11 ذو القعدة 1446 هـ   9 أيار 2025 مـ 7:34 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2025-04-29   99

لماذا لا يغني التفسير العلمي عن الإيمان بالله؟

الشيخ مقداد الربيعي

يزعم أنصار المذهب العلموي أن ثورة المعرفة العلمية قد أزاحت الحاجة للإيمان بالخالق، مصورين العلاقة بين الإيمان والعلم كصراع لا هوادة فيه. لكن هذا الطرح يخفي خلطاً منهجياً خطيراً ويتجاهل التكامل الحقيقي بين المنظورين.
المذهب العلموي يقدم نفسه كمنهج فكري يرى أن العلم التجريبي هو المصدر الوحيد للمعرفة الحقيقية، وأن كل ما لا يخضع للتجربة والقياس لا يستحق الاعتبار. هذه الرؤية الاختزالية تفترض قدرة العلم على تفسير كل الظواهر دون استثناء، وهو ما يجعلها تستبعد الإيمان بالله باعتباره فرضية زائدة عن الحاجة.
هذا التصور يقع في مغالطة التنافي المزعوم، حيث يصور العلاقة بين الإيمان والعلم كثنائية حدية: إما العلم أو الإيمان. لكن واقع الأمر يكشف عن تكامل عميق بينهما، فالإيمان بالله لا يناقض التفسيرات العلمية بل يؤسس لها ويمنحها إطاراً معرفياً متماسكاً.
وقد نبه على هذا الخلط الفيلسوف ريتشارد سوينبيرن حيث يقول: «لاحظ أنني لا أفترض وجود (إله الفراغات) إله فقط لتفسير الأشياء التي لم يفسرها العلم بعد، بل أفترض إلها ليفسر لماذا يقدم العلم التفسير، فأنا لا أنكر أن العلم يفسر، لكني أفترض إلها لتفسير لماذا يقدم العلم التفسير، إن نجاح العلم في إثبات قدر التنظيم العميق للعالم الطبيعي يقدم الأساس القوي للاعتقاد بوجود سبب أعمق لذلك التنظيم».
الإيمان بالله لا يمثل بديلاً عن التفسيرات العلمية، بل هو المفسر لقابلية الكون للتفسير أصلاً. إنه يجيب على سؤال "لماذا" بينما يجيب العلم على سؤال "كيف". وهذا ما يؤكده جون لينكس بقوله: «النقطة التي نريد هنا أن نلم بها أن الله ليس بديلًا عن العلم كتفسير، فلا يجوز أن نفهمه فقط كإله للفراغات، بل على النقيض من ذلك هو أساس جميع التفاسير، فإن وجوده هو الذي قدم إمكانية التفسير نفسها - التفسير العلمي وغيره - من المهم التأكيد على هذا الأمر؛ لأن المؤلفين المؤثرين مثل ريتشارد دوكنز سيصرون على تصور الله كبديل تفسيري للعلم وهذه فرية لا توجد في الفكر الديني بأي عمق كان لذلك يحارب دوكنز أعداء وهميين».
إن قصة أنصار المذهب العلموي تشبه باحثاً وجد نفسه أمام آلة بالغة التعقيد، فغاص في دراسة مكوناتها وتحليل آليات عملها وتفاعلاتها الداخلية لسنوات طويلة، ثم خرج مستنتجاً بثقة أن فهمه العميق لهذه الآلة ينفي حاجتها لمصمم أو خالق! لكن العقل السليم يدرك أن معرفة قوانين عمل الآلة لا تنفي حاجتها لصانع، بل قد تزيد من التقدير لذكاء هذا الصانع ودقة تصميمه.
فالسؤال عن كيفية عمل الكون (وهو مجال العلم) لا يلغي مشروعية السؤال عن سبب وجوده ومصدر نظامه البديع (وهو مجال الإيمان والفلسفة). والخلط بين مستويات التفسير المختلفة هذه يمثل انزلاقاً فكرياً خطيراً يؤدي إلى استنتاجات مضللة.


جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م