19 جمادي الاول 1446 هـ   21 تشرين الثاني 2024 مـ 4:54 مساءً كربلاء
سجل الايام
القائمة الرئيسية

 | أحكام مجتمعية |  جدلية التبني بين القوانين الوضعية والتشريع الإلهي
2022-04-18   810

جدلية التبني بين القوانين الوضعية والتشريع الإلهي

يدفع الدين الإسلامي باتجاه تبني وكفالة الطفل اليتيم أو اللقيط بل وحتى الفقير بدافع الرحمة والرأفة الإلهيتين كونهما أسّه الاجتماعي، وبما أنه ـ الدين الإسلامي ـ الرسالة الخاتمة، ووجهته الناس جميعا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ إن رحمة الله قد وسعت كل شيء، دون استثناء او تفضيل لأحد على أحد، بدليل النص القرآني الكريم الذي يقول ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فسأكتبها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ))(الأعراف-156)، ما جعل من مبدأ الكفالة الاجتماعية ومنها كفالة الفقير واليتيم واللقيط ما يتسق مع مبدأ الرحمة الإلهية التي ترتقي بالإنسان؛ خصوصا وانه خليفة الله في الأرض بل وأكرم خلقه ((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) (التين-4).
وبما أن الرسول الكريم صلى الله عليه واله؛ هو واسطة الرحمة الإلهية ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)) (الأنبياء-107) في دار شاء الله أن تجري بالأسباب؛ لذلك كانت أحاديثه في الكفالة تنصب بهذا الاتجاه إذ يقول عليه الصلاة والسلام  أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ويشير إلى السبابتين من إصبعيه، وبما أن رحمة الله واسعة فقد وسعتهم حتى أنها لم تخلط الحابل بالنابل لتأخذهم بجريرة أخطاء آباءهم إذ لم يكونوا سببا في تحريك هذه الغرائز،  ليتحملوا ما نتج عنها من أثار سلبية بل كانوا ضحية لها ((وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) (الأنعام-164) لذلك نظرت شريعة السماء بعين الرحمة لهؤلاء اللقطاء أو الأيتام - الذين فقدوا الأبوين أو أحدهما ولأي سبب كان ـ ومنه باركت أمر تبنيهم بل وحثت عليه ميسوري الحال، لكنها بالمقابل، وكي لا يغيب عنها بعض التبعات السلبية لذلك التبني، فرضت شروطا قيدت فيها بعض الأمور حفاظا على الحقوق الشرعية للعائلة المتبنية، كالمحافظة على الأنساب، والحقوق الشرعية في الإرث للأبناء الحقيقيين، لعلة إن موضوع تبني هؤلاء الأطفال مبني على الرأفة والرحمة فقط، ولا يجوز التعدي على الحقوق الشرعية والأخلاقية للعائلة المتبنية.

ماذا قالت الشريعة الإسلامية في حق التبني؟
نظمت الشريعة الإسلامية أمر التبني بقوانين ذكرتها بنصوص قرآنية واضحة وبأحاديث وتقريرات وسلوكيات عصموية للنبي الأكرم وأهل بيته عليهم السلام، مراعية بذلك شمولية القوانين وعموميتها بحيث لا تترك أثرا محسوبا يسبب حرجا أو ضيرا عند تطبيقها، في أي مجتمع كان، والقصد دائما حفظ الحقوق ونزع العداوات التي قد تترتب على أمر التبني بين الأبناء المتبنين وبين الأولاد الحقيقين، فكان مما شرعت وبنص قرآني ((.............. وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّـهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ )) (الأحزاب-4) إذ أنها تنفي البنوة الحقيقية للمتبني وتحسب أن بنوته كانت مجرد ادعاء لفظي لا غير، أساسه الرحمة، وأن العدل الإلهي يقتضي نسبتهم إلى آبائهم الشرعيين لتبعد المزاحمة بين الابناء الحقيقيين ومن تم تبنيهم بأثر العطف والرحمة، نافية أن لهم حقوق في جانب النسب والميراث ـ مع إمكانية اعطاءهم أي شيء بقصدية الهبة والتبرع وليس التوريث ـ إذ أن القرآن الكريم ينص على أن الأحقية والأولوية هي لصلة الرحم ((........وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) (الأنفال-75) ليترتب على ذلك أمورا لا يحق فيها للمتبني أن يكشف ستر عائلته أمام من يتبناه في حالة بلوغه سن التكليف الشرعي، مع اعطاءه الحق في الزواج من بنات المتبني باستثناء من شاركهن الرضاع فقط، لأن الرضاعة تشكل حائلا ومانعا من التزاوج، وعليه يلزم المتبني أدعاء الأبوة لمن يتبناه بل ومنعه من تسجيله باسمه قانونا، بل وعليه أن يخبره عندما يبلغ الحلم بحقيقة أمره من أنه تكفله إنما كان رعاية له ورأفة به وهو ليس ابنا حقيقيا.  

جميع الحقوق محفوظة لموقع (الإسلام ...لماذا؟) - 2018 م