
2025-04-20 147

عن أقوى خمسة أسباب للإلحاد عند دوكينز
علي العزّام الحسيني
في مقطع فيديو قصير مترجم إلى
اللغة العربية يظهر فيه أيقونة الإلحاد المعاصر، عالم الأحياء
البريطاني، ريتشارد دوكينز(Clinton Richard Dawkins) متحدّثًا عن
(أفضل خمسة أسباب على عدم وجود إله)، وقد جرى تداول المقطع على
الشبكة العنكبوتية وانتشر في مواقع التواصل فرأيت من الحسن أن
أتناوله في مقال مختصر، وفيما يلي الأسباب الخمسة التي وردتْ فيه مع
التعقيب عليها بما قلّ ودلّ:
1ـ يبدأ دوكينز بالقول: «السبب
الأهمّ على عدم وجود إله هو أنّه لا يوجد أسباب تدعم وجود الإله
».
أقول: من البيّن أنّ الرجل يستخدم
مغالطة: " الاحتكام إلى الجهل " فيتخذ من غياب الدليل دليلًا، مع
أنّ الجهل ليس دليلًا على شيء إلا على أننّا نجهل، وبين يدي شاهد
على أنّه ملتفت إلى هذه المغالطة، فالذي قدّم هنا "خمسة أسباب على
عدم وجود إله"، هو ذاته يقول في مناظرته مع جورج بيل : " لن تجدوا
أي عالم من أي اتجاه عقلي يمكن له أن يبرهن لكم على عدم وجود أيّ
شيء، ليس باستطاعتي أن أثبت عدم وجود إله " (انظر: حوارات سدني
ص27)، ومن ناحية أخرى فإنّ إبداء الموقف بالنفي أو الإثبات يتطلّب
البرهنة والتدليل، ولا يستثنى من ذلك حتى التوجه اللاأدري، وكما
يقول الفيلسوف البريطاني أنتوني جون باتريك كيني: إظهار أنّك تعرف
يتطلب جهدًا أكبر من إظهار أنك لا تعرف...هذا أيضًا لا يخلّص
اللاأدري من الورطة، فالمتقدّم للاختبار يمكنه تبرير عدم معرفته
بإجابة أحد الأسئلة؛ لكن هذا لا يمنحه القدرة على النجاح واجتياز
الاختبار.)هناك إله ص75 ).
2ـ يردف دوكنيز: «حجة التصميم
القائلة: بأنّ الأشياء تبدو وكأنها صمّمت بشكل جميل، كالموز والتفاح
والبشر والكنغر والخ وهي تبدو وكأنّها مصمّمة؛ لأنّها ناتج عمل
الانتخاب الطبيعي الدارويني ».
من المعلوم أنّ دارون نفسه لم يرَ
المسألة على أنّها ثنائية متنافرة: إما الخالق المصمّم أو نظرية
التطور. وحين ذُكر هذا المعنى لدوكينز أثناء مناظرته مع الكاردينال
جورج بيل، ردّ: هذا غير صحيح!، فوثّق الكاردينال من سيرة دارون،
عندها سكت دوكينز ولم ينبس ببنت شفة.!(انظر: الدقيقة (29) من
المناظرة المنشورة بعنوان: هل الإيمان بالدين يجعل من العالم مكاناً
أفضل؟). وبالمناسبة، لم يُسجّل هذا المقطع في كتاب: (حوارات سدني)،
وحين سألتُ المترجم عن ذلك، برّر أنّه قد ترجم المناظرة محرّرةً على
موقع دوكينز نفسه، ولم يترجمها عن المناظرة المصوّرة مباشرة!
