بيت مال المسلمين؛ وزارة للمالية بخطة مالية ونقدية متقدمة
الإسلام دين حياة، دين دنيا
وآخرة، دين يراعى دنيا الإنسان، كما يراعي أخرته، كما أنه دين
منظم ومتسق مع حاجات البشر، لا يغالي بالأخرة على حساب الدنيا،
ولا يزهد بالآخرة انحيانا للدنيا، يزن لكل حياة منهما وزنه، ومن
ذلك اعتناءه بكرامة الأنسان واحتياجاته، ومنها المال فراح يؤسس في
سبيل ذلك ما يوازي وزارة المالية اليوم، مع وضعه لخطة ما لدية
وتكافلية مدروسة توازن بين حاجات الفرد من جهة والمجتمع من جهة
ثانية.
بيت المال.. هذا هو التأسيس
المالي الذي اسسه الإسلام وعمل على أنضاج مشروعه بموازاة حاجة
الناس، بل وانه يوزاي البنك المركزي والخطة النقدية والمالية في
الوقت الحاضر، ـ وفقا للتنظيم العام للدولة ومؤسساتها المالية
المتعارف عليه اليوم ـ.
تجبى الأموال لصالح بيت المال من
عدة مصادر، أهمها:
اولا.
الزكاة:
وهي أهم مصدر من مصادر بيت مال
المسلمين، ويعول عليها أكثر من غيرها، خصوصا في الازمنة السابقة
يوم كانت الزراعة هي المتنفذ في الحراك الاقتصادي للناس، فضلا عن
تربيتهم للمواشي كالأنعام كالبقر والجمال والغنم.
وتجب والزكاة على المسلمين في
تعسة موارد، هي:
1. الغلات الأربع (القمح، الشعير،
التمر، الزبيب): حيث تجب في الأصناف المذكور أنفة ولا تجب في
غيرها، بشرط بلوغ ذلك نصابا معينا والنصاب هو الحد الأدنى لما
يمتلكه الفرد من هذه الأصناف، ويقدر حسب سوق اليوم بـ (847,207)
كيلو غرام تقريبا.
2. الأنعام الثلاثة (البقر،
الجمال، الغنم): ونصابها الشرعي متعدد، ففي البقر مثلا اثنان
"ثلاثون" و "أربعون"، وفي الغنم خمسة أنصبة "أربعون" و "مئة وإحدى
وعشرون" و "مئتان وواحدة" و "ثلاث مائة وواحدة" و "أربع مائة" فما
فوق حيث تجب شاة عن كل مئة ولو بلغ القطيع الآلاف، والجمال وفيها
اثنا عشر نصاباً.
3. النقدان (الذهب والفضة): وشرط
الزكاة فيهما أن يكونا من العملة المتداولة كما كان الأمر في
القرن التاسع عشر الميلادي وما قبله حيث كانت الناس في الدولة
الإسلامية وغيرها تتعامل بعملتي الذهب والفضة لما لهما من القيمة
الذاتية، وأما العملة الورقية المتعامل بها حالياً فلا زكاة فيها
لأنها ليست من النقدين عرفا.
ثانيا.
الخمس:
وهو ما يوازي ضريبة الربح على كل
ما يتحصل عليه المسلم، وهي سبعة اصناف:
1. ما يفضل عن المؤونة السنوية:
فلو كسب المسلم خمسة ملايين دينار سنويا، وصرف منها لشؤون معاشه
وأمور عائلته أربعة ملايين، فالزائد عنده هو مليون دينار،
وبالتالي فأنه سيعطي خمس المليون (200,000) دينار لبيت
المال.
2. ما يغمنه المسلم من الحرب: وهو
المال المأخوذ من الأعداء الذين يجوز قتالهم بدراعي حربهم
للمسلمين أو بسبب وقوفهم إلى جانب أعداء المسلمين ومساعدتهم
وغالباً ما يكون هؤلاء من الكفار والملحقين بهم، مع أن المال
المغنم هنا أعم من النقد، فيشمل البناء أو الأرض المزروعة أو
غيرها.
3. المعادن: وهي عبارة عن الثروات
الطبيعية الموجودة في الأرض والتي كان الناس يستخرجونها في تلك
العصور من باطن الأرض، وإن كان قد صار من المتعارف عليه في أيامنا
هذه أن المعادن تعتبر من مصادر الدولة المالية غير المملوكة لفرد
أو أفراد من المسلمين، باعتبار أن غالبية هذه المعادن كانت توجد
في الأماكن البعيدة عن السكن أي عن المدن والقرى
والعمران.
4. الغوص: وهو عبارة عن الجواهر
التي يستخرجها الناس من البحر كاللؤلؤ والمرجان وما شابه
ذلك.
5. الأرض التي يشتريها الذمي من
المسلم: فأي أرض يشتريها الذمي وهو الذي يكون من غير المسلمين
ويعيش ضمن إطار الدولة الإسلامية فإذا اشترى أرضاً أو بيتاً أو
مصنعاً أو بستاناً أو غير ذلك من مسلم يجب عليه دفع خمسه إلى بيت
مال المسلمين.
