29 ذو الحجة 1446 هـ   26 حزيران 2025 مـ 6:50 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | محمد (صلى الله عليه وآله) القائد |  الدستور الإسلامي
2018-01-09   1549

الدستور الإسلامي

لما كان الدستور هو القانون الأعلى (يعنى بالكليات دون الجزئيات) الذي يبين القواعد العامة والأساسية لأي تنظيم ـــ وحديثنا هنا عن دولة النبي الأكرم في المدينة المنورة ـــ وهو ما تنتظم فيه طبيعة العلاقة وأوجه الحاكمية بين المستويات العليا للتنظيم وحلقاته وطبقاته من حيث التخصص والتشكل والمسؤولية، فضلا عن الحقوق والواجبات، مع ما فيه من قواعد عامة ومجردة متناثرة بين بنوده، أي أنه مجموعة المبادئ الأساسية التي تنظم العلاقة بين السلطة والأفراد (بين الحكام والمحكومين). 
وإذا كان حديثنا عن الدستور الإسلامي، فإنما نقصد القرآن الكريم، مع حفظ اسبقيته على التنظيمات العصرية كالدولة والحكومة والدستور والقانون، كونه أعم واشمل مما يقصده الدستور حسب التوظيف العصري للدول.
ويعتبر الدستور الإسلامي ـــ القرآن الكريم الذي هو كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وأله ـــ بمثابة الكليات التنظيمية لهرم المجتمع المسلم، مع إن هذه الكليات إنما صيغت بشكلها المجمل وتُرك التفصيل فيها للنبي الأكرم من خلال سنته الشريفة، ((...... وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم)) (النحل ـــ 44)، وعلى هذا فأن سنة النبي الأكرم ستكون الترجمان المُفصّل والتبيان المُوضح لكليات القرآن الكريم، وهي بذلك بمثابة القانون من الدستور ـــ حيث إن القوانين أقل مرتبة من الدستور وتعمل على تفصيل وتفريع الأسس الدستورية ـــ تبين ما غمض منه وتُجلي ما أشبه عليهم فيه.
وما صدور هذا الدستور ـــ نزول القرآن الكريم ـــ بشكل مراحل ووجبات إلا ليمرحل فهمه على الناس ويغيرهم بما يشاء؛ بشكل تدريجي آمن.

مميزات الدستور الإسلامي
يمتاز الدستور الإسلامي بعلويته على غيره من التشريعات، وهذه العلوية إنما جاءت من كونه الأخير؛ وبالتالي الخاتم لما سواه، فضلا عما يمتاز به من مرونة (عدم جمود) في بعض نصوصه؛ خصوصا فيما يتعلق بمواكبته للظرفية ـــ أية ظرفية كانت ـــ حسب ما يصطلح عليه بالناسخ والمنسوخ، وهذا ما يمنحه الحركية المواكبِة لكل ظرف، مع أن فيه ثوابت راسخة لا مرونة فيها ولا يجوز تحريك ثابتها.
وإذا ما قيل عن كون الدساتير العصرية تتسم بصفة العمومية والخلو من التكرارية، فضلا عما تعالجه من موضوعات رئيسة دون الفرعية منها، وهذا عكس ما نجده في الدستور الإسلامي ـــ القرآن الكريم ـــ من خلال احتواءه على الأحكام الفرعية والجزئيات التفصيلية، وأحيانا التكرارية وربما السردية القصصية بما لا ينسجم مع روح الدساتير المعهودة، فنجيب عن ذلك بكون القرآن الكريم حالة اسمى جدا مما يصطلح عليه بالدساتير العصرية، على الأقل من كونه قانونا سماويا في وقت تكون هي وضعية (بشرية) قابلة لكل ما يصدر من الإنسان من خطأ وسهو ونسيان، وربما مصلحة مؤقتة، وبالتالي فأنه ـــ القرآن ـــ يُنشد للناس التنظيم الروحي والترويض النفسي، فضلا عن لغته وموسوعيته اللتين تثريان طالبها أي كان مستواه، مع تركه للإفصاح وتبيان كلياته لعِدله الأخر(ترجمانه) المتمثل بسنة نبيه وأهل بيته ممن سرهم هو بمكنوناته واسراره وتفصيلات دينه، بمعنى إن القرآن الأس الأول والسنة النبوية (القولية والفعلية والتقريرية) تبيانا له، وصاحب هذه السنة ـــ النبي الأكرم ــــ جعل بيان الأئمة من أهل بيته بمحل بيانه ومنزلة تفصيلهم بمنزلة تفصيله. 
كما يمتاز هذا الدستور بشموله على المعارف العقائدية والأخلاقية والعملية فضلا عن الفقهية، مما يجعله هاديا للجميع ومبينا لكي شيء: ((إنَّ هذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا))(الإسراء ـــ9). 
((وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ))(النحل ـــ 89).

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م