية، أعدّها للمصلين المرضى الذين كانوا يرتادون الجامع.
• الصناعة
اهتم الطولونيون بالصناعة كثيرا وشجعوا عليها، ومما كان رائجا في ذلك العصر هو صناعة النسيج وصناعة الأسلحة والورق والسكر والصابون، ثمة جانب مهم ساهم في إنعاش الاقتصاد الطولوني، وهو الموقع الجغرافي المتميز والمهم لدولتهم، الرابط بين الشرق والغرب، الذي مكّن الطولونيين من الحصول على الضرائب الجمركية من السفن والقوافل التجارية التي تمر بمصر آنذاك.
• الزراعة
اهتم أحمد بن طولون وأولاده بالزراعة كثيرا، حتى بلغت مساحة الأراضي الزراعية في مصر ـ في زمنهم ـ حوالي مليون فدان، فقد وزع الأراضي على الفلاحين، وأمدّهم بالآلات الزراعية والبذور، وقام بشق الترع للمزارع، وإقامة الجسور عليها، كما اهتم بتطهير نهر النيل، ومتابعة منسوب المياه فيه.
• الإدارة
قسم الطولونيون مصر الى ثلاثة أقسام هي مصر العليا ومصر الوسطى ومصر السفلى، كما قسموها أيضا الى وحدات إدارية سمّوا كل وحدة (كورة)، يديرها شخص يسمى (صاحب الكورة)، ضَبَط القادة الطولونيون إدارة الكور، حيث كانوا يقومون بأنفسهم بالتفتيش المستمر على طرق ادارتها، متوخّين استتباب الأمن ورعاية المصالح العامة للرعية.
كما أسسوا نظاما خاصا للشرطة وقسموها الى:
ـ الشرطة العليا، ويكون اختصاصها إدارة شؤون الطبقة العليا من القادة والعلماء والوجهاء وكبار الموظفين.
ـ الشرطة السفلى، ويكون اختصاصها إدارة شؤون عامة الناس.
كما أسس الطولونيون نظام البريد، فقاموا باستحداث وظيفة تسمى صاحب البريد (ويكون مقره في العاصمة) وظيفته استلام التقارير الخاصة بأحوال الناس وأخبارهم في الكور، عن طريق ممثليه في تلك الكور.
ماذا بعد الطولونيين
ما أن سقطت الدولة الطولونية، عادت مصر وبلاد الشام الى أحضان الدولة العباسية من جديد، لكن ذلك لن يدوم أكثر من إحدى وثلاثين سنة، حتى استولى الإخشيديون على مصر، وأسسوا دولتهم هناك، منفصلين عن الخلافة العباسية في سامراء مرة اخرى.
الأكثر قراءة
25874
18683
13875
10739