2 جمادي الثاني 1446 هـ   4 كانون الأول 2024 مـ 11:33 صباحاً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

2022-04-18   501

قراءة في التطرف الإسلامي... المنشأ والأسباب والمآلات

((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)) (البقرة -208) ...
ليس في عقيدة الإسلام أي دعوة للتطرف أو العنف او الإقصاء وإلغاء للآخر؛ بل أن في عقيدته دعوة للسلم والموادعة مع الآخر ـ أي كان هذا الأخر ـ شريطة عدم اعتدائه على المسلمين، والدعوة للسلم واضحة الدلالة في نص الآية الكريمة أعلاه والتي تخص في خطابها المؤمنين حصرا؛ وهو ما يخرج مخالفها عن الإيمان، خصوصا وأن الإسلام قد رسم آلية دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (النحل -125).
وإذا كان الإسلام كذلك، ترى من أين لنا كل هذا التطرف؟! 
إنه فعل القراءات الخاطئة للإسلام، خصوصا تلك التي بدأت بُعيد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه واله وبالتحديد عند مفترقات يوم السقيفة، حيث أستثمرها الحكام السياسيين في تثبيت أركان حكوماتهم، ولا زالت اثارها واضحة جلية على المنظومة الدينية.
لذا فإن الإسلام الحقيقي براء من هكذا قراءات؛ وما اقترن بها من سلوكيات مشينة؛ ويتحمل الإسلام السياسي وزر التطرف وما تبعه من عنف وإرهاب، ولا يعني ذلك أن باقي الأديان السماوية والوضعية والتوجهات السياسية براء من التطرف، باعتبار ان الكثير منها قد اشترك في تأسيس هذا التطرف، بل وأن الكثير من الديانات هي الأخرى متخمة بالتطرف، والتأريخ حافل بحوادث إرهابية تشير لهم، فلقد مارسته طوائف في الديانة اليهودية كحركة الورعاء منذ القرن الأول الميلادي والحركة الصهيونية التي اغتصبت أرض فلسطين بالقوة بعدما قتلت ودمرت وشردت أهلها، كذلك كان للديانة المسيحية نصيب إذ تبنت حركات أصولية مسيحية فيها العنف الدموي واضطهاد الجماعات كالهراطقة، فضلا عن إن الحروب الصليبية هي الأخرى دليل على وجود الإرهاب بمسوح دينية، ناهيك عن الحروب الطائفية التي جرت بين الكاثوليك والبروتستانت لسنين عدة، والتي تؤكد جازمة أنها من أفعال الراديكال المسيحي.
ولا ننسى الديانات الوضعية التي مارست الإرهاب أيضا، بالضد من مخالفيها كالمتطرفين الهندوس وغيرها، ولم يستثني التأريخ الأنظمة الاستعمارية وبكل أشكالها من سياسة التطرف والقسوة، وقد سجل لها أكبر حربين عالميتين قتلت الملايين من البشر، بدافع استعماري.
إذن الإرهاب ظاهرة عالمية لم يُستثنى منها دين سماوي أو وضعي أو نظام سياسي، وعليه يجب معالجته عالميا بعد تشخيص أسبابه وبكل حيادية لوضع الحلول الناجعة للقضاء عليه.
ولا يفوتنا ان نذكر بأن التنظيمات الإرهابية ـ التي تنتحل صفة الإسلام زورا ـ قد أنشأت بفعل سياسي مخابراتي معادي للإسلام، واعتمدت في نشئتها على موروث فاسد مُرر على عقول سطحية ما عرفت ولا استوعبت أصل دعوة الإسلام ولا آلية العمل بها؛ إذ أن فهمها الخاطئ للجهاد دفعها للقتل والتدمير وإلغاء الآخر، في وقت كانت فيه الدعوة الإسلامية الحقيقة، دعوة سلمية رُسمت معالمها من خلال القرآن الكريم ((لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا والله سَمِيعٌ عَلِيم)) (البقرة – 256) خصوصا وأنها التي لا تقر الإيمان بالإكراه، فكيف يريدونه بالقتل؟