والأهم من ذلك، ثمة خلط كبير بين
الآلية التي تعمل من خلالها الطبيعة، والفاعلية وراء هذه الآلية،
فالعلم الطبيعي معني بدراسة الأسباب والعلل القريبة المادية
المرتبطة بالإجابة عن سؤال " كيف " ؟، وليس له من علاقة بالأسباب
البعيدة والعلة (الفاعلية والغائية) المجيبة عن سؤال مَــن ولماذا
؟، أي أنّ الفكرة القائلة إنّ مفهوم الله والتطور البيولوجي يلغي كل
منهما الآخر تعني: أنّ الله والتطور يندرجان تحت فئة تفسيرية واحدة
، ولكن هذا خطأ بيّن، هذه الفكرة تنطوي على خطأ تصنيفي ، فنظرية
التطور تدّعي كونها آلية بيولوجية، ومن يؤمن بالله يعتبرونه فاعلًا
يصمم ويخلق الآليات، ويضيف جون لينوكس موضحًا: إنّ فهم آلية عمل
سيارة فورد لا يعدي ذاته حجة تبين أنّ مستر فورد نفسه غير موجود؛
فوجود الآلية لا يعتبر في ذاته حجة تثبت عدم وجود فاعل صمّم هذه
الآلية .!
3ـ ثمّ يضيف: «زعم البعض أنّهم
يمتلكون تجربة شخصية أو تجربة ذاتية عن الله، حسنًا: نحن نعرف سهولة
انخداع الناس وسهولة تعرضهم للهلوسة وسهولة توهمهم». وريتشارد
دوكينز غير مخطئ تمامًا هنا، إذ له ولغيره الحق الكامل ألا يقبلوا
الاحتجاج بالتجارب الروحية الخاصة بالمؤمنين، فهي تجربة شخصية لا
تنقل إلى الآخرين، وحالة خاصة ببعض الأفراد لا تلزم غيرهم، ولكن في
الوقت ذاته، علينا أن نكون أكثر تواضعًا من الجزم بتكذيب تلكم
التجارب ونفي حقانيتها، فهذا لا يقع إلا ممن أحاط بكل شيء
علمًا!!
4ـ ويواصل الحديث قائلًا: «حجة
المسبّب الأول تفنّد نفسها بنفسها؛ لأنّك إن افترضت أن الإله هو
المسبّب الأول ستواجه صعوبة كبيرة في أن تفسّر من أين جاء الإله؟».
وفي معرض إجابة سؤاله: من أين جاء الإله؟ نقول: لقد جاء من إله آخر
قبله، وحين يعاود السؤال يعود الجواب ذاته: لقد خلقه إله آخر، وهكذا
دواليك، إلى أن ننتهي إلى إله خالق غير مخلوق، موجِد غير موجَد،
علّة غير معلول، سبب لا سبب له، موجود وجوده عين ذاته والذاتي لا
يعلل وكل ما بالغير لابد أن ينتهي إلى ما بالذات.
الجدير بالذكر أنّ الغاية الأسمى
من العلوم الطبيعية هي السعي من أجل النظرية الموحدة العظمى – نظرية
كل شيء " فـلِـمَ نظرية كهذه تعد بتلك الأهمية؟؛ لأنّها تفسر كل شيء
دون الحاجة إلى أن يكون مطلوبًا تفسيرها بذاتها، وينتهي المسار
التوضيحي ههنا فتنتفي الحاجة إلى التراجع اللانهائي بغية
التفسير.(الأصولية الملحدة وإنكار الإله ص28).
5ـ يختم أيقونة الإلحاد المعاصر
بالقول: «رهان باسكال القائل بأنّه من مصلحتك الرهان على وجود إله؛
لأنك إن لم تفعل ستذهب إلى الجحيم. هذه حجة سخيفة؛ لأنّها تفترض
أنّك تعلم أصلًا أي إله هو الإله الحق». وهذا كلام في منتهى
الغرابة، ففي الوقت الذي ينصبّ الحديث عن الإله الخالق الذي يعبّر
عن المبدأ الأزلي لسائر الموجودات، أخذ رأس الإلحاد يجادل عن "الإله
الحق"، موهمًا المتابع أنّ تعدّد أسمائه بحسب الأديان والمذاهب يعني
بالضرورة تعدد ذاته، وكأنّ رهان باسكال جاء ليرجّح منظور ديني محدد
للإله على منظورٍ آخر، مع أنّ الرهان من الأساس لم يطرح على أنّه
حجة تثبت وجود إله موضوعيًا، وإنمّا يوضّح أنّ مسألة عدم الإيمان
معرّضة للخسارة الأبدية، في مقابل الإيمان الذي لا خسارة أخروية معه
على كل حال.
الأكثر قراءة
31049
19199
14662
11353