6. المال الحلال المخلوط بالحرام:
وهو عبارة عن الإنسان الذي يجمع المال من طرق الحرام والحلال معاً
من دون معرفة مقدار الحرام ولا أصحاب هذا المال الحرام فيجب
تخميسه لتحليل ما يتبقى معه ويكون الخمس لبيت المال.
7. الكنز : وهو المال المدفون
عادة في الأرض أو يكون في أعماق البحار ويستخرجه الناس ولم يكن له
علامات تدل على مالك معلوم من زمن قريب وهذا يجب فيه الخمس
أيضاً.
ثالثا.
الخراج:
وهي الضريبة التي كانت تفرض على
الأراضي التي كان يستثمرها المسلمون من الدولة الإسلامية في
الأراضي الزراعية التي هي ملك للدولة وهي التي يتم الاستيلاء
عليها بالحرب والقوة، فهي ملك لجميع المسلمين ولا يصح تملُّكها
وهي تحت إدارة الدولة الإسلامية، فإما أن تستثمرها بشكل مباشر أو
تؤجرها للمسلمين ليستفيدوا منها ويخرجوا منها الحصة المتفق عليها
مع الدولة، ومن هنا جاءت تسمية "الخراج". وأراضي الخراج تشمل بلاد
الشام والعراق وكثيراً من بلاد إيران من الدول التي حارب أهلها
المسلمين، وقد كانت الأراضي الخراجية تشكل مورداً مهماً أيضاً من
موارد الدولة المالية نتيجة المقاسمة بين الدولة والمزارعين في
تلك الأراضي بالنسبة كالربع أو الثلث أو النصف وما
شابه.
رابعا.
الجزية:
وهي الضريبة التي كانت تُفرض على
الأرض التي صالح أهلها المسلمين حتى لا يكون هناك حرب بينهما كما
حدث مع أهل نجران في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حيث
أقرهم على ديانتهم المسيحية وأخذ منهم الجزية على أن يمارسوا
عباداتهم وطقوسهم الدينية بشرط عدم التجاهر بما هو حرام عند
المسلمين كالخمر والخنزير وما شابه ذلك، وهذه الأرض هي المسماة
بأرض "الجزية" حيث كانت تُفرض ضريبة معينة على كل من الرجل
والمرأة والطفل على أن يكون هؤلاء تحت ذمة المسلمين وحمايتهم ممن
يحمون منه أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
خامسا.
الأنفال:
وهي عبارة عن كل أرض انجلى أهلها
عنها وتركوها، أو كانت أرضاً مواتاً فتم إحياؤها، أو كانت أراضي
مستنقعات مثلاً فتم استصلاحها وزرعها، وبالعموم فالأنفال هي الأرض
التي فًتحت بعد الغزو العسكري، أو مطلق الأرض التي لا صاحب لها
كشواطئ البحار والأنهار وقمم الجبال والمشاعات وكل ما لم تكن عليه
يد من الأرض، وهذه كلها يجوز للدولة بيعها أو استثمارها مباشرة أو
تأجيرها أو مقاسمة أرباحها مع مستثمرين وما شابه بحيث تشكل دخلاً
إضافياً وفيراً لبيت مال المسلمين.
سادسا.
الضرائب:
وهي الأموال التي تفرضها الدولة
على المنتجات المستوردة من البلاد البعيدة أو على مواطني نفس
الدولة في الحالات التي تكون الدولة عاجزة عن تأمين كل احتياجاتها
من المصادر التي ذكرناها سابقاً، وقد اتسع هذا المصدر في الدول
الحديثة حتى صار المورد الأساس لمداخيل الدول نظراً لاتساع
أنظمتها الإدارية وأجهزتها العسكرية، وأما في العصر الإسلامي
السابق كانت تُفرض الضريبة على الأغنياء عموماً، وخصوصاً عند
تجهيز الجيوش والقيام بالمشاريع الكبيرة للصالح العام، ومورد
الضريبة يتحدد وفق الحاجة ووفق قدرة الناس على التحمل، ليتحقق
التوازن بين الأموال التي ترغب الدولة بجمعها وبين معيشة الناس
التي يجب أن تبقى ضمن حدود المعقول.
اما عن موارد صرف اموال هذا
البيت، فلا تختص بمورد دون آخر، بل يشمل كل ما يؤدي إلى أن يعيش
المسلمون حياة الكفاف ولو في الحد الأدنى مما يحتاجه من المأكل
والمشرب والملبس والمسكن والتعليم والطبابة وغير ذلك، وإذا أردنا
أن نضع عناوين للصرف سوف لن نستطيع استيفاءها جميعاً، لذا سنذكر
موارد الصرف الأساسية التي يندرج تحتها الكثير من العناوين
الفرعية للصر، ومنه مثلا سد ثغرات المعوزين، عمارة الأرض، إيواء
المشردين والأيتام، حماية دولة الإسلام، تقوية مجالات الإنتاج،
التكافل الاجتماعي.