2024-03-14 282
لماذا تنتشر كُتب الإلحاد في العالم؟
تصدرت كتب الملحدين البارزين وعلى رأسهم ريتشارد داوكنز، وسام هاريس، وكريستوفر هيتشنز، ودانيال دينيت، قائمة أفضل مبيعات الكتب لمدة شهور. وقد يتوهم البعض ان ذلك نتيجة قوة محتواها او طبيعة الأدلة المطروحة؟!
إلا ان دراسة سوسيولوجية (اجتماعية) أجراها الدكتور في جامعة
أكسفورد والباحث في علم الاجتماع ستيفن بوليفانت تفند ذلك، حيث
يقول: "لكن عند معاينة تلك الكتب يبدو ان ما يسمى بالإلحاد الجديد
ليس بالأهمية التي يبدو عليها، كما ان عدد الملحدين ليس كبيراً جداً
ولم يكن كذلك من قبل، فالإلحاد ليس حركة اجتماعية، كما ان حجج
الملحدين الجدد لا تقارن من حيث قوتها وابداعيتها او رؤيتها بحجج
ملحدين أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين مثل ماركس ونيتشه
وسارتر او كاموس. وبالمقارنة فإن الملحدين الجدد يعدون سطحيين"
.
كما ان القول السابق يتوقف على فكرة ان المجتمعات الغربية مهتمة
بأمر الدين، والحال ان الإحصاءات تؤشر بما لا يقبل الشك ضعف
الاهتمام الديني فيها، لدرجة ان رئيس مجلس الفاتيكان البابوي
للثقافة الكاردينال بوبر يقول: «تتعرض الكنيسة اليوم الى اللامبالاة
واللادينية عملياً أكثر من الإلحاد. الإلحاد في ثبات الآن في جميع
أرجاء العالم، إلا أن اللامبالاة واللادينية يتطوران في الأوساط
الثقافية ذات الطابع العلماني».
إذن ليست الأدلة هي سبب شهرة هذه الكتب، فما هو سر شعبية وانتشار
هذه الكتب عالمياً؟
يحدد الدكتور بوليفانت ذلك من خلال ملاحظة الجامع المشترك بين الكتب
المناهضة للدين والتي حققت أعلى الإيرادات، كرواية (شفرة دافنشي)
لدان براون التي صدرت عام 2003، فقد بيع ما يقارب أربعين مليون نسخة
منها خلال السنين الثلاثة الأولى التي تلت طباعتها، بينما بيع
مليوني نسخة من كتاب (وهم الإله) لداوكنز في سنتين، فوجد ان القاسم
المشترك بينها هو اشتراكهما في عرض فضائح الكنيسة، فالمحور الأهم في
رواية (شفرة دافنشي)، هو فكرة ان المسيح لم يكن ابن الله، وان
الكنيسة قد نجحت بالحفاظ على هذا السر من خلال الاحتيال والقمع.
فشيطنة الكنيسة كان السبب الرئيس لشهرة الرواية، لا أن سبب انتشارها
قوة أدلتها ومحتواها، فالرواية من وحي خيال الكاتب ولا تتكلم عن
حقيقة واقعة بالاتفاق.
وهذه الرغبة المجتمعية في تتبع عثرات وفضائح الكنيسة ناتجة مما ألفه
المجتمع الغربي من أخطاء وصمة بالعار في جبين الكنيسة، يكفيك ما
تكشفه الصحافة بين الفينة والأخرى من حالات اغتصاب رجال الكنيسة
للأطفال، او فضيحة تيد هاغارد وغيرها الكثير، ووفقاً للاستبيان الذي
أجرته (دراسة القيم الأوربية EVS)، فإن نسبة 45,9% من البريطانيين
غير واثقين جداً بالكنيسة، بينما 19,7% ليس لديهم ثقة على الإطلاق.
فالسبب إذن هو الغضب الشعبي من التصرفات الأخلاقية لبعض
رجالات الكنيسة.
أضف له انسجام دعاوى أصحاب هذه الكتب مع ما تميل اليه غالبية الناس،
وهو الاعتقاد بنظرية المؤامرة، وأن رجال الدين يتأمرون لإخضاع الناس
لهم، يقول إدوارد فيزر: «فإن نظريات المؤمرة تزدهر في الفرضيات
الحديثة الشائعة ـ بيد إنها باطلة كما سنرى ـ ومن ذلك القول بان
العلم والفلسفة والتفكير النقدي عموماً جميعها تشارك في مجال إضعاف
السلطة وفضح الروايات الرسمية» . فإن عامة الناس تميل للاعتقاد
بذلك، يقول فينسنت بوليسي في كتابه (إصلاح التاريخ): «الناس لا
محالة يجدون المؤامرة شيئاً آسراً ومثيراً للاهتمام، وبالتالي فهم ـ
لا شعورياُ ـ أكثر تقبلاً لنظريات المؤامرة». ويعقب عليه إدوارد
فيزر في كتابه (الخرافة الأخيرة): «وأولئك الذين يكشفون زيف مثل هذه
الفرضيات (المؤامرة) تراهم الناس على أنهم يجردون الأشياء من
المتعة» .
وبما ان الرؤية الدينية هي القراءة الرسمية للمجتمع، والإلحاد طارئ
عليه، فيُنظر له حالياً على أنه فرضيات حديثة تفضح القراءة الرسمية،
يقول فيزر في ذلك: «ونظراً الى أنه يوجد حتى اليوم لدى معظم الناس
تربية دينية من نوع ما، ومن ثم يتم النظر الى الرؤية الدينية بانها
تقليدية وبالية، بينما يُنظر الى وجهات النظر العلمانية، على أنها
جديدة ومثيرة، وحينئذ يبدو المدافع عن العقيدة الدينية ــ مهما كانت
حججه ــ قوية محدوداً ومقيداً، بل متخلفاً عن الركب وهادماً للذة
ومملاً» .
والخلاصة، ان هناك أسباب اجتماعية عدة أدت لذيوع وانتشار هذه الكتب،
إلا ان قوة الدليل ورصانة المحتوى ليس منها قطعاً، بحسب الدراسة
المتقدمة الذكر.
الشيخ مقداد الربيعي – باحث وأستاذ في الحوزة العلمية
الكلمات المفتاحية: كتب الإلحاد
الهوامش:
============
١- زميل باحث في كلية وولفستون، جامعة أكسفورد. أكمل شهادة
الدكتوراه في علم اللاهوت، بينما يستكشف علاقة الكاثوليكية
بالإلحاد، عام 2009، وهو عضو مؤسس ومدير مشارك في شبكة أبحاث
اللادين والعلمانية الدولية المتعددة الاختصاصات.
٢- Edward Feser, "We the Sheeple? Why Conspiracy Theories
Persist" TCS Daily (September 20, 2006)
٣- إدوارد فيزر، الخرافة الأخيرة، تفنيد الإلحاد الجديد،
ص79.
٤- المصدر نفسه.
الأكثر قراءة
26891
18766
14031
10855