نشأة التطرف الإسلامي
ترجع أصول التطرف الإسلامي لجذور تأريخيه بدأت منذ الصدر الأول للإسلام، بُعيد إقصاء حملة الدين الحقيقين ـ أوصياء النبي عليه وعليهم السلام ـ من خلال أخذ مراكز صدارتهم، ما أدى الى هذه القراءة الهجينة والمغلوطة للإسلام؛ وما تلاها من تدوين للتراث المزور في كتب أضفوا عليها صفة التقديس بحيث لا يسمح بمراجعتها وانتقادها خاصة في مبدأ الجهاد، حتى جلبت الويلات للأمة الإسلامية، وقد تأسست على ضوء ذلك مدارس فقهية مخالفة لنهج أهل البيت عليهم السلام؛ فرضت مفاهيمها واعتقاداتها على الناس بسياسة القمع والتخويف والصقت بمن يخالفها تهما جاهزة كالارتداد والكفر، لتتوارث الأجيال؛ هذه الأفكار والمعتقدات؛ جيلا بعد آخر، حتى صارت دستورا تستدرج به العقول الهابطة فكريا ومن  تهالك ظرفه الاقتصادي فصار مستعد لغسل دماغه وتجنيده لقتل الأبرياء، بعد اقناعه بأن هلاك روحه رحمة ثوابها الجنة، وهذا ما حدث في أفغانستان والعراق وأغلب دول العالم.

أسباب التطرف وعلاجه
لا يمكن حصر أسباب التطرف بسبب واحد، خصوصا وأنه أصبح ظاهرة اجتماعية تعاني منها البشرية جمعاء، لذا صارت الضرورة الى البحث عن كل الأسباب التي تعطيه النشأة والديمومة، ومن ثم قطع شرايينها ومنها الوضع الاقتصادي السيئ للدول الفقيرة وهبوط مستوى التعليم فيها، والتثقيف الديني المغلوط خصوصا إذا ما أضيفت عليه صفة التقديس كي يؤخذ كمسلمات لا تقبل الجدال.
إن هذه الأسباب مجتمعة وغيرها من الأسباب النفسية والتربوية هي التي سمحت للمنظمات الإرهابية، صناعة ضاعتهم الجوفاء من الإرهابيين، لذلك يكمن العلاج النافع والمخلص للبشرية من هذه الآفة بمعالجة هذه الأسباب مجتمعة وتحطيم كينونة التطرف وقلعه من جذوره، وهذا يتطلب جهدا واسعا وكبيرا تتضامن فيه كل الدول من أجل الخلاص.
كما إن تحسين الوضع الاقتصادي للدول الفقيرة وإيجاد فرص عمل فيها بما يزيح البؤس عن مواطنيها ويرفع عنهم العوز الذي يلجئ بسببه ضعاف النفوس لتلك التنظيمات، كما وأن رفع مستوى التعليم يفتح العقول على أخطاء ومغالطات نهج الإرهابيين بما يدفعها للتمرد عليهم ورفض منهجهم، مع أهمية العمل على مراجعة كتب التراث وتصحيح ما فيها خاصة ما يتعلق بدعوات الكراهية والقتل باسم الدين.

مآلات التطرف 
إن كل فكر عقيم مصيره الاندثار وهذا هو مآل فكر التطرف إذ أن العقيدة الهمجية والعمليات الدموية الإرهابية لا سند قانوني ـ ولا ديني ـ يعطيها الشرعية في قتل الناس، لمجرد أنهم يخالفونهم في الرأي أو المعتقد بل أن قواعد العيش المشترك وفي كل دعوات الأديان السماوية والوضعية تؤكد على السلمية، وهذا ما يجعل فكر التطرف ومعتنقيه غرباء عن هذا العالم؛ كونهم أصحاب نهج سياسي سيئ وأتباع عقيدة ناشزة بمخالفتها لشريعة السماء؛ لذا فأن الدين بل وحتى والواقع يكذبان طريقة أدائهم، إذ لا مكان للهمجية والقتل في أي دعوة سماوية او وضعية، خصوصا وأن البشرية تتجه صوب حياة التمدن.  

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م